إسرائيل: تأجيل الانقلاب القضائيّ لا يُبعد الحرب الأهليّة

2023-03-31

إسرائيل: تأجيل الانقلاب القضائيّ لا يُبعد الحرب الأهليّة

لا يمكن وصف ما يجري في إسرائيل من تظاهرات غير مسبوقة وصلت إلى حدّ التلويح بالحرب الأهلية، تحت لافتة مواجهة “الانقلاب القضائي”، بأنّها “صراع حول الديمقراطية”. فالديمقراطيّة التي يزعم متظاهرو تل أبيب الدفاع عنها هي ديمقراطية الفوقية اليهودية في إطار نظام الأبارتهايد – الكولونيالي الصهيوني، حيث إنّ الصراع هو داخل الصهيونيّة… لا عليها أو حولها.

وبالنظر إلى البعد الهويّاتي للمتظاهرين، فإنّ التوصيف الدقيق لما يجري في إسرائيل هو صراع على الهيمنة يدور بين كتلتين ويتعلّق بشكل الترتيب الاجتماعي وحجم الامتيازات داخل البيت الصهيوني وتحت سقف النظام الاستعماريّ، والأهمّ على قيادة المشروع الصهيوني في المرحلة المقبلة بعدما باتت الحدود الاجتماعيّة والطبقية بين المعسكرات المتصارعة أكثر سماكة نتيجة تحوّلات ديمغرافية واجتماعية وسياسية ضربت في عمق المجتمع الإسرائيلي. وهو صراع قد يصل إلى حافة الحرب الأهلية.

لا يمكن وصف ما يجري في إسرائيل من تظاهرات غير مسبوقة وصلت إلى حدّ التلويح بالحرب الأهلية، تحت لافتة مواجهة “الانقلاب القضائي”، بأنّها “صراع حول الديمقراطية”

متى تندلع الحرب الأهلية؟

إسرائيل كما كلّ المجتمعات ليست محصّنة تماماً من الحرب الأهلية حين تنشأ مجموعتان لهما نفس القوّة أو تدّعيان ذلك. وليس صحيحاً أنّ الحرب الأهلية تنشأ في العالم الثالث فقط. فالتاريخ شاهد على حروب أهلية في أوروبا نفسها، كحرب يوغوسلافيا والبوسنة. لكنّ الحرب الأهلية في إسرائيل تحتاج، بحسب الكاتب الفلسطيني والخبير بالشأن الإسرائيلي أكرم عطا الله في حديثه إلى موقع “أساس”، إلى أن “يتلقّى اليمين الديني صفعة الخسارة، وحينها سيتمّ إطلاق مجموعاته في الشارع بكلّ عنفها، وهي تلك المجموعات التي تشكّل المستوطناتُ في الضفّة توربيناتِ شحنها ومنتجها الثقافي والقومي والديني”. برأيه أنّ “المتديّنين هم أكثر جرأةً على استعمال العنف، وستنطلق شرارة العنف فقط حين تحدث الخسارة. رأينا ذلك في أكثر من دولة. وفي إسرائيل ستحدث إذا تمّت هزيمة مشروع “الانقلاب القضائي” أو إذا ما تسبّبت التظاهرات بإسقاط حكومة نتانياهو، وحينها سيخرج التيار الفاشي للشارع وتبدأ المعارك”.

بالنسبة للمستوطنين وتيار اليمين في إسرائيل فإنّ التعديلات القضائية هي حجر الرحى لتنفيذ مشروعهم السياسي والاجتماعي ودكّ خطوط التماسّ مع مؤسّسات الدولة العميقة وقضم هوامشها ومنظومة كوابحها. ومن خلال ذلك تتجاوز مخالبهم جدران مؤسّسات القضاء إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية والإعلام، وقد حان الوقت لذلك.

من جهته، يرى المختصّ في الشأن الإسرائيلي خالد عنبتاوي أنّ “اليمين الصهيوني يطرح مخطّطه القضائي لقلب النظام السياسي في تل أبيب في سياق مخاض يعيد إنتاج الذات ويرسّم الحدود من جديد، وفي سياق سيرورة صهيونية أوسع وأشرس تعيد فيها الصهيونيّة تسميك قماشتها الفاشيّة والاستيطانية الاستعمارية والاجتماعيّة المحافظة والأرثوذكسيّة الدينيّة، ومأسستها في مؤسّسات الدولة العميقة، وهي سيرورة من التحوّل الداخلي بدأت بعد احتلال عام 1967، ووصلت إلى مرحلة الحسم”.

لماذا “انحنى” نتنياهو؟

في الواقع لا يتعلّق مشروع نتانياهو وشركائه الانقلابي بالداخل الإسرائيلي فقط، وإنّما يطال جوهر الصراع مع الفلسطينيين. إذ يعتقد المتطرّف سموتريتش أنّ التعديلات القضائية ستمهّد لإنشاء مبنى قضائي شرعي، أي ذي طابع ديني، يمكنه أن يسهّل سياسات الاستيطان وضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

بناءً عليه، فإنّ انحناءة نتانياهو المؤقّتة هي انحناءة تكتيكية، ومناوره لكسب الوقت، ريثما يلتقط نتانياهو أنفاسه، ويعيد ترتيب أوراقه بعد الضغط الهائل الذي تعرّض له من الشارع الإسرائيلي، ومن الرئيس الأميركي شخصياً. ضغط بلغ ذروته وتكامله بعد إقالة وزير الجيش يوآف غالانت بسبب مطالبته بتأجيل التعديلات الدستورية.

وانحتاءة نتنياهو ظهرت في إعلانه تأجيل التصويت على مشروع “الانقلاب القضائي” إلى ما بعد الأعياد اليهودية. وذلك بعدما شارفت إسرائيل على الدخول في شلل كامل وعصيان مدني. إذ أعلن “الهستدورت”، الدخول في إضراب مفتوح. و”الهستدورت” هو الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية ونقابة الأطباء والجامعات والمدارس والمطار والجمارك، سبقه تمرّد في صفوف جنود الاحتياط وموظّفو الطيران والاقتصاديون.

يحدث في إسرائيل، الآن، عاصفة شاملة وكاملة، ولن يتمّ وقف العاصفة في القريب، فالمعارضة الإسرائيلية لا تثق بنتانياهو، وتعرف أنّ بيبي ملك المناورة والخداع، وأنّ إعلانه تجميد الانقلاب القضائي جزء من ذلك

وحسب توصيف الصحافة الإسرائيلية، فإنّه “طوال سنوات وجود إسرائيل، لم يتلقّ رئيس وزرائها أبداً مثل هذا الازدراء الصاخب والمهين من المواطن رقم 1 في الولايات المتحدة، وهو الرئيس الأميركي جو بايدن”.

وكان بايدن قد أصدر بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقة مع تل أبيب بياناً علنيّاً قال فيه إنّه قلق جدّاً من المسار الذي تسير فيه الدولة العبرية، ويأمل أن يترك رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو هذا المسار، معلناً أنّ دعوة نتانياهو إلى البيت الأبيض لن تكون في القريب.

في واقع الأمر، بدأت واشنطن تدرك الوضع الحقيقي في إسرائيل عندما زار وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إسرائيل لعدّة ساعات، واضطرّ إلى لقاء نتانياهو ووزير الجيش، يوآف غالانت، في مطار بن غوريون بسبب الاحتجاجات على الخطة القضائية وقطع الطرقات. وقد ذكّر هذا الأميركيين بمناخات زياراتهم للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين.

على الرغم من أنّ واشنطن لم تتّخذ بعد خطوات ملموسة ضدّ إسرائيل، إلا أنّ المباشرة وقوّة النقد تذكّران بأزمة الضمانات مع إدارة بوش في عام 1991 حين شكّلت الأزمة المقدِّمة لهزيمة رئيس الحكومة إسحق شامير في الانتخابات.

غفير يهاجم بايدن

لكنّ هذا لم يمنع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من التعليق على كلام الرئيس الأميركي بالقول إنّه “ينبغي أن يفهم الأميركيون أنّ إسرائيل هي دولة مستقلّة وليست نجمة أخرى في العلَم الأميركي، وينبغي أن يكون واضحاً للعالم أنّ الشعب الإسرائيلي ذهب إلى انتخابات، وأنّ لديه إرادة خاصة به”.

ما حدث على الأرض أنّ شركاء نتانياهو في الحكومة قبلوا بتأجيل المصادقة على التعديلات القضائية مؤقّتاً وبالذهاب إلى التفاوض مع المعارضة، مقابل صفقة تقوم على موافقة نتانياهو على تشكيل حرس وطني يتبع مباشرة لإيتمار بن غفير، ولن يكون تابعاً لقيادة شرطة إسرائيل. هذا “الحرس” سيتمّ تشكيله من اليهود المتديّنين المستوطنين، حلفاء بن غفير وسموتريتش الذي دعا علناً إلى “محو حوارة”.

في كلّ الأحوال، لا تدلّ المؤشّرات على أنّ نتانياهو سيذهب إلى حدّ إلغاء الانقلاب القضائي. ويرى الكاتب الفلسطيني والخبير في الشأن الإسرائيلي طلال عوكل أنّه من الحماقة التوقّع أن يُفرّط نتانياهو بائتلافه واستمرار حكومته وإنهاء حياته السياسية في السجن أو خارج الحكومة، وأنّ من الحماقة أيضاً التفكير في أنّ نتانياهو وشركاءه يمكن أن يتراجعوا عن مشروعهم، حتى مع البدء بمفاوضات مع المعارضة الإسرائيلية في منزل رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، فهم أيضاً يملكون جمهوراً بمئات الآلاف يستطيعون إخراجه إلى الشارع، مقابل الجمهور الذي يخرج خلف “المعارضة”.

إقرأ أيضاً: يحدثُ في جيش إسرائيل

ليست إلا بروفة صغيرة تظاهرات عشرات الآلاف من أنصار اليمين المتطرّف في مدينة تل أبيب، مساء الخميس، للتعبير عن دعمهم لمساعي ائتلاف بنيامين نتانياهو إلى إضعاف جهاز القضاء.

يحدث في إسرائيل، الآن، عاصفة شاملة وكاملة، ولن يتمّ وقف العاصفة في القريب، فالمعارضة الإسرائيلية لا تثق بنتانياهو، وتعرف أنّ بيبي ملك المناورة والخداع، وأنّ إعلانه تجميد الانقلاب القضائي جزء من ذلك، ولن تضع سيفها في غمده، ولن توقف التظاهرات حتى إلغاء الانقلاب بالكامل.

في المقابل يخوض نتانياهو حربَ حياته ومستقبله ودوره وأهدافه الشخصية والاحتلالية، وهو في سبيل ذلك لا يهمّه ما يحصل للدولة والمجتمع الإسرائيليَّين.

مواضيع ذات صلة

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…

الكويت والعراق.. “طاح الحطب” شعبيّاً

ليل السبت 7 أيلول الحالي، عبَرَت سيارة عراقية الحدود مع الكويت آتية عبر البصرة في جنوب بلاد الرافدين، لتطوي 34 سنة من المنع منذ قام…