العجز الداخلي الكامل عن انتخاب رئيس أصبح مسلَّماً به. انتهت الجولة الأولى للموفد الفرنسي جان إيف لودريان بتثبيت اللاءات المعروفة. وظهرت ثابتتان تتحكّمان بالمشهد السياسي في البلاد: الأولى عدم تبدّل الموقف السعودي على الرغم من كلّ المحاولات الفرنسية، وآخرها كانت في لقاء الرئيس ماكرون بوليّ العهد محمد بن سلمان. والثابتة الثانية هو تماسك التقاطع المسيحي على رفض مرشّح الثنائي سليمان فرنجية، وهو أمر لن يتغيّر في المقبل من الأيام. غادر لودريان بعد لقاءات خصّصها للأسماء الجدّية المرشّحة للرئاسة، فكان له غداء مع فرنجية وخلوة مع الوزير السابق زياد بارود وخلوة من عشرين دقيقة مع قائد الجيش جوزف عون طلبها لودريان على هامش زيارة الوفد الفرنسي لليرزة، وسيلتقي لاحقاً في باريس الوزير السابق جهاد أزعور. هكذا توسّعت لائحة فرنسا لتضمّ إلى فرنجية، عون وبارود وأزعور. وللانطلاق بعناوين المرحلة المقبلة يجب التوقّف عند محطّتين اثنتين: كلام الرئيس نبيه برّي الأخير وكلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد على أنّ مقاربة المرحلة المقبلة تبدأ من فتح الأبواب للحوار.
ضمانة الرئيس
في المناقشات السياسية كلام عن أنّ الضمانة الوحيدة للحزب في العهد الجديد هو شخص الرئيس ما دامت الطائفة الشيعية “مغيّبة” في الصيغة اللبنانية. وقد عبّر نائب الحزب حسين الحاج حسن في كلامه من مجلس النواب عن هذه الإشكالية بالقول إنّ الحوار المطلوب هو على الخيارات الوطنية.
يأتي هذا الكلام في سياق عدم رغبة الحزب بتكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. وانطلاقاً ممّا يعتبره الحزب محاولات لعزله وطائفته يبرّر اختراقاته الأمنيّة في الساحة الداخلية اللبنانية من أحداث السابع من أيّار وصولاً إلى القمصان السود. فبالنسبة للحزب كلّ خطوة لها طابع أمني قام بها في الساحة اللبنانية مبرّرة تحت عنوان “مواجهة التآمر عليه”. وعليه جرى التمسّك بسليمان فرنجية على قاعدة تكريس أن تصبح رئاسة الجمهورية المارونية بشخص الرئيس ضمانة للحزب باختياره حليفاً له “لا يطعنه بظهره”، على حدّ تعبير الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله.
رأت مصادر سياسية متابعة أنّ افتعال الكلام عن الصيغة ليس إلا محاولة أخيرة لفرض شروط رئاسية على التسوية المقبلة، وذلك لأكثر من سبب
انطلاقاً من هذا الكلام تحوّلت الرئاسة إلى أزمة سياسية عميقة يحاول فريق الثنائي التعبير عنها بأزمة نظام. في المقابل، رأت مصادر سياسية متابعة أنّ افتعال الكلام عن الصيغة ليس إلا محاولة أخيرة لفرض شروط رئاسية على التسوية المقبلة، وذلك لأكثر من سبب: أوّلاً، أُقِرّ اتفاق الطائف بضمانة سعودية أميركية فاتيكانية ولا تبديل فيه ولا تعديل من دون الحصول على ضمانات مماثلة. والواقع أنّ هذه المرجعيات تؤكّد في كلّ مناسبة ثبات “الطائف” مرجعية سياسية دستورية في البلاد. ثانياً، العالم مشغول بأزماته ولا وقت للكلام عن أيّ بحث في الصيغة. بل سيكون الحوار اليوم على رئاسة الجمهورية والحكومة وصيغة وجود المقاومة في المعادلة الداخلية، وما بعد ذلك من إجراءات هو مفتاح للسير في مسار الإصلاح. وغير ذلك كلام لرفع السقوف السياسية.
اختمرت التسوية بانتظار إخراجها
في كلامه الأخير قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي إنّ الموفد الفرنسي يدرس إمكانية حصول حوار بين اللبنانيين. غير أنّ برّي نأى بنفسه عن الدعوة إلى حوار بعدما أصبح طرفاً يتبنّى سليمان فرنجية كما هي حال بكركي التي نأت بنفسها عن الدعوة إلى أيّ حوار لسببين: أولاً، أنّها سبق أن حاولت وفشلت بسبب تصلّب ورفض القوى المسيحية لسليمان فرنجية، وثانياً أنّها متوجّسة من أن يفتتح أيُّ حوارٍ نقاشاً في الصيغة التي تتمسّك بها بكركي. وبالتالي لا بدّ أن يحصل أيُّ حوار على الضمانات الدولية نفسها التي حصل عليها اتفاق الطائف. وعليه، تشير المعلومات إلى أنّ مسعى لودريان لن يقتصر على زيارة المملكة العربية السعودية وقطر، بل سيشمل النقاش قوى اللجنة الخماسية وإيران للوصول إلى إخراج للحلّ اللبناني الذي بات واضح العناوين في الكواليس السياسية. هل يكون الإخراج بالدعوة إلى حوار في إحدى العواصم الخليجية وبضمانات خليجية دولية؟ هو احتمال لكنّه ليس محسوماً بعد. ولكنّ اللافت أنّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد رحّب بأيّ دور مساعد لحلّ الأزمة، سواء “أكان سعوديّاً أو قطريّاً أو ألمانيّاً أو غيرهم.. على أن لا يكون فرضاً بل مساعدة”. تنسجم قراءة هذا الكلام ببديهيّاته مع الإعداد لحوار لا يفترَض بإيران أن تكون بعيدة عنه لأنّه أصبح من المسلّم به أنّ الرئاسة اللبنانية خرجت من الحدود الداخلية وأصبحت مادّة ضرورية للتفاهم بين الأميركيين وإيران مروراً بالخليج وهي في طريقها إلى الحلّ.
إقرأ أيضاً: “الثنائيّ الشيعيّ” للودريان: لا لقائد الجيش!
اعترف الحزب على لسان رئيس كتلته أن لا أحد يستطيع أن ينتخب رئيساً من دون الفريق الآخر. بالتزامن مع ذلك كان الرئيس برّي يتحدّث عن تفضيل أميركي لقائد الجيش رئيساً للجمهورية. وقد أصبح معلوماً أنّ مسعى قطر يمهّد الطريق الرئاسية لجوزف عون. يبقى أنّ موقف الحزب يُتوقّع أن يعلَن قريباً مع الكلام عن لائحة أسماء جدّية للرئاسة.
سيجد الحزب نفسه مضطرّاً إلى الاختيار بعد اقتناعه هو وحلفائه بأنّ حليفه الأساسي جبران باسيل قطع عليه طريق بعبدا.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@