سرّ بوتين تكشفه أمّه

في 31 أيار الماضي توفّيت في إحدى القرى النائية في جورجيا سيّدة تدعى فيرا بوتينا، عن عمر تجاوز السابعة والتسعين عاماً. ما كان لخبر وفاة هذه السيّدة أن يثير أيّ اهتمام لو لم تكن أمّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، أو على الأقلّ هذا ما كانت تقوله دائماً.

تروي وزيرة الخارجية الأميركية السابقة (وزوجة الرئيس الأميركي الأسبق) هيلاري كلنتون في مذكّراتها، نقلاً عن بوتين نفسه، القصّة العائلية التالية: يقول بوتين إنّه في أثناء الحرب العالمية الثانية تقدّمت القوات الألمانية وحاصرت مدينة “ليننغراد” (سان بطرسبورغ) بين عامَي 1941 و1944، وفرضت على سكّانها خيارين أحلاهما مرّ: إمّا الموت تحت القصف أو مغادرة المدينة إلى السهول الثلجية القاتلة.

كانت فيرا تطلق على ابنها اسم “فوفال”. وتقول إنّها حملت به بعد قصّة حبّ قصيرة مع أحد زملائها من الجامعة يدعى بلاتون بريفالوف بعد ليلة حمراء “راقصة”

يضيف بوتين الذي لم يكن قد وُلد بعد أنّ والده الذي كان يؤدّي الخدمة العسكرية في القوات السوفيتية لمواجهة القوات النازية الغازية، طلب إجازة قصيرة لزيارة زوجته الوحيدة في سان بطرسبورغ، وأنّه عندما وصل إلى قرب المنزل وجد سيارة شحن عسكرية سوفيتية ملأى بجثث المدنيين الذين سقطوا بسبب القصف الألماني. وكانت تلك الجثث مجمّعة من دون ترتيب تحت عامل السرعة خوفاً من تجدّد القصف.

يتابع بوتين روايته للسيّدة كلينتون فيقول إنّ والده لاحظ حذاء في رِجل إحدى الجثث يشبه حذاء سبق أن اشتراه لزوجته قبل أن يتوجّه إلى الجبهة. فشكّ في الأمر وطلب من الجنود المكلّفين نقل الجثث السماح له بتفقّد جثّة صاحبة هذا الحذاء ليتأكّد من الأمر، فسُمح له. ولمّا تبيّن له أنّها زوجته فعلاً، طلب السماح له بنقل الجثّة إلى منزله القريب ليدفنها في مدفن العائلة. وأثناء نقل الجثّة اكتشف أنّها لم تفقد الحياة بعد. فحملها إلى المستشفى حيث جرت معالجتها، ونجت من الموت. وهذه السيّدة هي التي أنجبت فيما بعد، وتحديداً في عام 1952، مولوداً ذكراً حمل اسم فلاديمير. وهو الذي يعتلي اليوم عرش الكرملين.

لأسباب شخصية انفصلت فيرا بوتينا عن زوجها وتزوّجت رجلاً ثانياً وحملت معها طفلها الصغير فلاديمير إلى بيت الزوجية الجديد في قرية ميتيكي في جورجيا. وهناك التحق فلاديمير بمدرسة القرية وكان متفوّقاً بين أقرانه. ولكنّه لم يكن سعيداً. فما إن أصبح يافعاً حتى انضمّ إلى الجيش السوفيتي، ثمّ إلى جهاز المخابرات “كي جي بي”. ولم ترَ أمّه وجهه طوال هذه السنوات إلى أن رأته فجأة على شاشة التلفزيون في عام 1999 رئيساً للدولة الروسية.

لمّا سُئلت كيف استطاعت أن تتعرّف على ابنها قالت إنّه ما يزال يمشي كالبطّة.

الطفل الذي تربّى في كنف الجيش السوفيتي السابق، وجهاز المخابرات “كي جي بي”، هو الذي يقود اليوم الحرب في أوكرانيا ويتمتّع بسلطة الضغط على الزرّ النووي

حاول جهاز المخابرات الروسي إسكات الأمّ بالتي هي أحسن، وصادروا من بيتها القروي الصغير كلّ ما يمتّ إلى بوتين بصِلة.

كانت قرية ميتيكي من القرى الجورجيّة المهملة والفقيرة وتقع في أحد سفوح جبال القوقاز.

كانت فيرا تطلق على ابنها اسم “فوفال”. وتقول إنّها حملت به بعد قصّة حبّ قصيرة مع أحد زملائها من الجامعة يدعى بلاتون بريفالوف بعد ليلة حمراء “راقصة”. غير أنّه سرعان ما هجرها وهي حامل وتزوّج سيّدة أخرى. تزوّجت فيرا ثانية، وكان زوجها جندياً جورجياً يدعى جيورجي أوسيباسيفلي في طشقند ولم يكن وجود “الطفل فوفا”، أي بوتين، ليشكّل عائقاً في هذا الزواج الذي استمرّ حتى موت جيورجي.

هكذا عاشت بوتينا وحيدة بقيّة حياتها في بيت قروي فقير في قرية جورجية مهملة لا تعرف شيئاً عن مصير ابنها فلاديمير الذي التحق بالجيش ثمّ بالمخابرات، إلى أن رأته سيّداً على الكرملين. وهو اليوم مالئ الدنيا وشاغل الناس في مشارق الأرض ومغاربها.

إقرأ أيضاً: تمرّد “فاغنر”: 3  احتمالات.. أبرزها “ألعوبة” يديرها بوتين

في عام 2003، وكانت فيرا قد بلغت السابعة والسبعين من عمرها، زارتها في بيتها القروي بعثة هولندية كانت تجري دراسة توثيقية عن حياة بوتين. يومذاك طلب منها أعضاء البعثة الحصول على بضع نقاط من دمها لإجراء فحص هرموني (دي إن إيه). وقد نالوا ما أرادوا، لكن لم تُعلن البعثة شيئاً. منذ ذلك الوقت فرض جهاز المخابرات الروسي “كي جي بي” حظراً على فيرا لمنعها من الخضوع مرّة ثانية لمثل هذه الاختبارات الجينية أو حتى لاستقبال صحافيين من أيّ دولة، وصادروا من خزانتها المهترئة صوراً لطفل في الثالثة من عمره يلبس الشورت وتشعّ عيناه وكأنّه توقّف لتوّه عن البكاء.

هذا الطفل الذي تربّى في كنف الجيش السوفيتي السابق، وجهاز المخابرات “كي جي بي”، هو الذي يقود اليوم الحرب في أوكرانيا ويتمتّع بسلطة الضغط على الزرّ النووي.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…