تراجع وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية عن العقد – الفضيحة، أي صفقة الفساد بالتراضي التي كانت ستبيع مبنى المسافرين رقم 2 في مطار بيروت الدولي لربع قرن مقبل. تراجع ليس لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة وليس شجاعة منه، كما قال في تغريدته الصباحية أمس، بل لأن الضغط الرقابي، الشعبي، الإعلامي، والنيابي نجح في إسقاط العقد وجعله “كأنّه غير موجود”، كما قال حمية.
فما الذي حصل في اجتماع اللجنة النيابية للأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه الخميس؟
وما الذي دفع بالوزير حمية إلى التراجع عن العقد الفضيحة “واعتباره كأنّه غير موجود” قبل التوجّه إلى الاجتماع؟
أكّد مصدر نيابي لـ”أساس” أنّ “الوزير حمية كان على علم بالجوّ العام الذي سيسود في اجتماع اللجنة، وكان يعلم جيداً وجود توجّه للضغط عليه من أجل التراجع عن العقد الذي لن يمرّ”. وأكّد أنّ “كتلة حزب الله اتخذت القرار وأبلغته لحمية وطالبته بالتراجع عن التلزيم قبل الاجتماع لحفظ ماء وجهه”. ويغمز المصدر إلى “وجود خلاف داخلي في حزب الله بين من يريد “لحس إصبعه” من فساد الدولة وهي في طور انهيارها، وبين من يصرّ على عدم الانغماس في هذا المستنقع. ويبدو أنّ الطرف الأخير هو من انتصر في هذه الجولة”.
رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب سجيع عطية، الذي رأس الاجتماع أمس، أكد لـ”أساس” أنّ “80 نائباً كانوا حاضرين تقريباً، بالإضافة إلى وزير الأشغال وممثّلين عن الهيئات الرقابية المعنيّة”. ووصف الاجتماع بأنّه “كان ودّياً، وانتهى إلى إجماع على إلغاء التلزيم، وضرورة خضوعه لقانون الشراء العام”.
مصدر نيابي لـ”أساس”: الوزير حمية كان على علم بالجوّ العام الذي سيسود في اجتماع اللجنة، وكان يعلم جيداً وجود توجه للضغط عليه للتراجع عن العقد الذي لن يمرّ
توصيات اللجنة الجديدة
هذا وعلم “أساس” أنّ اللجنة خرجت بـ5 توصيات:
1- إلغاء العقد، بنصّه الحالي، نهائياً وفسخه كلياً مع شركة LAT.
2- حصر السير بالتلزيمات وفقاً لقانون الشراء العام وتحت رقابة ديوان المحاسبة.
3- أيّ توسعة جديدة في المطار أو مطار جديد يجب أن تكون خاضعة لمخطط توجيهي عام في البلد. وكشف عطية أنه سيتم تشكيل لجنة فرعية من لجنة الأشغال النيابية لبحث مخطط توجيهي عام لتحديد أماكن المطارات حسب الأهمية الاقتصادية والإنمائية والسياحية للبلد.
4- العمل على تعديل إحدى المواد في قانون الشراء العام لتسمح بعقود تتجاوز مدتها 4 سنوات وتصل إلى 20 سنة. إذ كانت هذه هي الإشكالية الأساسية في العقد لأنّ الوزير حمية لجأ إلى قانون رسم المطارات عام 1974، ليستفيد من المدة. وكانت التوصية هنا بالرجوع إلى قانون الشراء العام وتعديل المادة التي تحدّد مدة العقود بـ 4 سنوات فقط.
5- تفعيل مجلس الخصخصة في البلد.
لا تعني هذه التوصيات إجراء العقد بعد فترة إثر تعديل المادة المذكورة أعلاه، بل يؤكد عطية أن كل شيء توقف في انتظار حكومة جديدة أصيلة وانتخاب رئيس جديد ومخطط توجيهي شامل يحدد حاجة البلد إلى المطارات وموقعها.
ماذا في الكواليس؟
استند “أساس” إلى مصادر نيابية متنوّعة شاركت في جلسة “إسقاط صفقة المليار” أمس، وهنا ملخّص لأبرز المداخلات من أبرز المتحدّثين، وأبرز ما قالوه:
– رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران: الملف في عهدة ديوان المحاسبة اليوم، ونحن القضاة نلتزم موجب التحفّظ، وسنعطي رأينا المفصّل في الموضوع وفي الأساس القانوني له. وعلى الرغم من إلغاء العقد سيكمل ديوان المحاسبة عمله، وسيعطي رأيه في قانونيّته بهدف وضع الأسس القانونية.
– مدير هيئة الشراء العام جان العلّية: من اللحظة الأولى التي طرح الوزير حمية التلزيم قلتُ له إنّه مخالف ولا سند قانونياً له. وتأكيداً على تمسّكي بوجهة نظري طلبت الحصول على العقد ودفتر الشروط. ولمّا كان الوزير غير مقتنع برأيي فقد تمنّيت عليه أن يتوجّه إلى ديوان المحاسبة ويأخذ رأيه، لا سيما أن العقد خاضع لرقابة الديوان.
– الوزير علي حمية: لا أريد أن أتسبّب بتشنّجات في البلد، وأنا خاضع للهيئات الرقابية ورأي لجنة الأشغال النيابية على الرغم من قناعتي بوجود ايجابيات كبيرة للمشروع.
– النائب حسين الحاج حسن: نحن حزب الله اتّخذنا قراراً بالتراجع عن العقد، وعلى الرغم من اعتقادنا بوجود سند صحيح، لكن إثر ظهور أكثر من وجهة نظر مغايرة، قرّرنا التراجع عنه. حزب الله دعم قانون الشراء العام وما يزال يدعمه.
– النائب إبراهيم منيمنة ناقش المآخذ على العقد الذي كانت توجد نيّة لتلزيمه من دون دراسات ومن دون منافسة.
– النائبة بولا يعقوبيان طرحت سؤالين عن الشفافية وأسباب عدم نشر العقد، وغادرت الجلسة قبل أن تسمع الجواب عن أسئلتها.
سجيع عطية لـ”أساس”: 80 نائباً كانوا حاضرين تقريباً، بالإضافة إلى وزير الاشغال وممثلين عن الهيئات الرقابية المعنية
– النائب جورج عدوان تحدّث عن أهمية المشروع وحيويّتة وضرورة أن يتمّ حصراً في إطار المنافسة والشفافية.
– النائب ملحم خلف تطرّق إلى نقاط قانونية تتعلّق بالشفافية والسند القانوني للعقد.
– النائب سيزار أبي خليل قال إنّ هذه الصفقة خاضعة لقانون الشراء العام ويستحيل عقدها خارج هذا القانون.
– النائب محمد خواجة (حركة أمل!): ما أوصل البلد إلى هنا أنه كانت هناك عقود بهذه الطريقة.
– النائب فيصل الصايغ: أصبحنا في مرحلة لا يمكننا إلا أن نطبّق قانون الشراء العام، وإن كان هناك أخطاء في السابق فالأجدر أن نتعلم منها لا أن نعيد الكرّة.
– النائب وضاح الصادق طالب بالاطّلاع على العقد، وأكّد أنّ من غير المقبول اليوم الخروج عن إطار الشفافية والمنافسة في أيّ عقد.
حدّة بين جورج عطالله وجان العليّة
من ناحية أخرى، شهدت الجلسة نوعاً من النقاش شبه الحادّ بين النائب جورج عطالله ورئيس هيئة الشراء العام جان العلية، وذلك حين قال عطالله: “إذا ألغي المشروع فذلك بفعل الضغط الإعلامي وليس بفعل أجهزة الرقابة، ولا هيئة الشراء العام، ولا ديوان المحاسبة”، متوجّهاً بالنقد إلى العلية باعتباره “تمنّى” على الوزير وهو يعلم أنّ العقد مخالف للقانون. فردّ العلية على عطالله: “أنا أوّل من قال إن هذا المشروع لا سند قانونياً له، وأنا لست في موقع إعطاء الأوامر لوزير، بل هناك أصول إدارية نحن نحترمها، وبناء الوطن لا يكون بالتشكيك في دولة المؤسسات”. وغمز العلّية من قناة صفقة بواخر الكهرباء التي شهدت حروباً إعلامية كبيرة بينه وبين التيار الوطني الحر، قائلاً لعطالله: “إن كان أحدهم لا يستطيع أن يأخذني إلى جانب سياسي معيّن، فعليه ألا يشكّك في مؤسسات الرقابة، وإن كان في باله أن يشبّه هذه القصة بقصة ثانية (هنا يقصد صفقة البواخر) فأنا انتظرت شهراً ونصف شهر أن يُطبَّق القانون قبل أن أتحدّث في الإعلام”. وعندئذٍ انضمّ إلى السجال النائب سليم عون ممازحاً: “دغري بيعلى صوته علينا.. أنظروا كيف علا صوته”، قاصداً العليّة.
إقرأ أيضاً: اتّحاد العائلات البيروتيّة: “الكهنة” يصارعون الإصلاح..
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ رئيس التيار الوطني الحر، الذي كان مشغولاً في “تطييف” التوقيت الصيفي، تحدّث في كل شي يوم الخميس الماضي من غير أن يأتي على ذكر صفقة المطار.
وكان ختام المداخلات النيابية أيضاً مع النائب حسين الحاج حسن الذي قال: “نحن نحتكم إلى مؤسسات الرقابة وهذا مسارنا وهذا قرار الحزب، ونريد من هيئة الشراء العام أن تقوم بدورها”.
الخلاصة أنّه مهما كانت الأسباب التي أدّت إلى إلغاء الصفقة – الفضيحة، فما حصل أمس وضع سقفاً عالياً لاحترام القانون سيكون من الصعب تجاوزه في المرحلة المقبلة.