قد يختلف الكثيرون في توصيف الدكتور حسان علي حلاق، اللبناني المولود في بيروت.
يطيب للبعض أن يُطلق عليه لقب الأكاديمي الكاتب، فتاريخه في التدريس الجامعي حافل وطلابه بالآلاف من كليّة التاريخ بالجامعة اللبنانية إلى جامعة بيروت العربية التي نَمَت حولها عند بنائها منطقة الطريق الجديدة التي شهدت ولادة حلّاق، فيما آخرون يصفونه قائلين إنّه “الآدمي”، وآخرون كُثُر يتحدّثون عنه أنّه مؤرّخ بيروت، أو ربّما أبرز المؤرّخين في بيروت.
طلّاب حسان حلاق في الجامعتين اللبنانية والعربية يصفونه بالدكتور “الإنسان” الذي يمدّ يد المساعدة لأيّ طالب يلجأ إليه، ويجهد في مساعدة طلاب الدراسات العليا الساعين عبره إلى نيل شهادة الدكتوراه أو الماجستير. وهؤلاء الطلاب هم من كلّ الفئات والطبقات، فهم أمنيّون وسياسيون واقتصاديون وطلاب عاديّون. أمّا حسان حلاق المؤرّخ فيأخذ عليه البعض “أودميته” لدرجة محاباة الجميع، أي كلّ من يقصده حبّاً في الانتساب إلى بيروت وعائلاتها، وصولاً في بعض الأحيان إلى الانتساب إلى أعلام العروبة والإسلام. هو مسالم في التعامل مع من يطرق بابه أو يلقي عليه التحيّة في الطريق. ينظر إلى بيروت والانتساب إليها كما تنظر دائرة الهجرة والجوازات في دول العالم إلى طالبي جنسيّتها. أحبّ بيروت التي وُلد فيها بعد انتقال جدوده إليها في الأربعينات من القرن الفائت من البلدة الرائعة في إقليم الخروب التي تدعى “برجا”، فكانت لكنته بيروتيّة لا برجاويّة، وهموم بيروت تتقدّم عنده على كلّ الهموم.
هو الساعي إلى إبراز الهويّة العثمانية في بيروت عمراناً ومؤسّسات ووثائق ترسم ملامح التاريخ
ملأ حسان حلاق الفراغ الكبير في الثقافة البيروتية الذي خلّفته الحروب والنزاعات ومواجهات الزواريب، متنقّلاً من أرشيف المحكمة الشرعية السنّيّة في بيروت، إلى أرشيف بلديّة بيروت المحروسة باحثاً عن قصاصة أو مستند أو تاريخ جرى إهماله عبر السنوات.
تعمّق في تاريخ الدولة العثمانية وكأنّه عثماني الهوى، وتخصّص بسيرة السلطان عبد الحميد حتى ظنّ البعض أنّه ينتسب إليه. هو الساعي إلى إبراز الهويّة العثمانية في بيروت عمراناً ومؤسّسات ووثائق ترسم ملامح التاريخ.
عام 1981 عاد إلى بيروت من الإسكندرية حاملاً معه شهادة الدكتوراه، وبعد عام رأى بيروته يحاصرها العدوّ الصهيوني، فكانت الصدمة الكبرى. فقد عاد إلى بيروت يحمل مهمّة البحث في تاريخها، وإذ به يراها مقطّعة محاصَرة تتعرّض لقصف جوّي وبحري وبرّي، فقرّر المواجهة والمقاومة بالعمل مع مجموعة من القضاة على حفظ أرشيف المحكمة الشرعية السنّيّة من السرقة أو الحرق أو التخريب.
إقرأ أيضاً: شهامة التاريخ .. لا تموت!
حسان حلاق الرجل المسالم المتأنّق دائماً ببدلته الرسمية وربطة العنق المُحكمة الترتيب قرّر الرحيل عن بيروت في 15 أيار، وهو التاريخ نفسه الذي رحل فيه المفتي الشهيد حسن خالد وكأنّ أيار قد تخصّص بنا نحن البيارتة فقداناً للكبار أو تاريخاً لظلم الشركاء في الوطن، فكم لنا نحن البيارتة مع أيار من ثارات.
حسان حلاق في رحيله أمعن في فراغنا فراغاً جديداً.
غداً: اللبنانيون ينتظرون المفتي خالد على منبر الملعب البلدي..
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@