لا انتخابات بلدية في أيار المقبل. كلّ ما يحدث في إطار التمويه على هذا الواقع هو مجرّد “شغب” سياسي الهدف منه “تأجيل” قرار التأجيل حتى اللحظة الأخيرة.
يُبدي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مجالسه انزعاجاً من “بطولات” وزير الداخلية بسام المولوي “التي تأتي في توقيت غير مناسب وظروف لا تحتمل عرض عضلات”، وإن اتفق الرجلان على حسم مسألة حتمية إقرار التمديد للمجالس البلدية، إن حصل، بقانون في مجلس النواب بعيداً عن أيّ فتوى قد تصدر عن الحكومة أو وزارة الداخلية.
المولوي يَعلم
يَعلم القاضي المولوي، برأي ميقاتي، أنّ التمويل غير جاهز للانتخابات البلدية والمناخات السياسية لا تحتمل استحقاقاً يجرّ كبار الرؤوس في السلطة إلى زواريب الضيع والمناطق، وأنّ القوى السياسية باستثناء بعض المزايدين سلّمت بحتمية تأجيل الانتخابات البلدية في ظلّ وضع سياسي-مالي خطير لا أحد قادر فعليّاً على لجم لحظة انفجاره الحقيقية، ومع ذلك يُصرّ وزير الداخلية على تكرار لازمة “الانتخابات في موعدها وقادرون على تأمين تكاليف العملية الانتخابية وصولاً إلى إعلان توجّهه إلى دعوة الهيئات الناخبة خلال أيام”.
يقول مطّلعون إنّ “خطوة الرئيس برّي هدفت إلى تفخيخ تهمة إلصاق التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بالثنائي الشيعي وجاءت ردّاً على اتّهام “القوات” المباشر لبرّي بالعمل على تطيير الانتخابات”
يهمّ ميقاتي أن لا تتحمّل حكومته مسؤولية التمديد للمجالس البلدية قاذفاً الكرة باتجاه مجلس النواب، والرئيس نبيه برّي بدوره وضع الكرة في ملعب اللجان النيابية المشتركة لـ “طبخ” التمديد أو التأجيل. ويهمّ وزير الداخلية أن “يقطفها” سياسياً بالإيحاء بـ”جهوزيّة” تقنية وإدارية ولوجستية وأمنيّة وعسكرية مشكوك في أمرها، فيما لا توجد حماسة لدى قضاة وأساتذة يَعلمون أنّ قيمة أتعاب مشاركتهم في العملية الانتخابية ولجان القيد قد تصبح بلا قيمة بين تاريخ إقرارها وتاريخ قبضها. ويهمّ أيضاً قوى الأمر الواقع السياسية أن لا تظهر بموقع المُحفّز على التمديد مرّة جديدة للمجالس البلدية والاختيارية لزوم تصفية الحسابات فيما بينها.
يُذكر أنّه في آذار 2022 مدّد مجلس النواب ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى 31 أيار 2023، بحجّة تزامن موعد انتهاء ولايتها مع موعد إجراء الانتخابات النيابية واستحالة إجرائها في الوقت نفسه “بسبب عدّة عوامل لوجستية ومالية والنقص في الإمكانات والعتاد والعديد، وتدهور سعر صرف العملة الوطنية”.
جلسة بدل عن ضائع
في جلسة اللجان النيابية المشتركة يوم الإثنين المقبل، التي جاءت “بدلاً عن ضائع” لتعوّض عن جلسة هيئة مكتب المجلس، أُدرِج بنداً أوّل على جدول الأعمال اقتراح قانون مقدّم من النائب علي حسن خليل بفتح اعتماد في موازنة عام 2022 بقيمة 1,500 مليار ليرة لتغطية نفقات إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية.
يقول مطّلعون إنّ “خطوة الرئيس برّي هدفت إلى تفخيخ تهمة إلصاق التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بالثنائي الشيعي وجاءت ردّاً على اتّهام “القوات” المباشر لبرّي بالعمل على تطيير الانتخابات”.
لكنّ ذلك لن يُشوّش على النتيجة المتوقّعة. “سيُبلعِط” النواب في الوقت الفاصل عن الانتخابات ويرفعون السقوف عالياً إلى أن يحين أوان الدعوة إلى جلسة تشريعية يُدرَج على جدول أعمالها بعض البنود الإصلاحية (بغضّ النظر عن إقرارها) ويُمدّد خلالها للمجالس سنة إضافية في ظلّ مشاركة التيار الوطني الحر، التي ستؤمّن الغطاء المسيحي للجلسة.
ما خلاف ذلك هو شلل للمجالس البلدية والاختيارية سيكون بمنزلة إضافة حبّة الكرز الأخيرة على بنيان الدولة الساقطة. فاستمرارها في ممارسة مهامّها من دون إجراء الانتخابات ولا إقرار قانون التمديد سيُشكّل مخالفة فاضحة للقانون، إلا إذا تمّ الركون إلى المادة 24 من المرسوم الاشتراعي رقم 118 الذي يشير إلى أنّه “في حال حلّ المجلس البلدي أو اعتباره منحلّاً يُصار إلى انتخاب مجلس جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ أو قرار إعلانه. يتولّى القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السرّ العام في مركز المحافظة أعمال المجلس البلدي، وذلك للمدّة الباقية من ولاية المجلس البلدي المنحلّ، حتى انتخاب المجلس الجديد، وذلك بقرار من وزير الداخلية”.
لكنّ هناك آراء قانونية تخالف هذا المسار “كوننا أمام مجالس بلدية انتهت ولايتها وليست منحلّة بقرار من وزير الداخلية أو الحكومة، كما أن لا غطاء قانونياً لاستمرار المخاتير في مزاولة أعمالهم، وهو ما يعطّل تقريباً كلّ المعاملات الرسمية”.
برأي كثيرين لن تختلف أجواء جلسة اللجان النيابية المشتركة يوم الإثنين عن الجلسة الماضية التي تحوّلت إلى شبه مساءلة للحكومة لكون المزايدين هم أنفسهم والكلّ يريد أن يلعب دور البطولة في رفض تأجيل انتخابات بلدية لا تزال في علم الغيب.
تشير معطيات “أساس” في هذا السياق إلى وجود ضغط أوروبي على حكومة ميقاتي لإجراء الانتخابات في موعدها نهاية أيار مع استعداد لتمويل الاتحاد الأوروبي جزءاً كبيراً من نفقات العملية الانتخابية وإرسال مراقبين دوليين
ضغط أوروبيّ
تشير معطيات “أساس” في هذا السياق إلى وجود ضغط أوروبي على حكومة ميقاتي لإجراء الانتخابات في موعدها نهاية أيار مع استعداد لتمويل الاتحاد الأوروبي جزءاً كبيراً من نفقات العملية الانتخابية وإرسال مراقبين دوليين.
لكنّ حكومة ميقاتي كانت عاكست هذا المسار من خلال تطييرها في شباط الماضي بند الانتخابات البلدية بعدما رأى رئيس الحكومة أنّ “الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية المفترض أن تجري الانتخابات البلدية في عهده”، فيما أشار وزير الإعلام زياد مكاري صراحة إلى أنّ “كلّ القوى السياسية ليست متحمّسة للموضوع، ومشاكل الناس تكفيهم، وباستطاعة المجالس البلدية تصريف الأعمال”.
إلى ذلك من شأن التأجيل أن يؤجّل لغم انتخابات بلدية بيروت التي تؤسّس لخلاف يتنامى ويأخذ أبعاداً طائفية خطيرة.
إقرأ أيضاً: “خليّة أزمة” بـ 5 مليارات: لا حلّ إلّا بدولرة القطاع العامّ؟
الدوليّة للمعلومات
في تقرير لـ”الدولية للمعلومات” في آذار العام الماضي يبلغ عدد المجالس البلدية حالياً 1,055 بلدية وتتوزّع وفق الآتي:
944 مجلساً بلدياً قائمة، والكثير منها يعاني الشلل والتعطيل.
84 مجلساً بلدياً منحلّة يدير أعمالها القائمقام أو المحافظ.
27 مجلساً بلدياً مُستحدثة بعد الانتخابات البلدية في عام 2016، ولم يسبق أن شهدت انتخابات ويدير أعمالها القائمقام أو المحافظ. وهذه الأرقام شهدت ارتفاعاً في عدد المجالس الشاغرة أو المعطّلة خلال العام الماضي.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@