من بين 13 رئيساً للجمهورية ثمّة اثنان من الشمال، ومن زغرتا بالتحديد. الأوّل سليمان فرنجية الذي كان الرئيس الخامس للجمهورية. والثاني رينيه معوّض، الذي كان الرئيس التاسع، لكنّ يد الغدر اغتالته وأنهت عهده في أيامه الأولى.
يدور الزمان دورته ليتواجه حفيد الأول وابن الثاني على حلبة الرئاسة. ومع أنّ الوزير السابق سليمان فرنجية لم يعلن ترشيحه رسمياً، بعكس النائب ميشال معوّض، إلا أنّ الموقف من ترشيحه صار محلّ اهتمام إعلامي كبير عقب تبنّي الثنائي الشيعي رسمياً له. وما بين انتظار إشارة إقليمية خضراء، والبوانتاج اليومي للنواب الذين سيصوّتون له، كثرت التأويلات والتحليلات حول موقف نواب تكتّل الاعتدال الوطني، وعلى نطاق أوسع الموقف السنّي العامّ من ترشيح فرنجية.
موقف تكتّل الاعتدال
يعزو النائب سجيع عطيّة الالتباس الحاصل حول موقف التكتّل إلى كون أعضائه “مع المهامّ أكثر منهم مع الشخص. نريد رئيساً يلتزم اتفاق الطائف وتطبيق الإصلاحات والاستراتيجية الدفاعية، والأهمّ تحسين علاقة لبنان مع الأشقّاء العرب”. ويضيف عطية في حديث إلى “أساس”: “لسنا مع رئيس تحدٍّ، بل نؤيّد المرشّح الذي يحظى بأكبر قدر من التوافق على اسمه. نحن لسنا عقدة. في حال حصول توافق حول فرنجية نكون أول الناخبين. نحن لم نتغيّب عن أيّ جلسة انتخاب، ولن نفعل. وفي حال تأمين النصاب وفتح دورة انتخاب ثانية سنبقى ونصوّت للمرشّح الذي لديه الأكثرية”.
يستبعد مصدر نيابي شمالي إنهاء الشغور الرئاسي في المدى المنظور، فالتفاوض الجدّي بين السعودية وإيران حول الملف اللبناني
بمعنى آخر، فإنّ نواب التكتّل الـ6 سيكونون الرصيد المكمّل للمرشّح الذي يستطيع تأمين 54 صوتاً. “فنصاب الثلثين يمنح مشروعية ميثاقية للمرشّح الفائز بالنصف زائداً واحداً، إذ ثمّة صعوبة في تحديد ميثاقية الأصوات التي سينالها المرشّحون ما دام الاقتراع سرّياً، ولا سيما أنّ بعض نواب التكتّلين المسيحيَّين الأكبرين قد يصوّتون لفرنجية”، حسب مصادر التكتّل.
بيد أنّ المصادر نفسها تؤكّد أنّ التكتّل لن يصوّت لمرشّح غير مرحّب به من قبل الأشقّاء العرب لأنّ ذلك سيكون بمنزلة “تمديد للأزمة الاقتصادية والمعيشية لستّ سنوات جديدة. فلا أحد يستطيع إنقاذ لبنان من محنته سوى الأشقّاء العرب، وبالتحديد دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية”.
من جهته، يستبعد مصدر نيابي شمالي إنهاء الشغور الرئاسي في المدى المنظور، فالتفاوض الجدّي بين السعودية وإيران حول الملف اللبناني لن يبدأ قبل إرساء الحلّ النهائي في اليمن، وإنهاء وجود حزب الله هناك، ووقف احتضانه للحوثيين وللمعارضة البحرينية في لبنان. ويعتبر أنّ الفراغ مرشّح للاستمرار حتى نهاية العام.
نوّاب الشمال الأولى والثانية
نائب طرابلس فيصل كرامي كان من أوائل من أعرب عن دعمه ترشيح فرنجية، وكذلك حال نائب الضنّية جهاد الصمد، انطلاقاً من العلاقة التاريخية بين هذه البيوتات السياسية الثلاثة. وغير بعيد عنهما النائب كريم كبّارة المقرّب من الرئيس نبيه برّي والذي ترشّح على لائحة مدعومة من الرئيس نجيب ميقاتي الذي أبدى تأييده ودعمه لترشيح فرنجية.
أمّا جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية ذات الموقف الأقرب إلى تكتّل الاعتدال الوطني، فيشدّد عضو كتلتها النائب الطرابلسي طه ناجي على ضرورة التوافق على “مرشّح يستطيع وقف الانهيار وإخراج البلاد من أزماتها”. ويعتبر ناجي في حديث إلى “أساس” أنّ “أولى إشارات التوافق هي تأمين النصاب في المجلس النيابي. فتأمين نصاب الثلثين يعني أنّ التوافق حصل، وإعلان مرشّحي الصف الأوّل ترشيحاتهم سيكون الدليل على ذلك. وهذا لم يتحقّق بعد، وقرارنا ينتظر اكتمال المشهد”. ويأمل ناجي أن تنعكس أجواء التسويات الإقليمية خيراً على لبنان.
بدوره يؤكّد النائب إيهاب مطر أنّ الرئيس يجب أن لا يكون طرفاً، ويشدّد على موقفه الثابت من التصويت للنائب معوّض، مع دعمه لفكرة التوافق، وأنّه “لن نتّجه إلى اسم آخر من دون التنسيق مع معوّض ومن يتّفق معنا على النموذج السياسي. وفي الوقت نفسه لا أعتقد أنّ لدى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية 65 صوتاً حتى الآن، كما ليس لدى أيّ طرف القدرة على تأمين نصاب الثلثين”. يؤكد مطر أيضاً أنّه ليس من دعاة التعطيل الذي كلّف لبنان أثماناً كبيرة، سواء في رئاسة الجمهورية أو تشكيل الحكومات، و”لذلك سأشارك وأصوّت للنائب معوّض”.
ينسحب الموقف نفسه من المشاركة في تأمين النصاب على نائب عكار محمد يحيى الذي قال: “الوزير فرنجية صديق عزيز، وفي حال حصول توافق على اسمه سنشارك في الجلسة وسنكون من المؤيّدين. لكن حتى الآن لا يوجد توافق على أيّ اسم، ونحن نؤيّد التوافق، ونتمنّى حصوله في أسرع وقت من أجل البدء عملياً بإيجاد الحلول للأزمات المتعدّدة التي نعاني منها”. ويشدّد يحيه على كونه مستقلّاً، وأنّه لا ينتمي الى التيار الوطني الحر: “هناك تحالف بيننا وبين التيار، لكنّني مستقلّ. ثمّة قضايا نتوافق عليها، وقضايا أخرى تكون قناعاتي فيها مختلفة”. ويذكّر بالاستشارات النيابية حين سمّى الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة في حين أنّ تكتّل لبنان القوي لم يسمِّ أحداً.
الوزير الأسبق رشيد درباس يذكر لـ”أساس” بأنّ “فرنجية حصل على 25 ألف صوت طرابلسي في انتخابات عام 2005. وبالتالي لا يمكن القول إنّه كانت هناك عداوة أو جفاء بين أهل طرابلس وفرنجية
مواقف طرابلسيّة
من أصل 18 نائباً في دائرتَي الشمال الأولى والثانية حيث الثقل السنّي، يمكن القول إنّ أغلبهم (12 نائباً) أقرب إلى تأييد ترشيح فرنجية، لكنّ ذلك مشروط بعدم وجود فيتو عربي، وبالتحديد سعودي، على اسمه. وهذا مردّه بشكل أساسي إلى العلاقات التاريخية بين آل فرنجية كبيت سياسي وبين طرابلس وعكار. فحتى اليوم ما زال كثر من الطرابلسيين يستذكرون خدمات فرنجية الغزيرة عندما كان وزيراً للصحّة في حكومات الرئيس رفيق الحريري (من 1996 حتى 1998، ومن 2000 حتى 2004).
تأثّرت تلك العلاقة بالخصومة السياسية بين الرئيس سعد الحريري وفرنجية عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكنّ الوزير الأسبق رشيد درباس يذكر لـ”أساس” بأنّ “فرنجية حصل على 25 ألف صوت طرابلسي في انتخابات عام 2005. وبالتالي لا يمكن القول إنّه كانت هناك عداوة أو جفاء بين أهل طرابلس وفرنجية، بل كانت هناك “نقزة” من صداقته ببشار الأسد وعلاقته القوية بحزب الله، لكنّها خفتت كثيراً في السنوات الأخيرة”. وعملياً بدأت تلك العلاقة تعود إلى سابق عهدها بُعيد ترشيح الرئيس الحريري لفرنجية لرئاسة الجمهورية عام 2015.
في الانتخابات النيابية الأخيرة كان لافتاً انتشار بعض الصور لرئيس المردة، وكذلك بعض اللقاءات الشعبية التي أُقيمت للنائب طوني فرنجية في أحياء طرابلسية. يعتبر درباس أنّ ترشيح فرنجية “ليس مرهوناً باسمه فقط، بل بالرؤية التي سيقدّمها. صحيح أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية لم تعد كما كانت قبل الطائف، لكنّ الدستور منحه عصا القيادة، فهو المايسترو الذي يعطي الحكومة رؤيتها”. ويرى درباس أنّ فرنجية “أذكى من أن يرشّح نفسه بصورة عشوائية، لأنّه في حال ترشّحه لن ينسحب بالتأكيد”.
من ناحيته، يجد مفتي طرابلس والشمال محمد الإمام في تصريح لـ”أساس” أنّ “انتماء الرئيس إلى منطقة معيّنة أو علاقته بها ليسا معياراً يُعوَّل عليه. فالرئيس هو لجميع اللبنانيين على اختلاف مناطقهم وطوائفهم. نحن بحاجة إلى رئيس يرضي طموحات اللبنانيين ويكون على مسافة واحدة من الجميع ويتعامل بعدالة مع كلّ الأطراف”. ويشدّد على أنّ “رئيس الجمهورية هو وجه لبنان، ولذلك يجب أن يمتلك القدرة على تجسير العلاقات مع الأشقّاء العرب وإعادتها إلى سابق عهدها”.
إقرأ أيضاً: ترشيح الحزب لفرنجيّة: اللعب على حافة الهاوية
أمّا رئيس غرفة الزراعة والصناعة والتجارة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي فيرى أنّ الأولوية هي “إنهاء الشغور الرئاسي. فالناس تعبت والإدارة بأسوأ أحوالها، والعملة تنهار بسرعة مهولة”. ويلفت دبوسي إلى أنّ لبنان “بحاجة إلى تطوير المؤسّسات كي يصير جاذباً للاستثمارات، ورأس المؤسّسات رئاسة الجمهورية. أملنا كبير باتفاق اللبنانيين والتناغم مع المجتمعَين العربي والدولي”. ويأمل دبوسي أن ينعكس ذلك إيجاباً على مشروع تحويل طرابلس الكبرى إلى عاصمة اقتصادية تمتدّ من البترون إلى الحدود الشمالية مع سوريا، وإلى منصة استثمارية لشرق المتوسط نظراً للإمكانيات الاقتصادية التي تختزنها.