الكويت في “حوسة” بانتظار العاصفة!

مدة القراءة 5 د

بعد مرور أيام على “زلزال” المحكمة الدستورية الذي قضى بإبطال مجلس الأمّة المنتخب في أيلول 2022 وعودة المجلس المُنتخب في 2020 وإلغاء حلّه، ما زالت الكويت تحت وقع الصدمة والهزّات الارتدادية على المستوى السياسي، وسط ضباب كثيف يلفّ المشهد.

أجمع النواب، الحاليون والذين أُبطلت عضويّتهم، على ضرورة “العودة إلى الشعب” ليقول كلمته ويختار ممثّليه مجدّداً، لكنّهم افترقوا عند التوقيت بين فريق يعتبر أنّ الانتخابات يجب أن تُجرى الآن لأنّ المجلس الذي عاد إلى الحياة “غير شرعي” سياسياً، وإن كانت المحكمة الدستورية قالت غير ذلك قانونياً، وفريق آخر يُشدّد على ضرورة تحصين العملية الانتخابية من البطلان، عبر إقرار جملة تشريعات قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

يضمّ الفريق الأول غالبية النواب الذين أُبطلت عضويّتهم ومعهم نحو 17 نائباً من المجلس الحالي، وهم عملياً بغالبيّتهم من المعارضة التي كانت أقليّة في مجلس 2020 وأصبحت أغلبيّة في مجلس 2022.

أمّا الفريق الثاني المؤيّد لـ”التحصين” قبل الانتخابات، فيُشكّل الغالبية حالياً في المجلس، ويضمّ على الأقلّ 27 نائباً، وهو ما يعني أنّه يستطيع عقد الجلسات وتمرير القوانين بالتوافق مع الحكومة التي تمتلك 16 صوتاً (الوزراء يصبحون أعضاء في مجلس الأمّة بعد تعيينهم، وهو ما يرفع عدد أعضاء مجلس الأمّة من 50 إلى 66).

لا تبدو الخيارات سهلة سياسياً وقانونياً، لأنّه في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة، ثمّ رفعت مرسوم الحلّ إلى الأمير من دون أن يكون أيّ خلاف بينها وبين مجلس الأمّة، ستكون الانتخابات مُعرّضة للبطلان مجدّداً

أزمة واحتمالان

لكنّ السؤال الأهمّ الذي يؤرق الشارع ويشغل الدواوين والصالونات السياسية حالياً: أما زالت القيادة السياسية تنظر إلى الأزمة من نفس الزاوية التي دفعتها إلى الموافقة على حلّ البرلمان في منتصف عام 2022، أم ما شهدته الساحة بعد الانتخابات سيكون له تأثير في موقفها الجديد، خاصة أنّ حالة التنافر والخصام والخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لم تنتهِ بعد الانتخابات الجديدة، وإن كانت قد خفتت قليلاً، ولا سيّما أنّ الهدف الأساس هو تحقيق الاستقرار؟

تقود معرفة الإجابة على هذا السؤال إلى معرفة شكل الحكومة الجديدة التي ما زالت قيد التشكيل. وبذلك تراوح الاحتمالات بين خيارين:
– الأول أن يكون توجّه الحكومة الجديدة هو إجراء انتخابات نيابية جديدة من دون تأخير.
– الثاني أن تعمل الحكومة مع مجلس الأمّة على إقرار حزمة قوانين مرتبطة بالانتخابات، أهمّها إقرار المفوضية العليا للانتخابات، والتوافق على تفاصيل كثيرة تتعلّق بالناخبين وآليّة التصويت، وربّما أيضاً الدوائر الانتخابية، ثمّ يتمّ إجراء الانتخابات خلال فترة قد تراوح بين 6 أشهر وسنة.

في الاحتمال الأول، لا تبدو الخيارات سهلة سياسياً وقانونياً، لأنّه في حال تمّ تشكيل حكومة جديدة، ثمّ رفعت مرسوم الحلّ إلى الأمير من دون أن يكون أيّ خلاف بينها وبين مجلس الأمّة، ستكون الانتخابات مُعرّضة للبطلان مجدّداً، لأنّ المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها الأخير، الذي صدر الأحد الماضي، اعتبرت أنّ مثل هذا المرسوم يخالف القواعد الدستورية الناظمة لاستخدام المادة 107 من الدستور (التي تعطي الأمير حقّ حلّ مجلس الأمّة مع تبيان الأسباب).

في الاحتمال الثاني، يتعلّق الأمر بالذهاب إلى مواجهة سياسية ربّما تتحوّل إلى أزمة كبرى، لأنّ نواب المعارضة قد يلجأون إلى خيار التصعيد وتعطيل الجلسات، أو حتى الاستقالة، وربّما أيضاً الاحتجاج والاعتصام والتظاهر.

حُجّتهم في ذلك أنّ المجلس العائد إلى الحياة بحكم المحكمة الدستورية، هو “ميت” و”غير شرعي”، وبالتالي لا يمكنه أصلاً أن يقرّ إصلاحات أو قوانين أو يقوم بأيّ عمل.

أمام هذا الواقع، يتعلّق ترجيح أحد الخيارين بتوجّهات القيادة السياسية أولاً، وخطط الحكومة الجديدة ثانياً، وقبله وبعده نوايا المعارضة لجهة المواجهة المفتوحة أو المعارضة الناعمة التي تقود إلى تكرار الفوز بالغالبية مجدّداً في الانتخابات المقبلة.

نواب المعارضة قد يلجأون إلى خيار التصعيد وتعطيل الجلسات، أو حتى الاستقالة، وربّما أيضاً الاحتجاج والاعتصام والتظاهر

عاصفة حتميّة

هكذا يبدو المشهد في “حوسة” (كلمة كويتية تعني الربكة والفوضى وتبعثر الآراء)، بانتظار ما يبدو أنّه “عاصفة” حتمية، سواء كانت مواجهة سياسية في مجلس الأمّة أو انتخابية في صناديق الاقتراع.

لكنّ هذا المشهد يلفّه عاملان ظهرا على السطح في الآونة الأخيرة:
– الأول يتمثّل في حديث متواتر عن عدم رغبة الشيخ أحمد النواف بالاستمرار في مهمّته تشكيل حكومة، وهي المهمّة التي تولّاها للمرّة الأولى في صيف عام 2022، بعد استقالة حكومة الشيخ صباح الخالد، وقام منذ ذلك الحين بتشكيل 3 حكومات. وتشير بعض التسريبات إلى أنّه في حال اعتذار النواف، سيكون صعباً إيجاد بديل، لأنّ المناصب الحكومية في الكويت أصبحت غير مرغوبة في الآونة الأخيرة، كما بات العمل الحكومي بيئة طاردة لا جاذبة، مع تكرار الأزمات وتداخل الشخصي مع السياسي وتصفية الحسابات.

إقرأ أيضاً: الكويت: حكومة النوّاف الرابعة والخيارات المفتوحة؟

– الثاني هو وصول الانتقادات إلى حدّ المسّ برموز القيادة السياسية، وانتقاد قراراتها وتوجّهاتها بشكل غير مسبوق، وهو ما يمكن وصفه “تجاوزاً للخطوط الحمر”. هذه الانتقادات ترِد حيناً على لسان نواب بطريقة حذرة ومبطّنة وغير مباشرة، وأحياناً عبر حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، بسقف أعلى بكثير. وهو ما يشي بأنّ المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالأحداث، وتبقى كلّ الخيارات مفتوحة كما أشار “أساس” في تقريره الأخير الذي نُشر الإثنين الماضي بعنوان “الكويت بين مجلسين: انتخابات مبكرة أو تعليق الحياة البرلمانية”.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…