بوتين في الحضن الصينيّ… بعد الإيرانيّ

مدة القراءة 6 د

ثمّة عودة إلى المربّع الأوّل، أي إلى ضرورة وقف الحرب الأوكرانيّة، وهي حرب كشفت قصر نظر فلاديمير بوتين من جهة، وعجزه عن الاعتراف بسلسلة الأخطاء التي ارتكبها من جهة أخرى.

أقلّ ما يمكن أن يوصف به كلّ خطأ من الأخطاء، التي ارتكبها بوتين، بأنّه خطيئة. يظلّ أسوأ ما تميّز به أداء بوتين، منذ بداية الحرب التي يشنّها على أوكرانيا وشعبها، حصره خياراته بخيار واحد هو التصعيد مع ما يعنيه ذلك من سقوط لمزيد من القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين في أوكرانيا وفي صفوف العسكريين الروس. جعل ذلك وقف الحرب، قبل استعادة أوكرانيا أراضيها المحتلّة، من رابع المستحيلات.

فلاديمير بوتين لم يكن يعرف شيئاً عن أوكرانيا. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه لم يفرّق بين سوريا وأوكرانيا، وأنّ ما هو مسموح له في سوريا ليس مسموحاً له في أوكرانيا

سارت إيران في خطّ التصعيد الروسي. ليس معروفاً هل تلجأ الصين إلى الخيار ذاته، خصوصاً أنّ رئيسها شي جينبينغ سيكون في موسكو بين 20 و22 آذار الجاري. هل يعيد الرئيس الصيني فلاديمير بوتين إلى لغة المنطق أم بات لديه هو الآخر حسابات يريد تصفيتها مع أميركا وأوروبا؟

مذكرة توقيف بوتين

بدأت الحرب الأوكرانيّة، التي أدّت إلى صدور مذكّرة توقيف عن المحكمة الجنائية الدوليّة في حقّ الرئيس الروسي، بقرار من بوتين. خاض الرئيس الروسي حرباً، كان يستطيع تفاديها، مع بلد جار اعتبره حديقة خلفية لروسيا. تبيّن سريعاً أنّه لا يعرف شيئاً عن البلد الذي قرّر السيطرة عليه، وأنّه عاجز عن فرض نظام مختلف في كييف. بات عليه، في ضوء دخول الحرب الأوكرانيّة سنتها الثانية، الارتماء في الحضن الصيني بعدما ارتمى العام الماضي في الحضن الإيراني.

ليس البيان الصادر عن المحكمة الجنائية وردّ فعل موسكو عليه سوى دليلين إضافيَّين على مدى جهل الرئيس الروسي في شأن ما يدور في العالم. تحدّث بيان المحكمة عن إصدار مذكّرة توقيف في حقّ فلاديمير بوتين لمسؤوليّته عن “جرائم حرب” ارتُكبت في أوكرانيا.

جاء في البيان: “اليوم (17 آذار 2023)، أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية مذكّرات توقيف بحقّ شخصَين في إطار الوضع في أوكرانيا: السيد فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين والسيدة ماريا أليكسييفنا لفوفا- بيلوفا”، وهي المفوّضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا.

أعلنت الرئاسة الأوكرانية أنّ مذكّرة الاعتقال الدولية ليست سوى بداية. في المقابل، اعتبرت روسيا مذكّرة التوقيف لا معنى لها. صرّحت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسيّة ماريا زاخاروفا بأنّ “قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليس لها معنى بالنسبة إلى بلدنا، حتى من الناحية القانونية. روسيا ليست طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما وليس عليها بموجبه أيّ التزامات”.

لا يتعاطى العالم مع منطق القانون ولا يأخذ في الاعتبار هل روسيا طرف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أم لا. لم تحترم روسيا القانون يوماً. يتعاطى العالم مع منطق القوّة. لو كانت روسيا تحترم القانون فكيف كان لها التحوّل إلى شريك أساسي في الحرب على الشعب السوري منذ خريف عام 2015؟

الرئيس الروسي الذي يعاني من الغرق في الوحول الأوكرانيّة يرى في زيارة شي جينبينغ حبل إنقاذ صينياً

أوكرانيا ليست سوريا

كلّ ما في الأمر أنّ فلاديمير بوتين لم يكن يعرف شيئاً عن أوكرانيا. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه لم يفرّق بين سوريا وأوكرانيا، وأنّ ما هو مسموح له في سوريا ليس مسموحاً له في أوكرانيا. تحوّلت الحرب الأوكرانيّة شيئاً فشيئاً إلى حرب روسيّة – أوروبية. غيّر هذا الواقع النظرة الأوروبيّة إلى إيران بعدما صارت طرفاً في العدوان الذي تتعرّض له أوكرانيا وشعبها، بمعنى أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة”، التي تعاني من أزمة اقتصادية ومن أزمة نظام فاشل، صارت بمسيّراتها وصواريخها جزءاً لا يتجزّأ من الحرب الروسيّة – الأوروبيّة.

قبل بدء الحرب الأوكرانيّة، ذهب فلاديمير بوتين إلى بيجينغ. لم يلقَ وقتذاك التجاوب الصيني الذي كان يتوقّعه. ليس معروفاً هل يكون حظّه أفضل هذه المرّة، مع مجيء شي جينبينغ إلى موسكو. لكنّ الواضح أنّ أموراً عدّة تغيّرت مع بدء الصين لعب دور أكبر على الصعيد الدولي. ظهر ذلك واضحاً من خلال رعاية بيجينغ بداية المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة عبر صدور البيان الثلاثي المتعلّق باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في غضون شهرين… في حال التزام “الجمهوريّة الإسلاميّة” شروطاً معيّنة. من بين هذه الشروط “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”.

قد يكون السؤال الأهمّ في المرحلة المقبلة مرتبطاً بطبيعة الدور الذي ستلعبه الصين في أوكرانيا بعدما قدّمت أفكاراً تصلح أساساً لمبادرة توقف الحرب. لا شكّ أنّ المقدّمة التي وضعتها الصين لمبادرتها تصلح أساساً لوساطة مستعدّة للقيام بها. جاء التركيز في هذه المقدّمة على احترام القانون الدولي، وهو آخر ما يهمّ فلاديمير بوتين الذي يلوّح بين حين وآخر بالسلاح النووي. لا يعرف حتّى أنّه ليس في استطاعته استخدام مثل هذا السلاح، نظراً إلى أنّ الغرب يمتلك أيضاً قنابل ذرّية…

زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو

ليس سرّاً أنّ ثمّة توتّراً في العلاقات الأميركيّة – الصينيّة. كان أفضل تعبير عن هذا التوتّر إسقاط الولايات المتحدة المنطاد الصيني الذي يُستخدم للتجسّس. كذلك، هناك مزيد من التوتّر بين أميركا وروسيا في ضوء إسقاط الروس، فوق البحر الأسود، مسيّرة أميركية تُستخدم لأغراض التجسّس أيضاً.

إقرأ أيضاً: 2023 عام الابتزاز والمقايضات: أردوغان وبوتين والصين

مع إصرار بوتين على المضيّ في حربه الأوكرانيّة التي تحوّلت إلى حرب روسيّة – أوروبيّة في عالم يزداد تعقيداً بشكل يومي، جاء الرئيس الصيني إلى موسكو. الأكيد أنّ الرئيس الروسي الذي يعاني من الغرق في الوحول الأوكرانيّة يرى في زيارة شي جينبينغ حبل إنقاذ صينياً. في المقابل، ترى الصين في الحرب الأوكرانيّة فرصة لتكريس دورها السياسي على الصعيد العالمي. ليس ما يشير إلى استعداد أميركي وأوروبي للقبول بالدور الصيني. يعود ذلك إلى أنّ بيجينغ غير مستعدّة لمباشرة تحرّكها من حيث يجب أن تبدأ، أي بإدانة الحرب على أوكرانيا. لن يساعدها في ذلك شخص مثل فلاديمير بوتين يرفض خيار التراجع والاعتراف بأنّه خسر حرباً لا يمكن أن ينتصر فيها!

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….