الكويت بين مجلسَيْن: انتخابات مبكّرة أو تعليق الحياة البرلمانية

مدة القراءة 5 د

مفاجأة ضخمة فجّرتها المحكمة الدستورية في الكويت بقرارها إبطال مجلس الأمّة المُنتخب في أيلول 2022، وإعادتها مجلس 2020 المُنحلّ لإكمال مدّته الدستورية المُقدّرة بنحو عامين.

سقطت بذلك المفاعيل التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة التي جاءت بعد أزمة سياسية وحالة من الانسداد الكامل لأفق التفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى رأسها نجاح المعارضة في تحقيق الغالبية البرلمانية، وتحوّلها من موقع إلى آخر.

استندت المحكمة قانونياً في أحكامها الأربعة، التي أصدرتها صباح أمس (الأحد)، إلى أنّ مرسوم حلّ مجلس الأمّة الذي صدر في 2 آب 2022 رفعته الحكومة إلى الأمير من دون أن يكون هناك أيّ خلاف بينها وبين مجلس الأمّة، إذ إنّ الخلاف كان بين المجلس والحكومة السابقة برئاسة الشيخ صباح الخالد التي استقالت في 10 أيار 2022، وليس بين المجلس والحكومة التي تشكّلت لاحقاً ورفعت مرسوم الحلّ، ثمّ أشرفت على إجراء الانتخابات.

مفاجأة ضخمة فجّرتها المحكمة الدستورية في الكويت بقرارها إبطال مجلس الأمّة المُنتخب في أيلول 2022، وإعادتها مجلس 2020 المُنحلّ لإكمال مدّته الدستورية المُقدّرة بنحو عامين

هذا واعتبرت المحكمة، في الحيثيات، أنّ الحلّ استند إلى المادّة 107 من الدستور، التي تعطي الأمير الحقّ بحلّ مجلس الأمة بموجب مرسوم “تُبيَّن فيه الأسباب”، بيد أنّها ارتأت أنّ اشتراط المُشرّع توقيع رئيس الوزراء على المرسوم يهدف إلى “تحميله مسؤوليّته السياسية عن هذا التصرّف”. وخلصت إلى أنّ تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية جديدة يعني أنّ الخلاف بين مجلس الأمّة والحكومة السابقة “انتهى وزال أثره”، وتالياً فإنّ الحلّ افتقد “السبب المُبرّر له”، وخالَفَ القواعد الدستورية الناظمة.

ماذا يعني ما جرى؟

المفاعيل المباشرة لهذا الحكم تعني ما يلي:

1- مجلس 2020 الذي تمّ حلّه في 2022، سيعود لإكمال مدّته الدستورية، وهي في الأصل أربع سنوات، بقيت له منها اثنتان.

2- مجلس 2022 “كأنّه لم يكن” ولم تُجرَ الانتخابات، ولا مفاعيل لأيّ إفرازات قانونية خلال فترة وجوده بين تشرين الأول 2022 وآذار 2023، باستثناء القوانين التي أقرّها والتي تبقى نافذة، حتى إشعار آخر.

3- النواب الذين حملوا لقب “نائب” بعد انتخابات أيلول 2022 لم يعودوا نواباً، وحتى إنّهم لا يحملون صفة “نائب سابق”، وعددهم 17.

4- النواب الذين كانوا نواباً سابقين قبل 2020 وانتخبوا في 2022، يخرجون من المجلس الآن، لكن تبقى معهم صفة نائب سابق، وعددهم 10.

5- النواب العائدون إلى المجلس يبلغ عددهم 27، والذين سيستمرّون عددهم 23.

في السياسة يعني حكم المحكمة الدستورية أنّ الغالبية المؤيّدة للحكومة عادت لأخذ مواقعها من جديد، وأنّ المعارضة عادت لتصبح أقليّة.

يبقى السؤال الذي يشغل أذهان الكويتيين: ما هو وضع الحكومة الجديدة التي تمّ تكليف الشيخ أحمد النواف بتشكيلها؟ هل يواصل رئيسها مهمّته؟ كيف سينعكس الحُكم الجديد على موازين القوى فيها؟ وما هي الخيارات في حال تمّ تكليف شخصية جديدة برئاستها وتشكيلها؟ وكيف ستكون علاقتها مع مجلس الأمّة “العائد”؟

أسئلة كثيرة تزاحمت في الساعات القليلة الماضية، لكنّ الأجوبة عليها كانت قليلة في ظلّ الصدمة وحبس الأنفاس اللذين خيّما على الأجواء السياسية والشعبية بعد “الحكم – المفاجأة”.

في السياسة يعني حكم المحكمة الدستورية أنّ الغالبية المؤيّدة للحكومة عادت لأخذ مواقعها من جديد، وأنّ المعارضة عادت لتصبح أقليّة

“اختطاف البلد”

فيما سادت أجواء ترقّب لمعرفة توجّه الكتل المعارضة التي خرج عدد كبير من نوابها من المجلس، ظهر من الردود الأوّلية أنّ الأمور ذاهبة باتجاه التصعيد، إذ تحدّث البعض عن “اختطاف البلد”، واستخدم البعض الآخر عبارات من قبيل “إنْ عُدتم عُدنا”. في حين انكبّ سياسيون وخبراء دستوريون على تفكيك حيثيات الحكم باعتباره “غير مسبوق بمضمونه” في تاريخ الكويت، إذ صدر حكم مشابه في 2012 لكنّ الأسباب مختلفة تماماً وتتعلّق بأمور إجرائية.

هكذا سيعود رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم إلى منصبه مجدّداً، وسيكون للمجلس دور كبير في رسم المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة.

وإذا كان “مجلس 2022” قد أصبح من الماضي دستورياً، إلا أنّ المفاعيل السياسية للانتخابات التي جرت في أيلول الماضي لا يمكن تجاوزها بسهولة.

فهل يُفضي الحكم المُفاجئ إلى تبريد الأزمة السياسية (التي لم تهدأ أصلاً حتى بعد الانتخابات الأخيرة) أم يُعمّقها أكثر وتعود حالة الانسداد التي كانت سائدة في النصف الأول من 2022، عندما وصلت العلاقة بين الحكومة والبرلمان إلى نقطة اللاعودة؟

يرى مراقبون أنّ كلّ الخيارات واردة، وأنّ المسار يراوح بين سيناريوهَيْن:

الأول: أن يُكمل مجلس الأمة ولايته لمدّة سنتين، وتُجرى الانتخابات في موعدها الدستوري خلال 2025.

الثاني: أن يتعذّر التفاهم بين مجلس الأمّة والحكومة، فيستتبع ذلك إمّا إجراء انتخابات مبكرة مجدّداً، وإمّا اللجوء إلى “الحلّ غير الدستوري”، أي تعليق الحياة البرلمانية لفترة محدّدة قد تكون سنتين.

إقرأ أيضاً: الكويت: حكومة النوّاف الرابعة والخيارات المفتوحة؟

وفق ما يرى المراقبون، يرتبط الأمر بشكل رئيسي بترجيح أحد المسارين على سلوك نواب المعارضة الموجودين في “المجلس العائد”، فإن جَنَحوا إلى الهدوء (وهو أمرٌ مستبعد وفق المعطيات الحالية) رَجَح الخيار الأوّل، وإن عادوا إلى أساليبهم السابقة في الضغط المُتعدّد الاتجاهات سياسياً وشعبياً فإنّ المسار الثاني يصبح أكثر ترجيحاً.

مواضيع ذات صلة

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…

مآلات الحرب على كلّ جبهاتها: سقوط المحور

لم تنتهِ بعد حرب الشرق الأوسط المتعدّدة الساحات والتسميات.. طوفان الأقصى والسيوف الحديدية والإسناد إلخ…. لذا لن تكون قراءة النتائج التي أسفرت عنها نهائية حاسمة،…