بداية “تمرّد” داخل الجيش… ضدّ حكومة نتنياهو

مدة القراءة 7 د

أكثر من غيرهم، يعرف الفلسطينيون الذين يتابعون ما يحدث على الجانب الآخر من الحدود، ماذا يعني أن تحصل قوى دينية على تفويض انتخابي مع فائض قوّة. تفويض توظّفه في التجرّؤ على المسّ بتاريخ المجتمع الإسرائيلي وقواعد بنيته وتقاليده، وبالتوازنات في السياسة الدولية حول الملفّ الفلسطين. قوى تدّعي امتلاكها “الحقيقة المطلقة”، استناداً إلى الأيديولوجيا وباستدعاء النصوص الدينية والاستناد إليها. وهذا ما يبدو أنّه سينتهي بتقسيم المجتمع الإسرائيلي إلى كتلتين متصارعتين.

في سابقة جديدة من نوعها في تاريخ الكيان الإسرائيلي، اضطرّ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو للخروج من البلاد، كي يسافر إلى إيطاليا، في عملية تمويه عسكرية. فقد وصل إلى مطار اللدّ في مروحيّة تابِعة للشرطة، بهدف الالتفاف على آلاف المتظاهرين الذين أغلقوا بسياراتهم الشارع الذي يصل القدس بالمطار، وذلك ضمن تظاهرات “يوم مناهضة الديكتاتورية” التي تحتجّ على الانقلاب القضائي في إسرائيل. ووصف قادة المعارضة هذه الزيارة بأنّها “عطلة نهاية الأسبوع” لمن وصفوه بـ”ديكتاتور حجز 60 غرفة في روما على حساب الدولة ودافعي الضرائب”.

لم يقتصر اندلاع الاحتجاجات الواسعة ضدّ الانقلاب القضائي الذي يقوم به نتانياهو على المدنيين الإسرائيليين الذين غصّت الشوارع بمئات الألوف منهم، بل وصلت إلى الثكنات العسكرية أيضاً

نتانياهو يحتفل بزواجه

حسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإنّ الهدف الرئيسيّ من زيارة نتانياهو لإيطاليا، برفقة زوجته سارة، هو الاحتفال بعيد زواجهما. وكشفت القناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي أنّه قبل عدّة سنواتٍ، وفي التاريخ نفسه، سافر برفقة زوجته إلى الولايات المُتحدة الأميركيّة، حيث احتفلا بيوم زواجهما. وأضافت القناة عينها أنّه توجّه في ذلك الحين إلى الملياردير الأميركيّ – الإسرائيليّ أرنون ميلتشين، وطلب منه أنْ يشتري لزوجته هديّة. فاستجاب له وشاركه الملياردير الأستراليّ – الإسرائيليّ جيمس بيكر في دفع ثمن القلادة الذهبيّة الذي يقدّر بـ42 ألف دولار.

الجدير بالذكر أنّ ميلتشين وبيكر هما من الشهود ضدّ نتانياهو في المحاكمة التي يخضع لها في المحكمة المركزيّة بالقدس، إثر اتّهام النيابة الإسرائيليّة له بارتكاب عمليات نصب واحتيال وتلقّي رشى وخيانة الأمانة.

تمرّد عسكريّ

لم يقتصر اندلاع الاحتجاجات الواسعة ضدّ الانقلاب القضائي الذي يقوم به نتانياهو على المدنيين الإسرائيليين الذين غصّت الشوارع بمئات الألوف منهم، بل وصلت إلى الثكنات العسكرية أيضاً. فبعض كبار الضباط في سلاح الجو الإسرائيلي أبلغوا قادتهم أنّهم لن يأتوا بعد الآن إلى الخدمة. ويجري بين طيّاري الاحتياط داخل الأسراب نقاش حذر يطرح سؤالاً: هل يتمّ إلغاء التطوّع للخدمة؟ ومتى؟

يتعلّق جزء من القلق في أوساط رجال سلاح الجو بإمكانية أن يكونوا مكشوفين أمام دعاوى في المحاكم الدولية بسبب جرائم حرب، إذا تمّ إضعاف الجهاز القضائي. لأنّ إسرائيل ستجد صعوبة في الادّعاء أنّها تستخدم جهاز قضاء فعّالاً خاصّاً بها للتحقيق في مثل هذه الشكوك. تبعاً لذلك ستكون عرضةً للتدخّل الخارجي في قضائها. القلقون بشكل خاص هم الطيّارون في شركة “العال” الذين ما زال الكثير منهم في خدمة الاحتياط النشطة، لأنّهم يطيرون بشكل ثابت إلى الخارج وهويّاتهم مكشوفة خارج حدود الدولة.

نشر أكثر من 100 من رجال الاحتياط وأعضاء جهاز العمليات الخاصة في الاستخبارات العسكرية عريضة أعلنوا فيها أنّهم سيتوقّفون عن الخدمة في وحداتهم العسكرية، إذا تمّ تمرير الانقلاب القضائي.

انضمّ إلى هذه الاحتجاجات ضباط وجنود وحدات قتالية نخبوية، مثل سريّة لواء “غولاني”، ووحدة “إغوز”، ووحدة “جبال الألب” التي تنشط في جبل الشيخ في الجولان المحتلّ. كذلك انضمّت إلى الاحتجاجات وحدة “راكب السماء” التابعة لسلاح المدفعية، وتُعتبر وحدة نخبوية وتسيّر طائرات هجومية بدون طيار.

إلى ذلك هدّد أكثر من 200 طبيب إسرائيلي في الاحتياط بعدم الخدمة إذا استمرّ إقرار “الإصلاح” القضائي. وفي رسالة بعثوا بها إلى وزير الجيش يوآف غالانت، شدّد الأطباء على أنّ “التشريع غير ديمقراطي بشكل واضح، ومن المحتمل أن يلحق ضرراً خطيراً بالحقوق الفردية”.

يسود قلق بالغ في الجيش الإسرائيلي من نشوء أزمة شديدة في قوات الاحتياط في الأذرع العسكرية احتجاجاً على خطة الحكومة لإضعاف جهاز القضاء. ووصف ضابط كبير في الجيش هذا التخوّف بأنّه “الأكثر شدّة الذي تعامل معه الجيش منذ حرب يوم الغفران 1973”.

دفع اتساع هذه الاحتجاجات داخل الجيش الإسرائيلي رئيس هيئة الأركان العامة، هيرتسي هليفي، إلى تخصيص جزء من خطابه لها، داعياً عناصر الاحتياط إلى “إبقاء الخلاف خارج الجيش وعدم إدخال الزيّ العسكري” في الاحتجاجات.

سلاح يوم القيامة

غير أنّ حركات الاحتجاج وملايين المواطنين في إسرائيل الذين يخافون من الانقلاب النظامي، يتمسّكون الآن بالجيش، ولا سيّما بالوحدات المختارة فيه على اعتبار أنّها “سلاح يوم القيامة”، الذي يعوّلون عليه لردع الحكومة عن تأسيس “ديكتاتورية دستورية”، حتّى لو كان الأمر يتعلّق بجسم غير ديمقراطي بشكل واضح.

حسب الكاتب الإسرائيلي بتسفي هارئيل: “الأكثر خطورة في الأمر أنّه يجعل المواطنين ينقلون إلى الجيش صلاحية رسم “الخطوط الحمر” وصياغة بنود العقد السياسي – الاجتماعي في إسرائيل. هذه عملية يمكن أن تكون بلا رجعة، لأنّه بعد أن يعود الجيش إلى الثكنات والطيارون إلى التدريبات لن يكونوا مرّة أخرى الجسم الحيادي المطيع. الجنرال التركيّ بير وصف ذات مرّة تدخّل الجيش في السياسة بأنّه “تصحيح ميزان الديمقراطية”. صيغة مهذّبة آسرة، والجدير فحص الثمن الهستيري الذي دفعته تركيا”.

السير نحو الهاوية

يرى مراقبون أن لا مجال للتراجع أمام حكومة “الثالوث الجديد”، ولا متّسع لحوار كان قد دعا إليه الرئيس الإسرائيلي الذي قال إن إسرائيل تسير نحو الهاوية. فنتانياهو ودرعي يحتاجان إلى ضرب القضاء، للتهرّب من محاكمة الفساد. في حين أنّ ثنائي وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش يحتاجان إلى “تغيير القضاء” لتحقيق مشروع الضمّ، وتغيير ثقافة التعليم والسيطرة مع الصهيونية الدينية على أسس ترسيخ الهويّة اليهودية.

للتدليل على عمق الأزمة التي يعيشها كيان الاحتلال تكفي الإشارة إلى حدثيْن اثنيْن:

– الأوّل: إقدام قائد سلاح الجوّ الإسرائيليّ في خطوةٍ غير مسبوقةٍ على إقالة أحد كبار ضُبّاط سلاح الجوّ الذي يقود حملة احتجاج طيّاري سلاح الجوّ ضدّ خطة الحكومة للإجهاز على المنظومة القضائيّة.

– الثاني: قيام بن غفير بتنحية قائد شرطة لواء تل أبيب من منصبه، بسبب تعامله “المُتساهل”، حسب وصفه، مع المتظاهرين ضدّ خطة إضعاف القضاء.

غير أنّ المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف – ميارا، أصدرت قراراً بتجميد إجراءات عزل قائد شرطة تل أبيب، وأشارت إلى “مخاوف جدّية بشأن شرعية وصحّة الإجراءات” الرامية إلى عزل قائد الشرطة بسبب “الاعتبارات الكامنة وراء القرار وتوقيت الإعلان عنه وخلفيّته”.

إقرأ أيضاً: محرقة حوّارة: نهج إسرائيلي باستئناف “المجازر”

وحسب الكاتب الفلسطيني حسن خضر، لا يكمن المعنى الحقيقي لمعارضة العلمانيين الإسرائيليين الانقلاب القضائي، في الدفاع عن قيم ديمقراطية أساسية وعامّة، بل في دفاعهم عن “أسلوب حياة” و”مستقبل الدولة”.

لا بدّ من التذكير ختاماً بأنّ احتلال شعب آخر وحرمان الملايين من الفلسطينيين من حقوق إنسانية أساسية، إضافة إلى ما يمارسه الإسرائيلون من تنكيل بحقّهم، صارت كلّها جزءاً من “أسلوب الحياة الإسرائيلي”. و”مستقبل الدولة” لا يتعارض، في نظر الغالبية العظمى من الإسرائيليين، مع واقع الاحتلال.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…