لا يزال التقارب السعودي الإيراني في مرحلة اختبار النوايا، إلا أنّ مفاعيله أخذت تتظهّر في الملفّات العالقة بين البلدين. بالطبع لبنان واحد منها. أوّل المفاعيل بدأ بموجة تحليلات قفزت إلى “ما بعد الاتفاق”، في استنتاجات متسرّعة. وبعضها اقتصر على الدعوة إلى التروّي بانتظار تبلور المشهد الإقليمي.
في هذا الوقت، تسارعت حركة لافتة، من الخارج إلى الداخل اللبناني، توحي بأنّ ثمّة ما يتبلور على الساحة الرئاسية تحديداً. فالرئاسة مفتاح الفرج، أو التأزيم، حسبما تنقل أوساط دبلوماسية لـ”أساس”. وبدت بكركي مركز هذه الموجة المستجدّة.
تنتظر الساحة السياسية أسابيع حافلة ستحتّم على اللبنانيين الجلوس إلى طاولة التسوية لمصلحة مرشّح على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، تماماً كما هو حال الاتفاق السعودي الإيراني الذي ينتظر انتهاء اختبار النوايا قبل الاحتفال به
بكركي المحور
شهد الصرح البطريركي الماروني تفاهماً بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، على الملف الحكومي والرئاسي على حد سواء. وهذا بعد اشتباك سياسي بين الرجلين على خلفية بيان المطارنة الموارنة الشهير منذ أكثر من شهر، حين عقد ميقاتي جلسات حكومية خارج “الإجماع المسيحي”.
حسب معلومات “أساس”، بدا اللقاء بين الراعي وميقاتي هادئاً، بناءً على زيارة الأخير للصرح البابوي. وفي المعلومات أنّ ميقاتي اتفق مع الراعي على اقتراحات عملية يقدّمها إلى الفاتيكان ليلعب دوراً في حثّ المجتمع الدولي على الدفع باتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وفق مصادر دبلوماسية فإنّ خطوة ميقاتي تتقاطع مع مساعٍ دولية تقودها الدبلوماسية الصامتة في الفاتيكان للدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، شرط أن يعكس المسار المقبل انفتاح لبنان على العالم وتنفيذ إصلاحات تضعه على سكّة الاستثمارات الأجنبية.
يتقاطع مسعى الفاتيكان إلى إعادة لبنان إلى خارطة الدول، لا سيما أنّ للفاتيكان قنوات تواصل مع حزب الله، مع الاجتماع الخماسي الدولي (فرنسا، أميركا، السعودية، قطر، ومصر) الخاص بلبنان الذي حصل، واللقاء الذي يُتوقّع أن يُعقد على مستوى مديري مخابرات الدول الخمس في الفترة المقبلة.
كلّ هذه الحركة تكتمل مؤشّراتها مع استكمال السفير السعودي وليد البخاري جولته التي بدأها من بكركي، والتي تلت ترشيح عين التينة سليمان فرنجية للرئاسة. واتفق البخاري مع الراعي على مواصفات الرئيس: “من خارج المنظومة، وجاهز للسير بمسار إصلاحي في البلاد”.
في هذا الوقت، تسارعت حركة لافتة، من الخارج إلى الداخل اللبناني، توحي بأنّ ثمّة ما يتبلور على الساحة الرئاسية تحديداً. فالرئاسة مفتاح الفرج، أو التأزيم، حسبما تنقل أوساط دبلوماسية لـ”أساس”
بعد تلك الزيارة نُقِل عن البخاري نيّته القيام بجولة على المسؤولين اللبنانيين لإبلاغهم موقف المملكة العربية السعودية نفسه. زار البخاري عين التينة أمس وخرج ليجيب سريعاً: “أكيد خير”، ردّاً على سؤال حول احتمال انعكاس “اتفاق بكّين” إيجاباً على لبنان.
كانت زيارة البخاري لعين التينة محدّدة مسبقاً قبل التقارب السعودي الإيراني، وتضمّنت موقف المملكة الذي لم يتغيّر، حسب المؤشّرات المتوافرة.
ماذا حدث بين برّي والبخاري؟
وفي معلومات “أساس” أنّ البخاري أبلغ بري موقف السعودية الذي يضع مواصفات الرئيس المقبل من دون الدخول بالأسماء. لكنّ المضمون يفهم من عنوانه، إذ قال البخاري إنّ مواصفات الرئيس المقبل هي التي ذُكرت في اجتماع باريس الخماسي حول لبنان، وما تضمّنه بيان نيويورك الثلاثي في أيلول الماضي بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة.
بعد رسالة البخاري جاء ردّ بري سريعاً أمام وفد نقابة المحررين، مؤكداً على تمسّكه بسليمان فرنجية باعتباره الضمانة الوطنية للرئاسة والطائف. إلا أنّ الرئيس برّي توجّه إلى البخاري، خلال دقائق الوداع وقوفاً، قائلاً: “تأكّد ياسعادة السفير أنّنا لن نأخذ موقفاً يسيء إلى العلاقات اللبنانية السعودية.
واشنطن تؤيّد بكين؟
لا بدّ أن نستمع قليلاً إلى دعوات عدم التسرّع في تقويم نتائج التقارب السعودي الإيراني على لبنان. فالوقت لا يزال مبكراً جدّاً. غير أنّ ثوابت المملكة في لبنان لا تزال واضحة. وهي تتخطّى حسابات اليمن أو بالأحرى لا تقف عندها. وحسابات المملكة مع إيران تتجاوز سجالات اللبنانيين اليومية ورهاناتهم على الرئاسة.
تشير الأوساط الدبلوماسية الغربية إلى أنّ حسابات الولايات المتحدة الأميركية مع الصين في السياسة والمال يمكنها أن تبتلع لبنان أكثر من مرّة. لذلك من الأجدى أن يخرج اللبنانيون من وضع مصيرهم في ميزان حسابات الربح والخسارة الدولية، لأنّها تتجاوزهم في كلّ شيء. لا بل تذهب بعض الأوساط الدبلوماسية أبعد من ذلك لتتساءل: “من قال إنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تريد لهذا التقارب أن يحصل برعاية الصين؟”.
في ظلّ التشابك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، لا يمكن لغير الصين أن يقوم بهذا التقارب مع ما يعنيه من تخفيف حدّة النزاعات في المنطقة لمصلحة استقرار أسواق الطاقة فيها. لذلك لا بدّ من تخفيف زجّ لبنان الصغير في حسابات كبيرة والتواضع قليلاً في حسبة الربح والخسارة، لأنّ التوجّه العام لن يتغيّر بين ليلة وضحاها.
إقرأ أيضاً: لماذا أعلن الحزب الدعم الصريح لفرنجيّة؟
أسبوع لبنان سيكون حافلاً بحركة لم تعد بلا بركة كما يستخلص المعنيون. تنتظر الساحة السياسية أسابيع حافلة ستحتّم على اللبنانيين الجلوس إلى طاولة التسوية لمصلحة مرشّح على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، تماماً كما هو حال الاتفاق السعودي الإيراني الذي ينتظر انتهاء اختبار النوايا قبل الاحتفال به.
يبقى الثابت حتّى الساعة أنّ موقف السعودية تجاه الملفّات الإشكالية في لبنان، من الرئاسة إلى الإصلاحات وملف تهريب الكبتاغون إلى الخليج، لا يزال على حاله. ومقاربة العقل السعودي الجديد تجاه السلطة اللبنانية تختلف جذرياً عمّا كانت عليه المقاربة السابقة في العقود الماضية. وهو أمر من المستبعد أن أنأذأن أنيغيّره أيّ تقارب بين المملكة وإيران. فملفّ الكبتاغون “وجودي” بالنسبة إلى دول الخليج، كذلك ملفّ الإصلاحات. فلن يدفع العرب فلساً واحداً لا يعرفون كيف سيُصرف، أو هناك احتمال، ولو ضئيلاً، بأن يضيع بين رموز الهدر وشبكات الفساد.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@