شهران… لامتحان إيران

مدة القراءة 6 د

يبقى أهمّ ما في البيان المشترك السعودي – الصيني – الإيراني الكلام  الوارد فيه عن تأكيد السعوديّة وإيران “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”. ليس واضحاً التفسير الإيراني لهذه العبارة وما إذا كانت تقتصر على  التدخّل الإيراني في شؤون المملكة، عن طريق اليمن، أم أنّ الأمر يتعلّق بسلوك “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مجمله، بما في ذلك سلوك ميليشياتها المذهبيّة المنتشرة في المنطقة.

ثمّة شكوى عامة من سلوك إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن تحديداً. ليس معروفاً هل تستطيع الصين، راعية الاتفاق السعودي – الإيراني، تأمين انضباط “الجمهوريّة الإسلاميّة” على الرغم من العلاقة الخاصة التي تربط بيجينغ بطهران والاتفاق الاستراتيجي بينهما.

من هذا المنطلق، بدا واضحاً أنّ ثمّة حاجة إلى مدّة شهرين لامتحان إيران قبل استئناف العلاقات الدبلوماسيّة بين الرياض وطهران. سيكون سلوك إيران خارج حدودها موضع مراقبة دقيقة في هذين الشهرين. على “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإجابة عن سؤال هل هي دولة طبيعية أم لا؟

ما يدعو إلى الحذر أنّ إيران لم تلتزم يوما إتفاقية التعاون الأمني مع السعودية، وهي إتفاقية موقعة في العام 2001، أي قبل اثنين وعشرين عاماً. لم تكن العلاقات الديبلوماسيّة مقطوعة بين البلدين وقتذاك

من المفيد العودة إلى السياق الذي وردت فيه عبارة “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية” لمحاولة فهم أهمّية هذه العبارة ولماذا يمكن وصفها بالعبارة المفتاح في ما يخصّ مستقبل العلاقة السعوديّة – الإيرانيّة وبالتالي الخليجية – الإيرانيّة.

جاء في البيان: “تعلن الدول الثلاث أنّه تمّ توصّل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدّة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقّعة في 22 /1/ 1422هـ، الموافق 17/ 4/ 2001م (…).

ما يدعو إلى الحذر أنّ إيران لم تلتزم يوماً اتفاقية التعاون الأمني مع السعودية، وهي اتفاقية موقّعة في عام 2001، أي قبل اثنين وعشرين عاماً. لم تكن العلاقات الدبلوماسيّة مقطوعة بين البلدين وقتذاك. ما الذي تغيّر حتّى يصبح في الإمكان التفاؤل بتغيير إيراني في العمق في أيّامنا هذه؟

الأكيد أنّ ثمّة اهتماماً سعودياً خاصاً باليمن وما يدور فيه، بل يمكن الحديث عن تركيز سعودي على اليمن وعلى الكيان الذي أقامه الحوثيون (جماعة أنصار الله) في الشمال اليمني منذ 21 أيلول 2014. ليس معروفاً هل يشمل الاتفاق السعودي الإيراني مستقبل الكيان الحوثي الذي لا يشبه سوى الكيان الذي أقامته “حماس” في قطاع غزة منذ منتصف عام 2007… أم الأمر يتعلّق بمجرّد هدنة؟

يصعب الوثوق بالحوثيين الذين لديهم أحلامهم اليمنية التي ليست سوى أحلام يقظة. لكنّ السؤال هل اقتنعت إيران أخيراً بأنّ الاستثمار في الجماعة الحوثية استثمار لا أفق له، تماماً مثل الاستثمار في “حزب الله” في لبنان والميليشيات المتنوّعة التي ترعاها في سوريا والعراق. حسناً، أوصل “حزب الله” إيران إلى البحر المتوسط. ماذا بعد ذلك؟ ما الثمن الذي دفعه لبنان واللبنانيون لقاء ذلك؟

كان لافتاً لدى توقيع البيان الثلاثي المشترك في بيجينغ وجود وزير الخارجيّة الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في دمشق. لا يمكن أن يكون ذلك مجرّد صدفة. يعني وجوده تأكيد “الجمهوريّة الإسلاميّة”، لكلّ من يعنيه الأمر، أنّ سوريا مستعمرة إيرانيّة لا يمكن التخلّي عنها. مثل هذا التوجّه الإيراني لا يبشّر بالخير في منطقة تحتاج أوّل ما تحتاج إلى وضع حدّ لمشروع توسّعي لم يجلب سوى البؤس والدمار حيثما حلّ.

من المنظور الدولي، لا شكّ أنّ البيان الثلاثي انتصار صيني. استطاعت الصين تحقيق ما عجزت الولايات المتحدة عن تحقيقه. أظهرت الصين أنّها تمتلك علاقات ومصالح مع كلّ من المملكة العربيّة السعوديّة و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في آن. لكنّه يفترض أن ترافق ما يمكن وصفه بالانتصار الصيني بعض التحفّظات، خصوصاً أنّه يأتي في وقت هناك تحسّن واضح في العلاقات الأميركيّة – السعوديّة وتغيير في موقف إدارة جو بايدن من شخص وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لعلّ أفضل دليل على هذا التغيير، الذي يمكن وصفه بتقارب بين واشنطن والرياض، الزيارة التي قام بها لكييف أخيراً وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان واللقاء الذي عقده مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ السعودية قدّمت لأوكرانيا أخيراً مساعدات يصل حجمها إلى نصف مليار دولار. كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي لكييف بمنزلة تعبير عن تجاوب الرياض مع الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها إدارة بايدن تجاه المملكة.

بغضّ النظر عن إثبات الصين قدرتها على التقريب بين السعودية وإيران، يبقى الأهمّ هو القدرة لدى بيجينغ على تدجين إيران وإقناعها بلعب دور إيجابي في المنطقة بدل متابعة الرهان على صواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة وميليشياتها المذهبيّة… وعلى سقوط فلاديمير بوتين في حضن “الجمهوريّة الإسلاميّة” نتيجة غرقه في الوحول الأوكرانيّة.

لعبت الصين، من خلال البيان الثلاثي، دوراً لم يسبق لها أن لعبته على الصعيد العالمي. هذا لا يعني زوال القضايا الشائكة التي لا تزال عالقة بين السعوديّة والجانب الإيراني. في مقدّم هذه القضايا الشائكة التفسير الواضح لعبارة “الاحترام الواضح لسيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخليّة”.

إقرأ أيضاً: الاتّفاق السعوديّ – الإيرانيّ: نص مكتوب أو فعل مطلوب؟

بين توقيع إيران لبيان ترد فيه هذه العبارة والتزامها بالفعل مضامين عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى هوّة كبيرة… ليس معروفاً هل تستطيع الصين ردمها!

سيكون ردم الهوّة امتحاناً للصين أكثر ممّا هو امتحان لإيران حيث نظام معروفة طبيعته. سيكشف ذلك ما إذا كان الرئيس شي جينبينغ في وضع القادر على لعب دور على الصعيد الدولي وأن يكون بالفعل وسيطاً في حرب أوكرانيا على سبيل المثال وليس مجرّد مستفيد من المأزق الروسي…

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…