الرياض ترفض وساطة الأسد مع الحوثيين

مدة القراءة 7 د

يصعب تصنيف اندفاعة “الثنائي الشيعي” و”حزب الله” تحديداً بإعلانه ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، خارج إطار الصراع الدائر في المنطقة، على الرغم من أن السرديات التي رافقت هذا الترشيح من قبل أوساط الممانعة تستند إلى تقديرات بأن الخطوة تأتي في سياق اتجاه الوضع الإقليمي نحو التسويات في الميادين الساخنة.

يشير المنحى، الذي تأخذه الأحداث حتى إشعار آخر، إلى عقبات كبيرة تواجه التسويات، على أنّها ستؤدي إلى التسليم بترك لبنان للنفوذ الإيراني، بحجة أن أولوية خصوم “الممانعة” هي اليمن والتهدئة في الخليج، وأن لا مانع لدى هؤلاء من إبقاء البلد في دائرة النفوذ الإيراني، طالما أن “حزب الله” منضبط على الجبهة الجنوبية ومفاعيل شراكته في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل ما زالت صامدة.

 

الأكثريّة لفرنجيّة تحتاج إلى قرار خارجيّ

ما تسرّب عن الموقف السعودي السلبي من ترشيح فرنجية يشكّك في فرضية التسليم باستمرار سيطرة “الممانعة” على القرار السياسي في لبنان، في إطار توزيع النفوذ في المنطقة. هذا بصرف النظر عمّا ستكون عليه نتائج جهود “حزب الله” من أجل إنجاح خياره برئاسة فرنجية للرئاسة. فتأمين أكثرية النصف زائداً واحداً لرئيس “المردة” ثمّ نصاب الثلثين لضمان انتخابه صار قراراً خارجياً بعد الموقف السعودي، على الرغم من دعوة الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصر الله خصومه إلى عدم انتظار التسويات أو المواقف الخارجية. هذا في وقت لا يخلو أيّ خطاب له يتناول فيه الاستحقاق الرئاسي، من مطالعة تؤكّد الحاجة إلى المقاومة وسلاحها في لبنان كجزء من محور الممانعة في مواجهة أميركا وضغوطها على إيران وسوريا ولبنان. ولا حاجة إلى الاستنتاج أنّ خيار فرنجية هو لانسجامه مع موقع “الحزب” في الخارج وليس مع ما تفرضه المعادلات الداخلية ومواقف سائر الفرقاء اللبنانيين، ولا سيما المسيحيين، حيال هذا الخيار، ولا مع حاجات البلد إلى حلول اقتصادية مالية تنهض به من الحفرة التي هو فيها. وما يعيبه “الحزب” على خصومه بربطهم الرئاسة بالخارج، يمارسه هو تحت شعار المقاومة للضغوط الأميركية على المنطقة.

اقتضى أسلوب المناورة وفق معلومات أوساط عربية أن يقترح الأسد عبر بعض الوسطاء أن يلعب دوراً في التهدئة في اليمن ويبذل جهوداً لتقريب وجهات النظر بين الرياض وبين الحوثيين

حدود الانفتاح على سوريا

في الوقائع التي تزيل الالتباسات حول ربط الاستحقاق بالتسويات الإقليمية يكفي النظر إلى المفارقات المتعلقة بالميدان السوري، في ظل ترقّب المدى الذي ستذهب إليه جهود التطبيع مع نظام بشار الأسد. فإبداء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود مرّة جديدة الاستعداد للحوار مع سوريا بفعل شبه إجماع عربي على إخراجها من العزلة، اقترن في آخر تصريح له في لندن بالقول: “لكن في الوقت الحالي أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر”.

وإذا كان الموقف الأميركي عائقاً رئيساً أمام استكمال التطبيع مع الأسد، فإن المتابعين عن كثب لتوجهات الانفتاح على النظام السوري يسردون جملة وقائع ومعطيات بعضها علني ورسمي، والآخر يدور في قنوات التواصل السرّية بين دمشق وبعض الدول، للدلالة على وتداخل الأزمات مع بعضها.

 

طهران تسابق العرب في سوريا

يكفي النظر إلى مشهدَي زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لموسكو، بالتزامن مع زيارة نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لدمشق. وإذا كان موضوع التطبيع مع الأسد هو أحد المواضيع الذي يدأب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على طرحه مع الجانب السعودي من باب تشجيع العرب ودول الخليج على الانفتاح على الأسد إذا كانوا يريدونه أن يبتعد عن إيران، فإنّ عبد اللهيان حطّ في سوريا ليؤكّد دور طهران فيها ميدانياً وسياسياً، بعدما انتزع الاعتراف الروسي بأنّ استكمال خطوات المصالحة التركية السورية لا يتمّ من دون مشاركتها فيها. وهذه هي الرسالة من وراء تحوّل لقاءات التقارب السوري التركي برعاية روسية إلى رباعية ستشارك فيها إيران بدءاً من الأسبوع المقبل. ومن مضامين الرسالة أن طهران تسابق الدول العربية إلى دمشق، لإفهام من يلزم أن القرار فيها لها، وأن منصة “أستانا” هي المرجعية في بلاد الشام وليست الجامعة العربية. ولهذا دلالته في ظل ما يتردّد من وجود اقتراح في بعض الأروقة الإقليمية بإرسال قوات عربية إلى سوريا تساعد في ضمان عودة النازحين.

لهذا السبب يرى معارضو النظام السوري استحالة تحقيق رغبات بعض العرب باستمالة الأسد كي يأخذ مسافة عن إيران لاعتقادهم أنّه “لا يقدر ولا يريد” لأن قناعته هي بأولوية تحالفه معها، إلا أنه يتبع أساليب المناورة التي يجيدها بالإكثار من الوعود لمحدّثيه العرب، حول استعداده للاستجابة لشروطهم ومطالبهم، على أن يترك لمرور الوقت أن يحرّره من أيّ التزامات.

ما تسرّب عن الموقف السعودي السلبي من ترشيح فرنجية يشكّك في فرضية التسليم باستمرار سيطرة “الممانعة” على القرار السياسي في لبنان، في إطار توزيع النفوذ في المنطقة

الأسد اقترح والرياض رفضت وأميركا حضرت

اقتضى أسلوب المناورة وفق معلومات أوساط عربية أن يقترح الأسد عبر بعض الوسطاء أن يلعب دوراً في التهدئة في اليمن ويبذل جهوداً لتقريب وجهات النظر بين الرياض وبين الحوثيين. أفادت مصادر هذه المعلومات “أساس ميديا” بأنّ الرياض رفضت عرضاً كهذا لأنّها لا تريد تدخّلاً سوريّاً في هذا الملف، تفادياً لاستخدام الأسد الحوثيين ورقة في التفاوض معها. هذا فضلاً عن أن الرياض تدرك جيّداً أنه إذا كان من سبيل للتأثيرعلى “أنصار الله” فهذا يتم عبر التواصل مع الأصيل، أي طهران (وقّعت أمس اتفاقية بين السعودية وإيران برعاية صينية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين).

من الوقائع التي يسردها المتابعون للوضع الإقليمي أن المحاولات التي بذلتها واشنطن عبر بعض القنوات الخلفية من أجل مفاوضات على الإفراج عن الصحافي الأميركي الذي اختفى في سوريا عام 2012 أوستن تايس بلغت طريقاً مسدوداً بسبب ربط دمشق إمكان بذل جهودها في السعي إلى الإفراج عنه بمطالب سياسية. وموقفها في هذا الملف، قبل بضعة أشهر، كان دعوة الجانب الأميركي إلى عدم اقتصار البحث معها في قضية أمنية من هذا النوع، بل وجوب البحث في الموقف السياسي. وحين سأل الجانب الأميركي عن المقصود كان مطلب دمشق أن يتم الاتفاق على مبدأ الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية شرق الفرات. وهي خطوة تطالب بها طهران وموسكو، لكن لن تقدم واشنطن عليها في ظل استمرار الوجود الروسي والإيراني في بلاد الشام. على العكس من ذلك جاءت زيارة رئيس الأركان للجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي لشمال سوريا قبل أسبوع لتؤكّد هذا الوجود في مقابل الجهود الروسية بالتفاهم مع إيران للتوافق على تقاسم المناطق الشمالية بين تركيا وقوات النظام. والرسالة من وراء الزيارة هي أن واشنطن تتمسك بدورها في الميدان السوري، في حين أن مطلبها مثل سائر الدول العربية هو انسحاب إيران من سوريا.

إقرأ أيضاً: مشهدان في محاضر دبلوماسيّي بيروت: لا للطائف الإيرانيّ… وتواطؤ جعجع وباسيل

يرافق الحديث عن الرئاسة في لبنان تمنّيات لدى بعض الأوساط بأن يساعد الانفتاح العربي على سوريا في إحياء التقارب السعودي السوري وينتج تفاهماً بين الرياض ودمشق على لبنان، يحيي معادلة “السين- سين” التي أمّنت قدراً من الاستقرار اللبناني في مرحلة ما، وقد تتكرّر مع رئاسة فرنجية. إلا أن واقع الأمر أن لا مجال لتكرار هذه التجربة لأن لا وجود إلا لفريق واحد من طرفَي هذه المبادرة راهناً، هو السعودية، أمّا سوريا فقد حلّت مكانها إيران ليس في لبنان فحسب بل في سوريا أيضاً، حيث نفوذها أقوى من حكام دمشق.

ثمّة وقائع كثيرة تطرحها الجهات المتابعة لما يدور على الصعيد الإقليمي للدلالة على أنّ لبنان سيبقى أسيراً لصراعات المنطقة، ومنها الصراع على سوريا.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…