في أياّر الماضي، أعلنت “الأونروا” عن 13 وظيفة شاغرة لمركز عامل بيئة صحّية. بعد أيّام، تلقّت مكاتبها أكثر من 37 ألف طلب توظيف. هذا ما أعلنه المفوّض العامّ للأونروا فيليب لازاريني، خلال اجتماع اللجنة الاستشارية في بيروت قبل أيام، بحضور 28 دولة مانحة.
هذا الرقم يقول ما تقوله أرقام أخرى. إذ أعلن المجتمعون أنّ 86% من لاجئي فلسطين في لبنان يعيشون تحت خطّ الفقر. وأكثر من 80% من أطفالهم الرضّع لا يحصلون على ما يكفي من الحليب للنموّ الطبيعي. وهؤلاء تعدّهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR) 210 آلاف لاجىء مسجّل في لبنان، من أصل 6.4 ملايين لاجئ في الدول العربية، ونحو 761 ألف لاجئ في الدول الأجنبية، وحوالي 1.7 مليون فلسطيني في أراضي 1948، ونحو 5.4 ملايين نسمة على حدود 1967، منهم 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزّة. بمجموع 14.3 مليون فلسطيني أحصاهم جهاز الإحصاء الفلسطيني مع نهاية عام 2022.
في أياّر الماضي، أعلنت “الأونروا” عن 13 وظيفة شاغرة لمركز عامل بيئة صحّية. بعد أيّام، تلقّت مكاتبها أكثر من 37 ألف طلب توظيف
الصدفة زامنت الاجتماع مع الاحتفال بيوم اللاجئ العالمي، في 20 حزيران، تحت شعار “الأمل بعيداً عن الديار”. وزامنته أيضاً مع إضراب ينفّذه 3,600 موظف في “الأونروا” بالضفة الغربية المحتلّة منذ 20 شباط الماضي، للمطالبة بزيادة رواتبهم وتحسين ظروف معيشتهم.
وقد استغلّ المتطرّفون الإسرائيليون الظروف. واللافت أنّ “النخبة” الإسرائيلية “تخاف” من هذه المؤسسة. فقد دعا عيدي شفارتس، الباحث في “معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية في القدس”، إلى إغلاق الأونروا، وادّعى في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” أنّها تشكّل “تهديداً للأمن القومي لدولة إسرائيل”، لأنّها “تلتزم المطالبة الفلسطينية بعودة اللاجئين، وتحظى بدعم دولي وأممي، لكنّها في جوهرها وهيكليّتها وأهدافها وعشرات الآلاف من موظّفيها منظمة فلسطينية معادية لإسرائيل”.
كذلك أوصى ديفيد بادين، مؤسّس “مركز دراسات القدس”، والمختصّ بملف الأونروا، بإغلاقها “لأنّ أكثر موظّفيها ينتمون إلى التنظيمات الإرهابية، وهم يسيطرون على اتحاد العمال، واتحاد المعلّمين”. واعتبر أنّها ” احتفظتْ بخمسة أجيال من المهاجرين العرب، وتولَّت حركة حماس شحنهم، فصبَّتْ الزيتَ على النار، وإطفاء هذه النار بإيقاف دفع المستحقّات ومرتّبات موظّفيها، ما سيحوّلهم إلى متسوّلين”.
وسط كلّ هذا الجوّ العاصف، عقد الاجتماع في بيروت. أيضاً في ظلّ أزمة ماليّة هي الأقسى في تاريخ “الأونروا”، والأكثر إيلاماً للّاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات: “ليس بالإمكان وصف درجات اليأس لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان”، قال لازاريني، متحدّثاً عن “ضآلة الفرص المتاحة أمام اللاجئين الفلسطينيين ليعيشوا حياة كريمة”.
المؤتمر الدولي للتبرّعات الذي عُقد بداية حزيران في نيويورك، لم يجمع سوى 13 مليون دولار، من أصل 300 مليوناً هي حاجة الوكالة بالحدّ الأدنى سنوياً
ما هي أسباب الأزمة؟
لا تأتي أزمة الأونروا من فراغ، بل تسبّب بها تحوّل الأولويّات الجيوسياسية والحركات الإقليمية الجديدة وظهور أزمات إنسانية جديدة، وسط تحوّل الاهتمام العالمي إلى الأزمة الأوكرانية؟ وهو ما دفع الملفّ الفلسطيني إلى أسفل قائمة الأولويّات لدى البلدان المانحة. وبسبب الإرهاق والملل اللذين أصابا الاتحاد الأوروبي والدول المانحة، بات البعض يرى أنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أصبح طويلاً وغير قابل للحلّ. والأهمّ من ذلك، تستمرّ المحاولات لشطب لاجئي فلسطين والوكالة التي تمثّلهم، وأخطرها الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة التي تسعى إلى وضع اشتراطات معيّنة لاستمرار دعمها المالي، مثل إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني بشكل يختلف عن تعريف “الأونروا” بهدف إنقاص الأعداد من نحو ستّة ملايين ونصف إلى أقلّ من مئة ألف لاجئ.
في الاجتماع البيروتي دعا لازاريني المشاركين إلى زيادة التمويل، وأطلق “إنذاراً مبكراً بالكارثة التي تلوح في الأفق والتي سنواجهها في أيلول إذا لم نتلقَّ تمويلاً إضافياً”، حيث ستعجز الوكالة عن الاستمرار في تقديم الخدمات في الضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية، وفي غزّة وسوريا ولبنان والأردن. وستضطرّ لإغلاق أكثر من 700 مدرسة و140 مركزاً صحّياً، ووقف خدمات الطوارئ، ما سيترك ملايين اللاجئين على أعتاب مجاعة: “لذا ليس هذا هو الوقت المناسب للتردّد، فقد حان وقت العمل”، أضاف لازاريني، الذي استفاض في الحديث عن قتل الأطفال الفلسطينيين اللاجئين على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستشهداً بمقتل الطالب أحمد البالغ من العمر 15 عاماً في مخيّم جنين، ومقتل الطالبة سديل ذات الـ14 عاماً.
الغريب أنّ المؤتمر الدولي للتبرّعات الذي عُقد بداية حزيران في نيويورك، لم يجمع سوى 13 مليون دولار، من أصل 300 مليوناً هي حاجة الوكالة بالحدّ الأدنى سنوياً.
إقرأ أيضاً: إسرائيل.. وجبهة فلسطين “المستحيلة”
وقد أكّد كلامه الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في 2 حزيران الجاري خلال اجتماع لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنيّة بضمان التزام الدول المانحة بحاجات الأونروا: “إنّهم على شفا الانهيار المالي”، قال، ودعا الدول المانحة إلى تحمّل مسؤولياتها ومساعدتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.