تحذير: الـC.I.A  تتدخل بقوّة في سياسات المنطقة من الآن (1/2)

مدة القراءة 4 د

يخطئ من يعتقد أنّ اختيار واشنطن إعطاء جنوب بحر الصين والمحيط الباسيفيكي “الأولوية الاستراتيجية” بدلاً من الشرق الأوسط هو خروجٌ كاملٌ ونهائيّ من المنطقة.
هذا الخروج الاستراتيجي يعوّضه الآن زيادة منسوب النشاط الاستخباري لوكالة الاستخبارات الأميركية (CIA).
الوكالة التي يسمّونها “الأخ الكبير” سوف تزيد من مراقبتها وتنصّتها ومحاولات الاختراق لمفاصل صناعة القرار الرسمي وردّ الفعل الشعبي في الشرق الأوسط الكبير.

هجرة” الزعامات نحو موسكو وبكين
قال لي مصدر أميركي إنّ وكالة الاستخبارات حذّرت إدارة بايدن في بداية تسلّمها للسلطة من أنّ تعديل الأولوية الاستراتيجية للاهتمام الأميركي، بما يعني اتفاقاً مع إيران وخروجاً من أفغانستان وتخفيف الوجود العسكري في المنطقة، سيشكّل فراغاً سوف تستفيد منه الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا.
وجاء في هذا التحذير: “إنّ هذا الفراغ سوف يدفع زعامات المنطقة إلى تقليل الثقة والاعتمادية والرهان على الشراكة الأميركية، وسوف يفتح الباب على مصراعيه لأن يطرق زعامات المنطقة أبواب موسكو وبكين والبحث عن تحالفات دولية جديدة”.

الوكالة التي يسمّونها “الأخ الكبير” سوف تزيد من مراقبتها وتنصّتها ومحاولات الاختراق لمفاصل صناعة القرار الرسمي وردّ الفعل الشعبي في الشرق الأوسط الكبير

بعد 4 سنوات من هذه السياسة الأميركية وهذا التحذير للوكالة ها نحن نرى اتفاقاً سعودياً إيرانياً برعاية صينية، وها نحن نرى زيارة تاريخية لرئيس دولة الإمارات لموسكو قبل أيام يعلن فيها على الملأ الرغبة الكاملة لتمتين التعاون بين روسيا وبلاده.
وها نحن نرى صفقات تسليح مع موسكو وباريس وبكين.
وها نحن نرى الرياض والقاهرة تتقدّمان بطلب لدخول منظمة البريكس.
وها هي أبو ظبي تعقد أهمّ صفقاتها العسكرية لشراء طائرات الرافال الفرنسية بدلاً من الـ “إف 35” الأميركية.
وها هي الصحف الأميركية تنشر تسريباً من وثائق أميركية يهدّد فيها وليّ العهد السعودي الأميركيين “بوجع غير مسبوق” إذا استمرّوا في سياساتهم تجاه المنطقة.

تغييرات بايدن “مُرغماً
قبل انتخابات الرئاسة الأميركية الأولى كانت التصريحات الإعلامية للمرشّح جو بايدن تعتمد فلسفة يسار ووسط الحزب الديمقراطي القائمة على “استراتيجية المبادئ”، أي الالتزام المتشدّد بفكر الحزب الديمقراطي الأصيل الذي يقوم على مبادئ التكافل الاجتماعي في الداخل وبناء العلاقات الخارجية وفق معيار مدى التزام الدول الأخرى بقواعد حقوق الإنسان والحرّيات والديمقراطية حسب المفاهيم الغربية الراسخة.
مع مرور الوقت بدأت إدارة بايدن مرغمةً تحت ضغط المصالح، توجّه سياستها نحو استراتيجية المصالح بدلاً من استراتيجية المبادئ.
لذلك ابتلع بايدن شَفْرة “أوبك بلاس” الحادّة وصبر على الجنون الإيراني وخيانة حركة طالبان لاتفاق تسليم كابول والغزل الخليجي مع بكين وعقد اتفاق إيراني-سعودي برعاية صينية وعدم التزام كثير من دول الشرق الأوسط بمقاطعة بوتين.
هنا كان دور وكالة الاستخبارات الأميركية في استخدام كلّ أدواتها في إقناع مجلس الأمن القومي والخارجية ووزارة الدفاع ومفاصل مجلسَيْ الشيوخ والنواب بمخاطر الفراغ الأميركي وضرورة عدم ترك الساحة مفتوحة أمام الغير.
من هنا نلاحظ زيادة الوجود العسكري الأميركي الاستخباري في سوريا وزيادة العدّة والعديد الأميركيَّين حول قاعدة “التنف”.

ونلاحظ أيضاً السعي المستميت من واشنطن إلى سرعة إنجاز اتفاق مع إيران.
ونلاحظ غضّ النظر الأميركي عن تملّص طهران من عقوبات تصدير النفط الذي قفز من 300 ألف برميل يومياً إلى أقلّ من 3 ملايين دون أيّ اعتراض أو إجراءات أميركية مضادّة.
ونرى التحرّكات المحمومة لكلّ من جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي وأنتوني بلينكن وزير الخارجية، وزيارة كلّ من رئيس مجلس النواب ووكيلة الخارجية والمبعوث الخاصّ إلى إيران ولجان الدفاع والأمن في الكونغرس للمنطقة أخيراً.

استراتيجية وكالة الاستخبارات الأميركية
من هنا يمكن القول إنّه على الرغم من الانسحاب الأميركي النسبي من المنطقة فإنّ وكالة الاستخبارات الأميركية بدأت تكثّف وجودها بالفعل في كلّ مناطق الصراعات في الإقليم وداخل مفاصل القرار في المنطقة، وذلك في مؤسّسات الحلفاء قبل الأعداء، وتحاول التأثير من الداخل في مسار هذه القرارات من خلال رصدها، بدءاً من جمع المعلومات السرّية وتوجيه الرأي العام وصولاً إلى القيام بعمليات خاصة تحتاج بسبب خطورتها إلى إذن خاص لا يمنحه سوى الرئيس الأميركي.

إقرأ أيضاً: وجَع “بايدن” من تمرُّد دول الخليج على رغباته!

كيف ولماذا وما هي آثار هذه الاختراقات المتوقّعة؟
هذا مجال الحلقة المقبلة بإذن الله.
يتبع.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…