الكويت بين حدثين… وكلمة

حدثان بارزان شهدتهما الكويت في يومين، الأوّل تشكيل حكومة جديدة كان الأبرز فيها دخول الشيخ أحمد الفهد إلى صفوفها نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع، والثاني افتتاح مجلس الأمّة الذي نتج عن انتخابات جديدة بعد حلّ مجلس 2020 وإبطال مجلس 2022.

كان دخول أحمد الفهد التشكيل الحكومي مفاجأة لكثيرين، إنّما ليس لمن يعرف كيف يخطّط ويعمل، فهو بنى قاعدة ولاءات نيابية على قاعدة المصالح المتلاقية بينه وبين مجموعة كانت تعمل بتناغم كبير معه. ولطالما اتّهمه خصومه بأنّه يخلق، عبر “نوابه”، أزمات داخل مجلس الأمّة وبين مجلس الأمّة والحكومة. تغيّر رؤساء حكومات وتغيّرت حكومات، لكنّ طموح الفهد للعودة لم يتغيّر، ويبدو أنّ رئيس الحكومة الشيخ أحمد النواف وجد فيه وزيراً قادراً على ضبط الأمور من خلال تهدئة النواب الذين يمون عليهم ودفعهم إلى التعاون مع الحكومة بعدما كان التأزيم عنوان المراحل السابقة.

حدثان بارزان شهدتهما الكويت في يومين، الأوّل تشكيل حكومة جديدة كان الأبرز فيها دخول الشيخ أحمد الفهد إلى صفوفها نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع

وعلى الرغم من أنّ خصوم الفهد استنكروا عودته إلى الحكومة وأعادوا التذكير بإدانته بحكم قضائي في جنيف وباتّهامات وُجّهت له في أميركا بأنّه قدّم رشوة لمسؤول رياضي دولي، كما استحضروا موضوع الشرائط المفبركة التي اعتذر عنها في إطلالة تلفزيونية، إلّا أنّ ذلك لم يحُل دون الإصرار على توزيره وأدائه القسم أمام نائب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح واحتفاله مع أصدقائه، وبعضهم شمله العفو الأميري الأخير، بقطع قالب حلوى مكتوب عليه: عدنا والعود… “أحمد”.

أولويّات النوّاب

لم يكن المشهد مختلفاً في مجلس الأمّة الذي افتتح أعماله في 20 حزيران 2023 نائب الأمير الشيخ مشعل الأحمد، فقد عاد أحمد السعدون البرلماني المخضرم إلى رئاسة المجلس، فيما جلس الرئيس السابق مرزوق الغانم في مقاعد النواب. وكان هناك تنسيق نيابي شمل أكثر من 40 نائباً من أجل توزيع المناصب وتشكيل اللجان النيابية، إضافة إلى وضع برنامج أولويّات على أن يتلاقى ذلك مع برنامج عمل الحكومة التي وعدت بأن تقدّمه إلى البرلمان في غضون أسبوعين.

أولويات النواب كثيرة تبدأ من تعديل النظام الانتخابي وإنشاء المفوضية العليا للانتخابات وإجراء تعديلات على قانون المسيء وإقرار مبدأ ردّ الاعتبار. وهذه النقطة تتعلّق بالمعارضين الذين تمّ الحكم عليهم سابقاً بالإدانة، ثمّ عفا عنهم الأمير، لكنّهم لا يتمكّنون من الترشّح ولا التصويت في الانتخابات، ولذلك سيعمل النواب على ردّ الاعتبار لهم لكي يعودوا إلى المشاركة السياسية.

هذه الصورة السياسية في الكويت على الرغم من وضوح مؤشّراتها إلى القادم من الأمور، إلا أنّها تبقى خاضعة لعنصر المفاجأة، وهو عنصر طالما تميّزت به الكويت، خصوصاً مع اختلاط البرامج بالمصالح الانتخابية من جهة، وبوجود رابط بين السجالات السياسية وبين التطلّعات والطموحات الخاصة بهذا القطب أو ذاك في سلّم السلطة من جهة أخرى.

رسائل كثيرة في كلمة الشيخ مشعل

لكنّ أهمّ ما بين الحدثين كان كلمة نائب أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد في افتتاح مجلس الأمّة، اذ أطلقت مضامينها رسائل كثيرة في اتجاه النوّاب والحكومة. بدأ كلامه بدعوة النواب والوزراء إلى التوحّد والاعتصام بحبل الله، وأكّد أنّ الجميع يتطلّع “إلى ممارسات ديمقراطية راقية هادفة تساهم في تحقيق النهضة المنشودة لكويتنا الغالية”. وكرّر مراراً موضوع العودة إلى الشعب مصدر السلطات لتصحيح أيّ اعوجاج أو انحراف، وهو ردّ الفضل في وجود النواب إلى الكويتيين قائلاً: “وإنّي على يقين من أنّ الرسالة الواضحة، التي تضمّنتها الانتخابات التي حملتكم إلى مجلس الأمّة والتي أعلن فيها أهل الكويت الأوفياء رفضهم للتوتّر والتأزّم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ووضع مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار، تشكّل دعوة صادقة للعمل الجادّ للتصدّي للأخطار والتحدّيات وللإسراع في تحقيق الإصلاح الشامل في كلّ مناحي الحياة”.

على الرغم من أنّ خصوم الفهد استنكروا عودته إلى الحكومة إلّا أنّ ذلك لم يحُل دون الإصرار على توزيره وأدائه القسم أمام نائب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح

وعرض الشيخ مشعل سريعاً للمرحلة السابقة مستذكراً صفحة من الممارسات خلت من التعاون، ومطالباً بصفحة جديدة من العمل والإصلاح من أجل الكويت، رافضاً ما حصل سابقاً من صراعات وتصفية حسابات وأن تضلّ الرؤية وتختلط الأمور، إذ “لم يعد هناك مجال لهدر الجهد والوقت والإمكانات في صراعات وتصفية حسابات وافتعال أزمات باتت محلّ استياء وعقبة أمام الإنجازات”.

في كلام مباشر للنواب بأن لا يلجأوا إلى الشعبوية عبر اقتراحات كما حدث في المجلس السابق، مثل إسقاط القروض عن المواطنين وشراء الفوائد، قال إنّ كلّ مقترح يجب أن يراعي مبدأ العدالة، وأشار إلى أهميّة مراعاة المحافظة على ثروات الوطن وتنميتها في المقترحات البرلمانية، فضلاً عن إنجاز المتأخّر من التشريعات وتسريع الخطى لتحقيق آمال المواطنين.

لا شكّ في أنّ الكويت تدخل منعطفاً جديداً مع تشكيل الحكومة وافتتاح البرلمان والتطوّرات المصاحبة، فالمعارضة بعضها سيصبح حكومياً وبعضها سيصبح نصف معارض نصف حكومي، وحكوميون قد يصبحون معارضة. وقد تنشأ كتلة نيابية جديدة تأخذ خطّاً ثالثاً يفرض أجندته على السياق العامّ الذي يُراد فرضه.

التعاون.. عنوان المرحلة؟

الكلمات التي تُليت في افتتاح البرلمان، سواء من نائب الأمير أو رئيس السنّ أو رئيس الحكومة، ركّزت كلّها على ضرورة التعاون كمعبر وحيد للإنجاز والاستقرار في دولة كانت إلى فترة مضت تُصنّف منارة الخليج، وهي تسعى اليوم للّحاق بركب شقيقاتها. ولا شكّ في أنّ الكويت تحتاج قبل كلّ البرامج التي طُرحت إلى “أولوية الأولويات”، وهي الفصل بين أيّ خلاف نيابي حكومي وبين سير مشاريع التنمية. لا يجوز أن تبقى مشاريع حيوية رهينة الأدراج في انتظار التعاون بين السلطتين. هل تحصل “فتوى” دستورية تحقّق هذا الهدف؟ هذا هو التحدّي الأبرز للمشهد السياسي الكويتي المقبل، وهو ما عبّر عنه الشيخ مشعل الأحمد حين ذهب في كلمته مباشرة إلى الهدف، وهو الاقتصاد والتنمية، قائلاً: “من أولويات برنامج عمل الحكومة اتّخاذ خطوات جادّة نحو تهيئة بيئة الأعمال الخاصة بإنشاء المناطق الاقتصادية في شمال البلاد وغربها وجنوبها تضمّ كلّ مقوّمات الاستثمار المحفّز ضمن قطاعات تجارية وخدمية وصناعية وتخزينية وبيئية وفق معايير دولية وبشراكة عالمية مع منح القطاع الخاص الكويتي دوراً في تحقيق الأهداف التنموية للمشروع وفقاً لرؤية 2035”.

إقرأ أيضاً: الكويت: حكومة “مُحصّنة” بالنوّاب وأحمد الفهد؟

بين حدثَيْ افتتاح مجلس الأمّة وتشكيل الحكومة، كانت كلمة مشعل الأحمد خريطة طريق، فإمّا أن يختار النواب المضيّ في المشاحنات التقليدية وإمّا أن يختاروا السعي إلى المناطق الاقتصادية الضخمة التي ستعيد الكويت منارة الخليج.

مواضيع ذات صلة

عمليّة “البيجر” و”اللاسلكي”.. أميركا نصحت وإسرائيل نفّذت

ما يوصف بالخيال العلمي سينمائياً يصبح واقعياً في الكثير من المجالات، ومنها العسكري، فيتسبّب بآلامٍ ومآسٍ. هذا ما شهده لبنان المصدوم، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، باستخدام…

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…