الصين.. وعد الفلسطينيّين المؤجّل!

مدة القراءة 4 د

الصين هي أوّل دولة عظمى اعترفت بمنظّمة التحرير عند تأسيسها، وفتحت معسكراتها لتدريب القادة والكوادر، وصار مصطلح “دورة الصين” علامة فارقة يتباهى بها كلّ من حظي بالتدريب هناك، وأشهرهم الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد”. حتى إنّ أحد قادة الصف الثاني كان اسمه “أبو خالد الصين” نسبة للدولة العظمى التي تدرّب فيها وعمل مبعوثاً فلسطينياً لديها.

إذاً الصين، الدولة الصديقة، ويمكن القول الحليفة، محفورة بعمق في الذاكرة الثورية الفلسطينية، وكلّما كانت الدنيا تضيق على ياسر عرفات، وما أكثر ما كانت تضيق، كانت الصين تفتح أبوابها له، تستقبله بحفاوة، وتعامله كما تعامل رئيس دولة، وتصدر بيانات تبدو لقوّتها كما لو أنّها كُتبت بأيدٍ فلسطينية. كان ذلك بمنزلة رصيد سياسي ومعنوي ثمين في زمن التردّد السوفيتي في الاعتراف السياسي الكامل بمنظمة التحرير، واقتصار العلاقة مع الفلسطينيين على منظّمات التضامن والصداقة لا أكثر.

الصين وفلسطين والحظر المفروض

غير أنّ الصين في هذا الزمن ليست هي الصين التي كانت. ففي زمن انفتاحها على العالم، احتفظت بمواقفها ذات السمة المبدئية من الحقوق الفلسطينية وحتمية حلّ القضية الفلسطينية كأحد أسس الاستقرار في المنطقة والعالم. وفي الوقت ذاته، طوّرت علاقاتها بإسرائيل في مجالات عدّة بحيث بلغت مستوى أزعج الأميركيين الذين أوفدوا وزير خارجيّتهم مايك بومبيو في عهد دونالد ترامب، في مهمّة لفرملة اندفاعة العلاقات.

الصين هي أوّل دولة عظمى اعترفت بمنظّمة التحرير عند تأسيسها، وفتحت معسكراتها لتدريب القادة والكوادر، وصار مصطلح “دورة الصين” علامة فارقة يتباهى بها كلّ من حظي بالتدريب هناك، وأشهرهم الشهيد خليل الوزير “أبو جهاد”

بعد ما نُسب إلى الصين من نجاح في بلورة الاتفاق السعودي – الإيراني واستعدادها للعمل وسيطاً في النزاعات الحالية، من الحرب الروسية الأوكرانية، حتى الصراع الداخلي في السودان، ظهر تقدير بأنّ التوغّل الصيني في القضايا الدولية والإقليمية وحتى الداخلية، ربّما يطال الشرق الأوسط، وخصوصاً قضيّته “الفلسطينية” التي تبدو مزمنة، وأنّ الاهتمام السياسي بالمسار الفلسطيني- الإسرائيلي تراجع إلى حدود دنيا على نحو جعل النطق نفسه بكلمة “تسوية” طرقاً لباب المستحيل.

امتلكت الصين مقوّمات موضوعية للتدخّل الفعّال في الملفّ السعودي الإيراني، وتمتلك مقوّمات ذاتية وتحالفيّة تؤهّلها لأن تطرح نفسها صاحبة مبادرة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنّ الأمر في الشرق الأوسط، وتحديداً على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، مختلف كثيراً، إذ غير مسموح للصين أن تتدخّل بأكثر من إعلان مواقف وتقديم اقتراحات من جانب واحد. فالأبواب مغلقة تماماً أمامها، وذلك بفعل الاحتكار الأميركي والسياسة الإسرائيلية الثابتة التي ترى أيّ تدخّل في المسار الفلسطيني، حتى من قبل أوروبا، أمراً يربك خططها واستفرادها بالفلسطينيين. وحتى الأميركيون أصحاب الاحتكار لا يُطاعون دائماً حين يأمرون!

غير أنّ الصين تبقى صاحبة ثقل دولة عظمى، وإن مُنعت من التدخّل في التسوية المنشودة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنّها تجسّد رصيداً يستفيد منه الفلسطينيون في كفاحهم الصعب للبقاء في صلب المعادلات الإقليمية والدولية، التي تعمل إسرائيل ليل نهار على تجريدهم منها، وجعل قضيّتهم عنواناً رمزيّاً لا مشروع حلّ سياسي.

ارتخاء القبضة الأميركية – الإسرائيلية

في معركة هذا أفقها، ليست الصين وحدها من يلزم للدعم وضمان البقاء في المعادلات، بل وروسيا أيضاً وأوروبا وبعض أميركا وحتى بعض إسرائيل. وإذا كان بوسع الدولة العبرية وضع فيتو على مشاركة الآخرين في الجهود التي يمكن أن تمارَس من أجل تسوية محتملة، فإنّ القبضة الإسرائيلية القديمة والقويّة والمتحكّمة على الشرق الأوسط تحديداً آخذة بالارتخاء كالقبضة الأميركية.

إقرأ أيضاً: هستيريا إسرائيلية: واشنطن وطهران تتفاهمان

لن يتمّ ذلك بصورة ميكانيكية وفي زمن قصير، إلا أنّه سيتمّ أخيراً، وإلى أن تُرى مقدّمات أكثر وضوحاً ممّا يُرى الآن، سيكون على الفلسطينيين أن ينتبهوا أكثر لوضعهم الذاتي الذي سيكون هو صاحب القول الفصل في فتح ملفّات قضيّتهم على محاولات جديدة للحلّ، وحين لا يكون الرقم الفلسطيني حاضراً بقوّة على أرضه، وبين شعبه وفي منطقته، فما أسهل أن يتمّ تجاوزه نحو اهتمامات أخرى.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…