تروي هذه السلسلة من الحلقات سيرة تحوُّلات ما كان يسمّى “ساحل النصارى” في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وسُمّي تسمية إدارية محايدة، وهي ساحل المتن الجنوبي، بعد نشوء الدولة اللبنانية الحديثة، قبل أن يصير ضاحية بيروت الجنوبية. وبعد تسميته “النوّارة” أثناء “انتفاضة” 6 شباط 1984، سُمّي الضاحية، بلا صفة ولا إضافة، أو ضاحية الحزب ومعقله ومربّعه الأمني وبيئته اللصيقة أو الحاضنة.
تصف حلقات هذه الرواية العمران والحياة والعلاقات الاجتماعية في قرى ساحل المتن الجنوبي (الشيّاح، الغبيري، حارة حريك، المريجة، وبرج البراجنة) قبل اندثار مجتمعها الزراعي، أو الريفي البلدي والعائلي المستقرّ، وتحوُّلها إلى أحياء مكتظّة بمهاجرين من أرياف الجنوب والبقاع، وتحوُّل تلك القرى إلى مجتمع ضواحٍ لبيروت منذ خمسينيات القرن العشرين وفي أزمنة الحروب الأهلية (1975-1990) وبعدها.
تتألّف المادّة الرئيسية لهذه الحلقات من عشرات شهادات شفهية رواها أشخاص من سكّان تلك القرى الساحلية ومن أحياء ضاحية بيروت الجنوبية. وقد أنشأتُ من تلك الشهادات وسواها من المصادر رواية سوسيولوجية تسجيليّة عن تحوُّلات المجتمع وأنماط العمران والعيش في ساحل المتن الجنوبي.
هذه حلقة سادسة عن طفرة كتائبيّة في حارة حريك بعد حوادث 1958.. وانتشار السلاح الفلسطيني وثأر الفدائيّين لقتلاهم في الكحّالة من أهل الحارة شتاء 1969.
يعلّل عون مقدرة حزب الكتائب على استمالة أهالي الحارة باستغلاله ذيول حوادث 1958 وما خلّفته من خوف في نفوس المسيحيين
الراوي الجوّال والبيوت الخربة
كنّا نجتاز في السيّارة شارعاً تحت جسر يعلو أوتوستراد السيّد هادي نصرالله (نجل السيّد حسن نصرالله) في حارة حريك اليوم، لمّا توقّف الراوي ميخائيل عون فجأة عن استعادة ذكريات طفولته وشبابه البعيدَين فيها، أيّام كانت بلدة ريفية ساحلية. لقد أبصر على جدار تحت الجسر في قلب ما كان سقي حارة حريك الزراعي القديم، صورةً عملاقة لِمن روت زوجته في منزلهما بالمنصورية أنّه استولى على دارة أهلها من آل التحومي. وقال الراوي إنّ صاحب الصورة أحد أبرز الضالعين في ترويع أهالي حارة حريك المسيحيين، وحملهم على الفرار من بيوتهم وبلدتهم في ثمانينيات القرن العشرين، والاستيلاء على أملاكهم.
وفيما هو يحدّق في الصورة العملاقة، أطلق ميخائيل عون واحدة من عباراته التهكّمية: أنظر، أنظر كيف يتطاير شرر الغضب من عينَي أبي علي الد… الذي لم يكتفِ بما فعله، بل نصب هنا صورته وكتب في أسفلها: الحمد لله، نحن دائماً على حقّ.
بعدما تجاوزنا الجسر، رأى الراوي الجوّال دارة قديمة مهجورة تعلو جدرانها المتصدّعة بقايا سقف عالٍ من قرميد خرب، فقال: هذا بيت الدكتور أنطوان حنين الذي شُيّد في أربعينيات القرن العشرين على تخوم السقي، وحيث نشأ في التسعينيات حي الأبيض ببناياته السكنية الحديثة العالية والكثيرة على بساتين آل الأبيض.
لم تكن قد مضت دقائق قليلة على تجاوزنا دارة الدكتور حنين الخربة، حين استوقفني الراوي الجوّال قائلاً: وهذه دارة آل المعلّم، وهي من البيوت القديمة المستقلّة التي شُيّدت في ثلاثينيات القرن الماضي، على طرف بستانهم العائلي في السقي. بدت الدارة خربة كسابقتها. وقال عون إنّ آل المعلّم كانوا يملكون مساحات واسعة من بساتين السقي. وفي مطلع ستّينيات القرن العشرين بدأت تُبنى على أملاكهم التي باعوها بنايات حديثة سكنت شققها أسر من فئات متوسطة جديدة وفدت من خارج المنطقة للإقامة فيها. وبعدما تكاثرت البنايات وساكنوها المختلطون طائفياً، الموظّفون والعاملون في مهن حرّة، منهم أطبّاء ومهندسون، نشأت منطقة سكنيّة جديدة لهذه الفئة من الساكنين، عُرفت باسم عائلة ملّاك البساتين (المعلّم). ولمّا أُقيمت على طرف المنطقة الجديدة محطة وقود سُمّيت “محطّة المعلّم”.
من حوادث بدايات الحرب سنة 1975 في هذه المنطقة تذكّر الراوي إقدام مسلّحين بعلبكيّين ينتمون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، على خطف ابن صاحب البيت القديم الخرب اليوم، جوزف المعلّم، وذلك ثأراً منهم لعملية خطف حدثت في منطقة مسيحية بعيدة، وكان ضحيّتها قريب أحد من أقدموا على خطف ابن جوزف المعلّم الذي عُثر على جثّته، بعد أيّام، في قناة مياه خربة من أقنية ريّ البساتين القديمة.
أحياء.. بيوت عائليّة منفردة.. وبنايات للفئات الوسطى
نشأت بنايات السكن الجديدة، أي البنايات الجاهزة الكثيرة الشقق والسكّان، على بساتين باعها ملّاكها في سقي حارة حريك. سُمّيت أحياء، أو دوائر السكن في البنايات الجديدة الجاهزة، بأسماء عائلات قدامى ملّاك الأرض التي شُيّدت عليها البنايات.
بعض من تلك العائلات كانت قد شيّدت على أطراف بساتينها بيوتاً عائلية مستقلّة على الطراز المعماري الشائع بين الأثرياء في حقبة ما بين الحربين العالميّتين. وهذا بعدما أصابت هذه العائلات بعض الثراء الذي مكّنها، إلى تشييد البيوت، من أن يحصِّل أبناؤها تعليماً عالياً محدثاً أعدّهم لمهن حرّة حديثة.
نشأت بنايات السكن الجديدة، أي البنايات الجاهزة الكثيرة الشقق والسكّان، على بساتين باعها ملّاكها في سقي حارة حريك. سُمّيت أحياء، أو دوائر السكن في البنايات الجديدة الجاهزة، بأسماء عائلات قدامى ملّاك الأرض التي شُيّدت عليها البنايات
هذه حال أبناء شربل تحومي، والد زوجة الراوي، والطبيب أنطوان حنين، ووالد المخطوف القتيل جوزف المعلّم. لكنّ هذه البيوت أو الدور المستقلّة راحت تُهمَل تباعاً بعدما انحدرت أحوال بعض ورثتها، أو هجرها بعضهم الآخر للإقامة في مناطق بعيدة من حارة حريك.
لكنّ الأرجح أنّ إهمالها وخرابها من علامات تحوُّل حارة حريك من “بلدة ريفية متمدّنة” في عمرانها ونمط عيش سكّانها، إلى ضاحية حملت بعض دوائرها السكنية الجديدة أسماء عائلات تلك البيوت المهملة الخربة، كالمعلّم وصفير.
أمّا في غرب نواة الحارة العمرانية، فشُيّدت في الخمسينيات والستّينيات بيوت حديثة ومستقلّة أشبه بفيلات، وبنايات فخمة من طبقتين أو ثلاث على الأكثر، لسكن فئات متوسّطة وميسورة، مدفوعة برغبتها في الإقامة خارج المدينة، أي في “البلدة الريفية المتمدّنة” التي كانت حارة حريك تمثّلها، متأهّبة للالتحاق ببدايات عمران ضاحية بيروت الجنوبية.
حين يتذكّر ميخائيل عون تلك البيوت المستقلّة، يسمّيها تارة “حيّ الأثرياء” وطوراً “حيّ التجّار”. والأرجح أنّه جزافاً تُطلق عليها صفة أو مفهوم الحيّ الذي لا يناسب طبيعتها السكنيّة، إلا في لغة أهالي حارة حريك البلديّة ومخيّلتهم، اللتين لا تجدان سوى كلمة الحيّ تسمية لأيّ وحدة سكنية. فبلدتهم كانت كثرة منها أحياء عائلية. أمّا كلمتا الأثرياء والتجّار فربّما تؤدّيان معنى واحداً يميّز به الأهالي بين طبيعة سكنهم وعلاقاتهم البلديّة، الأهليّة والمحلّية، وبين طبيعة السكن في تلك البيوت المستقلّة المنفردة، والمغلقة على حياة ساكنيها، خلافاً لسيولة حياتهم واتّصالها بحياة جيرانهم في الحيّ البلدي.
لم يكن مفهوم الحيّ ينطبق على تلك البيوت المستقلّة التي لا تقوم بين ساكنيها علاقات تعارف وتجاور وتبادل محلّية. فهم جاؤوا للسكن في هذه الناحية وبيوتها المستقلّة، عن سابق إرادة وتصوّر وتصميم للابتعاد عن الإقامة في أحياء أهليّة، لا تربطهم بساكنيها روابط الجيرة ولا القرابة التي تقوم بين أهل الأحياء الحارات. فالأماكن التي نشأت فيها هذه البيوت تشير إلى ذلك على نحو جليّ واضح. فهي شُيّدت، حسب تحديد ميخائيل عون، على مساحات من الأراضي التي كانت تمتدّ شبه خالية غرب حارة حريك: خلف كنيستها في اتجاه مدرسة القتال التابعة للجيش اللبناني، وبين أجمات أشجار الصنوبر، قريباً من “المرمح” (ملعب الفروسية ورماية الرماح، وإلى جانبه ملعب الغولف) حيث شُيّدت في مطالع الستّينيات مدرسة “المروج” الخاصة الراقية، والقريبة من طريق المطار (الجديدة آنذاك، والقديمة اليوم) التي شُقّت في مطلع الستّينيات لتصل من بيروت إلى مطار بيروت الدولي الجديد بين خلدة والشويفات.
متباعدة، “جميلة وأنيقة، ومن طبقة أو اثنتين فقط، وعلى طراز الفيلات الحديثة”، وسط أشجار الصنوبر، شُيّدت تلك البيوت، حسب وصف عون. وعلى تخوم المنطقة إيّاها، الخالية تقريباً، كانت قد شُيّدت قصور ثلاثة لكلّ من رئيسَيْ الوزراء حسين العويني، رياض الصلح، ورئيس مجلس النواب صبري حمادة. وشاعت تسمية كلّ منها باسم صاحبه.
لكنّ بؤر السكن الأحيائي والأهلي في الغبيري، والعمران العشوائي المندفع إلى خارج مخيّم شاتيلا الفلسطيني، في الشمال الغربي من حارة حريك، ومن مخيّم برج البراجنة في جنوبها الغربي، سرعان ما أوقفت نموّ هذا النوع من السكن المستقلّ، قبل أن تحاصره هذه البؤر ويجهضه تماماً نشوء مجمّع كبير للعمران العشوائي في ما سُمّي “حرش القتيل” الذي اتّصل في زمن الحرب بعشوائيات الرمل العالي على طريق المطار وتخوم حارة حريك الجنوبية الغربية.
يعلّل عون مقدرة حزب الكتائب على استمالة أهالي الحارة باستغلاله ذيول حوادث 1958 وما خلّفته من خوف في نفوس المسيحيين
الشمعونيّة والكتائب.. والسلاح الفلسطينيّ
بعد جولتنا في السيّارة في شوارع ما كان سقي حارة حريك، متعباً جلس الراوي ميخائيل عون في مكتب ابنه طبيب مستوصف بلديّتها المجّاني. متهكّماً على نفسه وتبدّل الظروف والأحوال وعلى أفعال البشر، روى أنّه كان في عداد شبّان شيوعيين قاموا في حارة حريك بحملة جمع تبرّعات وإعانات للّاجئين الفلسطينيين غداة نزولهم في مخيّم برج البراجنة مطلع الخمسينيات. وآنذاك راح فلسطينيون كثيرون من لاجئي مخيّم برج البراجنة يتنقّلون بين بساتين حارة حريك، حاملين على أكتافهم سلالم، طلباً لتشغيلهم أجراء مياومين في مواسم قطاف البرتقال والليمون الحامض وسوى ذلك من أعمال زراعية، ومنهم من استأجر بيوتاً على أطراف الحارة وسكن فيها خارج المخيّم. وسنة 1954 كتب عون تحقيقاً صحافياً في جريدة “الشرق” يصف فيه معاناة الفلسطينيين في المخيّمات.
أمّا أوّل “مكافأة فلسطينية نلتها على أفعالي تلك”، قال، “فكانت قيام مسلّحين من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بخطفي، فيما أنا أهمّ بدخول البناية التي فيها بيتي”. حدث ذلك في بدايات الحرب سنة 1975، بعدما “كنت في الستّينيات أُحيي في مخيّم البرج ندواتٍ أشرح فيها أفكار ماركس عن رأس المال، وأفكار لينين عن الدولة والثورة”. وكان باعث المسلّحين على “خطفي اتّهامي بأنّني كتائبيّ عميل بسبب أنّني مسيحيّ”.
لكنّ خوف أهالي حارة حريك المسيحيين من المسلمين اللبنانيين سبق، بشهادة عون، خوفهم من الفلسطينيين وسلاحهم بسنوات كثيرة قبل بداية الحرب الأهلية. حصل ذلك أثناء حوادث 1958 الأهلية الطائفية الدامية وبعدها. وما أخاف المسيحيين آنذاك هو ولاء فئات إسلامية لبنانية واسعة للعروبة الناصرية ومناصرتها الوحدة العربية الشاملة، بعد قيام نواتها بين مصر وسوريا باسم “الجمهورية العربية المتحدة” التي رأسها الزعيم والرئيس المصري جمال عبد الناصر. هذا فيما انضمّ الرئيس اللبناني كميل شمعون إلى “حلف بغداد” الأميركي، المناوئ للاتحاد السوفيتي وللناصرية ووحدويّتها في إطار الحرب الباردة.
بعدما وضعت التسوية بين قائد الجيش والرئيس اللبناني الجديد آنذاك، فؤاد شهاب، وبين الرئيس المصري جمال عبد الناصر، خاتمة لحوادث 1958، قام العهد الشهابي بحصار الزعامة الشمعونية وتهميشها في الحكم والانتخابات النيابية، متّخذاً حزب الكتائب اللبنانية قاعدة مسيحية لحكمه. وهذا ما أدّى، بشهادة عون، إلى طفرة كتائبية في حارة حريك ومناطق مسيحية كثيرة، بعدما كان ولاء المسيحيين الأهلي السياسي والانتخابي الغالب في حارة حريك وسواها من بلدات ساحل المتن الجنوبي، شمعونياً (نسبة إلى زعامة كميل شمعون) قبل حوادث 1958 وفي أثنائها. وشاهدُ عون على انكفاء الشمعونيّة والطفرة الكتائبية في حارة حريك، إقدامُ حزب الكتائب على فتح مقرّ له فيها مطلع الستّينيّات. وفي المقابل تنامى نشاط الحزب الشيوعي اللبناني وحضوره في الحارة التي لم يكن للحزب السوري القومي فيها سوى حضور ضئيل.
يعلّل عون مقدرة حزب الكتائب على استمالة أهالي الحارة باستغلاله ذيول حوادث 1958 وما خلّفته من خوف في نفوس المسيحيين. وراح الكتائبيون، بحسبه، “يبثّون في نفوس المسيحيين حقداً على الشيوعيين، وشملوا به الفلسطينيين”. وقرينته على هذا أنّه بعد تنظيمه لقاء جمع مسؤولي منظمات فلسطينية في مخيّم برج البراجنة مع أهالي حارة حريك “لتبديد خوفهم من الفلسطينيين، وليطمئنهم الفلسطينيون، لامه كتائبيّو الحارة قائلين: كيف ولماذا وبأيّ حقّ تأتي بفلسطينيين إلى الحارة وتجمعهم بأهلها؟!
حادثة الكحّالة والثأر من حارة حريك
الأرجح أنّ ذاكرة الراوي ميخائيل عون قد خانته في استعادة داعيه إلى تنظيم ذلك الاجتماع وتاريخه. ولربّما يكون دعا إليه في سنة 1969، لتلافي ما كان يسمّى آنذاك “التجاوزات الفلسطينية”. وكان يكفي أن يبصر مسيحي من الحارة فلسطينياً مسلّحاً من منظّمات الفدائيين المسلّحة في مخيّم برج البراجنة القريب، حتى يشتعل في صدره الخوف ممزوجاً بالغضب والحقد، حسب شهادات كثيرة. أمّا ما كان يحصل من اجتماعات ولقاءات (ومنها ما رواه عون عن ذاك اللقاء) وما كان يصدر عنها من كلمات وبيانات عن “وقف التجاوزات” و”رأب الصدع بين اللبنانيين والإخوة الفلسطينيين”، فلم تكن سوى غيض من فيض القاموس الشائع في السياسات العربية للتستّر على دبيب النزاعات والشقاقات الأهلية التي تقوّض سلطان الدولة والقانون الضعيف أصلاً وفصلاً، وتلحق الدولة والقانون بالعصبيات الأهلية.
إقرأ أيضاً: مسيحيّو حارة حريك.. غرباء المتن وكسروان
في شتاء 1969، كان موكب فلسطيني مسلّح ينقل من بيروت جثمان “فدائي” فلسطيني قتل في جنوب لبنان، لدفنه في دمشق حيث يقيم أهله. وحين مرّ الموكب في بلدة الكحّالة المسيحية على طريق بيروت – دمشق، كمن له مسلّحون مسيحيون وأطلقوا النار عليه، فسقط من الموكب الفلسطيني المسلّح عدد من القتلى، على ما روى فيصل جلّول، أحد أبناء برج البراجنة، في بحث ميداني عنوانه “نقد السلاح الفلسطيني – برج البراجنة أهلاً ثورة ومخيّماً” (منشورات “دار الجديد”، 1985، بيروت). وثأراً لحادثة الكحّالة تلك، قام مسلّحون من منظمات فلسطينية في مخيّم برج البراجنة باقتحام حارة حريك ليلاً وإطلاق النار على بيوت فيها، فسقط 6 قتلى و18 جريحاً من أهلها، من غير أن يُصاب أيّ من المهاجمين الذين خلّفوا وراءهم، على ما سجّل جلّول في بحثه، شعارات كتبوها على جدران منازل حارة حريك، منها: “50 شابّاً سقطوا في الكحّالة برصاص العمالة والخيانة”، “جريمة الكحّالة لن تمرّ من دون عقاب”، “أنتم البادئون في الكحّالة ونحن نثأر لشهدائنا”.
أمّا ميخائيل عون وسواه من أهالي حارة حريك، فرووا أنّ الهجوم الثأري الفلسطيني على بلدتهم أسفر أيضاً عن نزوح بعض أهاليها المسيحيين عنها، وتركهم بيوتهم فيها على نحو تدريجي، للإقامة في أحياء الضواحي المسيحية الصافية والمتجانسة طائفياً، مثل بلدة الحدث القريبة من الحارة. وفي الحدث تكاثر انتماء النازحين من حارة حريك إلى حزب الكتائب اللبنانية، طلباً للأمن والحماية والثأر. وكانت سبقت موجة النزوح هذه موجات أخرى نتيجة خوف أهالي الحارة من تمدّد السلاح الفلسطيني خارج مخيّم برج البراجنة.
في مناطق كسروان التي لجأ إليها النازحون، اشترى بعضهم بيوتاً أخذوا يصطافون فيها، ويلجأون إليها كلّما تزايد اضطراب الأمن وتوسّع نفود السلاح الفلسطيني “الملبنن” في جوار بلدتهم التي اشتدّ فيها خوفهم على وجودهم المادّي ومصيرهم.