الحشد العراقيّ وأخواته في ميزان المصلحة الإيرانيّة

مدة القراءة 6 د

في الذكرى التاسعة لتأسيس الحشد الشعبي في العراق، وبضغوط أميركية واضحة مارستها السفيرة الأميركية في العراق رومانسكي، أُلغي الاستعراض العسكري السنوي الذي تقيمه مديرية الحشد بهذه المناسبة. وقد يشكّل الإلغاء ترجمة لتفاهمات جرت خلف الكواليس بين واشنطن وطهران للحفاظ على الأجواء الإيجابية القائمة بينهما ووجدت ترجمتها في تمرير الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني الذي يمثّل القوى والأحزاب الموالية لإيران والمنضوية تحت مسمّى “الإطار التنسيقي” والمدعوم منها.

الجهاد الكفائي
مقولة “ربّ ضارّة نافعة” قد تكون لسان حال قادة الأحزاب والفصائل المسلّحة، وقد تكون أيضاً التعبير الأدقّ عمّا أدّت إليه الفتوى التي أصدرها المرجع الأعلى الشيعي في مدينة النجف السيّد علي السيستاني بتاريخ 13 حزيران عام 2014، والتي دعا فيها إلى “الجهاد الكفائي” لمواجهة تنظيم داعش الذي استطاع احتلال ثلث مساحة العراق، أو ما يُصطلح على تسميته المحافظات الغربية، ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد واقترب من محافظتَي النجف وكربلاء اللتين تضمّان مرقدَيْ الإمامين علي بن أبي طالب والحسين بن علي.
على الرغم من أنّ نصّ الفتوى الصادرة عن مرجعية السيستاني جاءت استشعاراً لحجم الخطر الذي يشكّله تنظيم داعش على العراق، وأنّ “طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه، وهذا واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي”، لم تُسقط المرجعية من حساباتها إمكانية أن تتحوّل هذه الفتوى إلى وسيلة قد يتمّ استغلالها من بعض الأطراف لإضفاء الشرعية على الأنشطة التي يقومون بها من خارج مؤسّسات الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنيّة، ولذلك اشترطت “على المواطنين الذين يتمكّنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدّساتهم التطوّع والانخراط في القوات الأمنيّة لتحقيق هذا الغرض المقدّس”، أي أنّ الشرط كان الانخراط في القوات الأمنية للدولة العراقية.

ينظر النظام الإيراني إلى الساحة العراقية باعتبارها الجسر الواصل بين طرفَي المحور الذي سعى النظام إلى إقامته في الإقليم ليصل إلى لبنان وفلسطين مروراً بسوريا

بالتزامن مع هذه الفتوى، حاولت جميع القوى السياسية والحزبية أن تحشد مناصريها ومؤيّديها داخل مجموعات تابعة لها وتسليحها تحت شعار “الحشد” من أجل محاربة الإرهاب و”داعش”، الأمر الذي سمح للعديد منهم الادّعاء أنّهم “المؤسّسون” للمجاميع الأولى للحشد، كرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي شهدت حكومته انهيار الجيش وسيطرة “داعش”، وأيضاً عمّار الحكيم الذي كان يرأس حينها المجلس الأعلى قبل أن ينفصل عنه ويؤسّس تيّار الحكمة.
على المقلب الآخر، كانت جماعات حزبية وميليشيات مسلّحة ترفع شعار مقاومة الاحتلال الأميركي تحمل السلاح وتستخدمه من أجل فرض أجندتها السياسية والمحاصصاتيّة، مستفيدة من دورها في محاربة “القاعدة” والجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى انغماسها وتورّطها في الحرب الطائفية، وقد وجدت الفرصة لإضفاء الشرعيّة على وجودها وتشكيلاتها من خلال الانضمام إلى فصائل “الحشد” لمقاتلة “داعش”.

عراقيون بقيادة سليماني
على الرغم من أنّ هذه الفصائل والميليشيات جميع عناصرها هم من العراقيين، كانت خاضعة لإشراف مباشر من قائد قوّة القدس في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية الجنرال قاسم سليماني، الذي أشرف بشكل مباشر على تشكيلها ورسم الأدوار المطلوبة منها، سواء ضمن استراتيجية النظام الإيراني لإرباك الوجود الأميركي في العراق، أو ضمن رؤيته لفرض إرادته وإرادة الجماعات الموالية له ولإيران على العملية السياسية والأمنيّة في العراق.
ينظر النظام الإيراني إلى الساحة العراقية باعتبارها الجسر الواصل بين طرفَي المحور الذي سعى النظام إلى إقامته في الإقليم ليصل إلى لبنان وفلسطين مروراً بسوريا. وبسبب ذريعة الحرب على “داعش” وضرورات تنويع القوات المقاتلة وإشراك كلّ الفئات في هذه المعركة، ظهرت إلى الواجهة فصائل جديدة مثل كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي وكتائب الإمام الحسين وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي الذي قام بالانشقاق الأبرز والأكبر في التيار الصدري وجيش الإمام المهدي الذي شكّله مقتدى الصدر بعد الاحتلال الأميركي للعراق.

الحشد العراقي: قصّة إيرانية مترجمة
قصّة ولادة الحشد العراقي ليست سوى ترجمة إلى العربية لقصّة ولادة الحرس الثوري الإيراني.
بعد انتصار الثورة الإيرانية، ظهرت إلى الواجهة الجماعات والمجموعات المسلّحة التي كانت تقاتل ضدّ أجهزة الشاه، وكان أبرزها شباب منظمة مناضلي الثورة الإسلامية واللجان الثورية في المدن والقرى، التي انتظمت لاحقاً بعد قرار المؤسّس الإمام الخميني ضمن تشكيلين أساسيَّين، هما حرس الثورة الإسلامية الذي حدّد لنفسه مهمّة الدفاع عن الثورة في مواجهة أعداء الداخل والخارج والعمل على رعاية كلّ المستضعَفين في العالم، بما فيهم الحركات الثورية، ولجان الثورة الإسلامية التي كانت تعمل على صعيد الداخل بما يشبه مهمّة جهاز الأمن الداخلي والشرطة.

بعد إقرار البرلمان الإيراني قانون تحويل مؤسّسة الحرس إلى مؤسّسة رسمية عسكرية إلى جانب الجيش النظامي، جرى دمج لعناصر وقوات اللجان الثورية في الأجهزة الأمنيّة التابعة لوزارة الداخلية، وبالتالي باتت جزءاً من هذه المؤسّسة وانتهى ما كان يُعرف بمكاتب الأحياء والمناطق.
في المقابل تحوّل الحرس إلى القوة العسكرية التي يعتمد عليها النظام الإيراني في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وتولّى المهمّة الأساس في الحرب العراقية الإيرانية، وخاصة أنّ قيادة النظام واجهت أزمة ثقة بمؤسّسة الجيش الرسمي لجهة عقيدته القتالية والعقائدية، الأمر الذي عزّز وضخّم دور ومهمّة الحرس الذي تحوّل إلى جيش رديف يملك كلّ الإمكانيّات والمعدّات والأسلحة الاستراتيجية في حين كان الجيش يحصل على الفتات منها.
لحلّ إشكالية الازدواجية في القرار العسكري، لجأ المرشد الأعلى للنظام بصفته القائد الأعلى للقوّات المسلّحة بعد انتهاء الحرب مع العراق وانتهاء مهمّة مجلس الدفاع الأعلى إلى تشكيل قيادة مشتركة لهذه القوّات، التي يضع على رأسها حالياً أحد ضباط الحرس بعدما أسند هذه المهمّة في السابق إلى ضابط الدمج في قوات التعبئة حسن فيروزآبادي، بحيث يضمن له هذا الإجراء الإمساك بالقرار والإشراف على التفاصيل باعتبار الحرس مؤسّسة عقائدية تمثّل الحارس الوفيّ للوليّ الفقيه وقائد الثورة والمُدافع الأوّل عن النظام.

إقرأ أيضاً: السوداني.. نحو الواقعيّة بانتظار الفرصة المناسبة

نقل التجربة الى سوريا واليمن
الترجمة العراقية لتجربة الحرس الثوري جرى العمل على إنتاج نسخة جديدة عنها في اليمن وسوريا. وهنا يمكن التوقّف عند تجربة قوات الدفاع المدني التي تشكّلت في سوريا بإشراف وتدريب حرس الثورة وسليماني تحت عنوان تثبيت النظام في دمشق في مواجهة فصائل المعارضة وميليشياتها، وأيضاً تجربة جماعة الحوثي في اليمن التي انقلبت على كلّ التفاهمات السياسية وفرضت سيطرتها على السلطة في اليمن، ثمّ امتداداً إلى فلسطين والعلاقة الملتبسة التي تربط طهران مع حركة حماس، بالإضافة إلى العلاقة العضوية بينها وبين حركة الجهاد الإسلامي.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…