القرار الأوروبيّ: حكاية دجل لبنانيّ سوريّ مشترك

2023-07-17

القرار الأوروبيّ: حكاية دجل لبنانيّ سوريّ مشترك


لا يمكن القبول إطلاقاً بما نصّ عليه البند 13 من قرار البرلمان الأوروبي الذي صُدّق في 12 تموز الجاري، الذي يتعلّق بموضوع النازحين (اللاجئين) السوريين في لبنان.

وبالتالي لا يمكن السكوت عنه قطعاً.

لكنّ الذهاب نحو ذلك، بشكل متزامن مع القبول بما هو أسوأ من هذا النصّ، ومع السكوت عمّا هو أخطر منه في الواقع، يصير نوعاً من الدجل السياسي والانتهازية الخبيثة في مقاربة القضايا الوطنية المصيرية.

كيف؟

هذه هي لائحة المقارنة، أو مضبطة الاتّهام:

1- صحيح أنّ البيان الصادر عن البرلمان الأوروبي هو شكلاً “قرار”. لكنّه غير ملزِم لأيّ طرف حتى في الاتحاد الأوروبي نفسه. فكيف به في لبنان بلد مأساة النزوح، أو في سوريا بلد سبب المأساة ومسبّبيها.

في المقابل، كلّ كلام صادر عن سلطات النظام السوري، ومعه نصف النظام اللبناني المشترك، هو بمنزلة قرار ملزم حتماً للبنان، وملزم قسراً لكلّ سوري مقيم في سوريا أو في لبنان. وهذه المعادلة أساسية لقياس صدق المندّدين تجاه كلّ مسؤول عن كارثة النزوح.

2- يتألّف القرار الأوروبي المشكوّ منه من 15 سنداً و20 فقرة و17 بنداً. لم يؤتَ على ذكر أيّ منها، باستثناء البند 13 حصراً دون سواه. وهو البند المتعلّق بالموقف من “اللاجئين السوريين”. فهل المقصود من هذه الانتقائية قبول المندّدين أنفسهم بمندرجات القرار الأخرى كلّها؟ أم العكس، المقصود من هذه الحملة، من قبل بعض المزايدين تحديداً، حرف الأنظار عن باقي بنود القرار، وطمس ما تضمّنه، وجعل قضية إنسانية مثل قضية النازحين ستاراً من القنابل الدخانية للتعمية على موقف أوروبي شامل ومتقدّم من مجمل نواحي الأزمات اللبنانية؟

3- مثلاً، من حصروا من محور الممانعة كلامهم بالبند “السوري” حامل الرقم 13، هل يقولون بذلك إنّهم موافقون على التأكيد أنّ “الحزب وأمل وحلفاءهما لجأوا إلى أساليب غير دستورية لعرقلة انتخاب رئيس”؟

يبدو الردح اللبناني ضدّ القرار الأوروبي مهزلة سخيفة لكن مأساوية لأنّها تستخفّ بعقول اللبنانيين وتستهين بحياة النازحين السوريين وكراماتهم

في هذا السياق لا بدّ من طرح السؤال التالي: من حذف تسمية التيار الوطني الحر، كما وردت في نص الاقتراح الأوّل للقرار، واستبدلها في نص القرار النهائي بعبارة “حلفاء” الثنائي؟ سؤال يستحقّ الطرح والإجابة عنه في زمن استعادة الحوار بين باسيل وصفا.

هل يسلّم مندّدو المحور مثلاً بإدانة “نبيه برّي لرفضه تنظيم دورات اقتراع مفتوحة” لحلّ أزمة الشغور الرئاسي؟ أو بمسؤولية “الحزب وحلفائه” عن عرقلة التحقيق في انفجار المرفأ؟ أو بتحميل “القوى الحزبية المسلّحة غير الشرعية” مسؤولية الكوارث اللبنانية، والمطالبة الصريحة والمباشرة “بنزع سلاحها”؟ أكثر من 4 آلاف كلمة، كلّها من هذا الصنف والوزن، لم يزعجهم منها غير 250 كلمة عن النازحين – “اللاجئين”؟

4- وصولاً إلى البند 13 الشهير، وهو الذي سالت من أجله محابر المحور كافّة:

يقول البند المذكور إنّ البرلمان الأوروبي يعتبر أنّ “الظروف لم تتوافر لعودة إرادية تضمن الكرامة للّاجئين السوريين إلى مناطق النزاع في سوريا”.

حسناً، تفضّلوا اشرحوا وناقشوا: هل وحدهم الأوروبيون من يقول بأنّ ظروف عودة كهذه لم تتوافر بعد؟

هل قالت السلطات اللبنانية الواقعة تحت كارثة النزوح السوري إنّه يمكن لهؤلاء العودة إلى مناطق النزاع هناك؟

أكثر من ذلك، حين استقبل الرئيس السوري بشار الأسد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في 4 تموز الجاري، أعلن شخصياً أنّ “العودة الآمنة للّاجئين السوريين إلى قراهم وبلداتهم أولوية بالنسبة للدولة السورية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلّبات الإعمار والتأهيل بكافّة أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكّن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية”، وذلك بحسب السلطات السورية الرسمية.

هذا الكلام يعني أنّ رئيس دولة هؤلاء الضحايا، المؤتمن على حياتهم واستقرارهم ورفاههم وصمودهم في وطن الصمود والتصدّي، هو نفسه من يقول للعالم إنّ ظروف عودتهم غير متوافرة. لا بل هو من يشرط عودتهم بسلسلة خطوات وإجراءات، مختصرها كلمة واحدة: مال.

حتى إنّ قناة “المنار” التابعة للحزب أضافت وفق معلوماتها الخاصة أنّ الصفدي حين التقى أثناء الزيارة نفسها نظيره السوري كان “صلب الحديث والنقاشات يتناول احتياجات سوريا الأساسية لتأمين عودة كريمة للّاجئين السوريين إلى بلدهم”.

لا يمكن القبول إطلاقاً بما نصّ عليه البند 13 من قرار البرلمان الأوروبي الذي صُدّق في 12 تموز الجاري، الذي يتعلّق بموضوع النازحين (اللاجئين) السوريين في لبنان

وهو ما يفرض على راجمي القرار الأوروبي أخلاقياً أزمتَيْ ضمير:

أولاً، إنّ سلطات نظام سوريا جزمت قبل الأوروبيين عدم توافر ظروف عودة السوريين.

ثانياً، إنّ سلطات سوريا تشترط أن تقبض أموالاً لقاء عودة أبنائها، بينما الأوروبيون يعرضون أن يدفعوا أموالاً “للّبنانيين وللسوريين” كي يتجاوز هؤلاء البؤساء نكبة بلادهم وسلطاتها ويبقوا على قيد الحياة بكرامة.

بين من يشترط أن يقبض ليسمح لشعبه بالعودة، وبين من يعرض أن يدفع ليحفظ كرامة هذا الشعب الضحية في أماكن إقامته المؤقّتة، مَن مِن الطرفين هو الأكثر استحقاقاً لحملات الإدانة والاستنكار والشجب والتنديد… حتى آخر لازمة محابر المحور؟

حتى إنّ بعض ألسنة السوء باتت تتّهم سلطات سوريا بأنّها تحيا هذه الأيام على ثنائية ابتزاز مزدوج:

– خوّة مالية لوقف تصدير الكبتاغون.

– وفدية مالية للسماح بإعادة استيراد شعبها…

وهو ما يقتضي طبعاً تكذيبه في الواقع العملي وبواسطة الإنجازات لا الخطابات.

5- بناءً على كلّ ما سبق، يشير القرار الأوروبي إلى ما يسمّيه حصراً “مناطق النزاع”. وهو ما يفتح الباب أمام المسؤولين في بيروت ودمشق لأن يبحثوا فيما بينهم، ومع الأوروبيين وكلّ العالم المعنيّ، عودة النازحين من أماكن لم تعد “مناطق نزاع” على الأقلّ، إلا إذا كان هذا القسم أيضاً مشمولاً بشروط جدليّة للتصدير والاستيراد المزعومة.

6- بالنسبة لمسؤولية سلطات النظام اللبناني شبه السوري المشترك: يبني قرار البرلمان الأوروبي منطقه في إدانة المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً في مسألة خطابات “الحضّ على كراهية” النازحين، على تقارير دولية. منها أو أبرزها تقارير منظمة هيومان رايتس واتش. ومن هذه التقارير ما يتعلّق بخطر “الاتّجار الجنسي بالسوريّات في لبنان“، و”الاعتداءات الجنسية في المعتقلات السورية“، خصوصاً المزاعم عن تعرّض 65 حالة من السوريين العائدين إلى سوريا من لبنان، لحالات من الاعتقال التعسّفي أو الاختفاء القسري أو الاغتصاب أو القتل. وهو ما عرضته المنظمة في تقرير مفصّل من 66 صفحة أصدرته في تشرين الأول 2021 وجعلت له عنواناً قاسياً: “حياة أشبه بالموت“.

إقرأ أيضاً: بن سلمان يكتب “رواية وطنيّة” جديدة للسعوديّة

مذّاك لاذت السلطات الدستورية اللبنانية بالصمت، وربّما اعتبرت أنّ تجاهلها لمثل هذه المزاعم كافٍ لمحوها من التوثيق الدولي. وهو سلوك يشكّل قمة الجهل والتواطؤ معاً، لأنّ مراهقاً ناشطاً في جمعية قروية يعرف تمام المعرفة أنّ التقارير الدولية كافّة تبني مندرجاتها على تلك التقارير الصادرة عن مؤسسات حقوقية دولية، مثل “هيومان رايتس واتش”. ويشكّل صمت حكّام بيروت حيالها إقراراً بمضمون تلك التقارير، وكان صمتهم بديلاً عن مسارعتهم إلى الردّ عليها ودحضها وتفنيدها، ودعوة سلطات دمشق إلى مدّهم بكلّ ما يلزم من أدلّة وقرائن وإثباتات لتكذيب مثل هذا التقرير الدولي. وهو الذي تحوّل قبل أسبوع قراراً صادراً عن البرلمان الأوروبي، مؤيّداً ببُكم سلطات بيروت، المندّدة بما صدر، بعد فوات الأوان وأوان ردّها.

هكذا يبدو الردح اللبناني ضدّ القرار الأوروبي مهزلة سخيفة لكن مأساوية لأنّها تستخفّ بعقول اللبنانيين وتستهين بحياة النازحين السوريين وكراماتهم.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…