تزامناً مع إحياء لبنان الذكرى الـ17 للعدوان الإسرائيلي في تموز 2006، وما شهدته حدوده الجنوبية مع إسرائيل من توتّر بعد ضمّ جيش الاحتلال الجزء اللبناني الشمالي من بلدة الغجر، وإثر نصب الحزب خيمتين في منطقة مزارع شبعا التي تحتلّها إسرائيل، تتزايد في إسرائيل الأصوات التي تعتبر أنّ الحزب يسعى إلى “حرب خاطفة” لاستعادة مكانته في المنطقة، ولفرض قواعد اشتباك جديدة، مستفيداً من حالة الفوضى والضعف العامّ التي تسِم حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو.
هذا ما تجمع عليه مستويات أمنيّة وعسكرية إسرائيلية. ففي تقويم الوضع الأمني والاستراتيجي السنوي لإسرائيل، ذكرت شعبة الاستخبارات الإسرائيلية ثلاثة أسباب رئيسية لازدياد احتمال الحرب على الجبهة الشمالية:
– الأوّل: هو ما يعدّ في نظر إيران والحزب ضعفاً أميركياً في المنطقة وانخفاضاً واضحاً في مستوى التدخّل.
– الثاني: هو الأزمة بين واشنطن وتل أبيب والعلاقة المتوتّرة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
– والثالث: هو الشرخ الداخلي الخطير في المجتمع الإسرائيلي نتيجة الانقلاب القضائي الذي أدخل الجيش الإسرائيلي أيضاً في الدوامّة.
تذهب تحليلات في الإعلام العبري إلى أنّ التوتّرات التي شهدتها المنطقة الحدودية قد تكون مقدّمة لإعادة طرح ملفّ ترسيم الحدود البرّية الذي كان مؤجّلاً من الطرفين
حسب التقديرات الإسرائيلية، فإنّ للأمين العامّ للحزب، لأسباب لبنانية داخلية، مصلحةً في خوض “معركة أيام قليلة” ضدّ الجيش الإسرائيلي.
نأخذ على سبيل المثال موقع “واينت” العبري، الذي ذكر أنّ وراء “الاستفزازات الحدودية” خطةً تشمل “أهدافاً عسكرية” نصب عيني الأمين العامّ للحزب، “المهتمّ بمعركة أيام معدودة مع إسرائيل”.
بحسب الموقع، يميل الحزب إلى تفسير الأزمة السياسية والاجتماعية في إسرائيل بأنّها علامة ضعف، وبالتالي يقوم بتصعيد الاستفزازات مع التصميم على زيادة عدم ثقة الجمهور الإسرائيلي بالحكومة الحالية بتشجيع من الإيرانيين وبالتنسيق معهم.
بالإضافة إلى ذلك، هدف نصر الله، بحسب موقع “واينت”، هو تخريب وتعطيل مشروع “الحجر المتشابك” (Interlocking Stone) الذي تبنيه إسرائيل على طول الحدود اللبنانية من أجل منع أو على الأقلّ إبطاء تسلّل القوات الخاصة للحزب إلى الأراضي الإسرائيلية خلال أيّ معركة مستقبلية. وما لا يقوله نصرالله ولا ينشره الحزب هو أنّ مشروع “الحجر المتشابك” الذي يبنيه الجيش الإسرائيلي يقلقه كثيراً. هذا المشروع الذي يجمع بين سياج فولاذي عالٍ وجدار في أقسام معيّنة ونظام تحذير متطوّر وإجراءات مراقبة، قد يحبط أيّ هجوم للحزب، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّه يتضمّن منحدرات صناعية عالية جداً سيتعيّن على الحزب تسلّقها وقضاء ساعات طويلة من أجل الاقتراب من المستوطنات. وسيستخدم الجيش الإسرائيلي هذا الوقت للإعداد لإحباط الهجوم وشنّ هجوم مضادّ، وبالتالي سيُحبط هذا المشروع الذي شارف على الاكتمال إلى حدّ كبير هجوماً فوق الأرض لـ”قوّة الرضوان” التابعة للحزب ولكلّ شعار “العبور” الذي كان عنوان المناورة الأخيرة للحزب في الجنوب قبل أشهر.
وختم الموقع بالقول إنّ الحزب يواصل استخدام التظاهرات المدنية بهدف إبطاء وتعطيل العمل في مشروع Interlocking Stone.
إسرائيل الضعيفة… وخيمة الحزب
أمّا الكاتب الإسرائيلي أليكس كوشنير فيقول إنّ سلسلة الأحداث في الأشهر الأخيرة، وآخرها نصب الحزب خياماً على الحدود، تؤكّد أنّ نصر الله يختبر من جديد حدود اللعب مع دولة إسرائيل. ويعتبر كوشنير أنّ الحكومة الحالية، التي هاجمت الحكومة السابقة بسبب توقيع اتفاق تقاسم الغاز وترسيم الحدود البحرية مع دولة لبنان، تستسلم الآن لمنظمة الحزب، وأنّ الحكومة التي تسمّي نفسها “يميناً مليئاً” يتبيّن أنّها غير قادرة على أن تُخلي خيمتين، وتستجدي محافل دولية لممارسة الضغط على الحزب ليخلي خيمة واحدة من الخيمتين. إضافة إلى ذلك، وبحسب كوشنير، يُطلق عدم ردّ الحكومة على استفزازات الحزب رسالةً خطيرةً لأعدائنا الآخرين مفادها أنّ إسرائيل هدف سهل، وأنّ حكومتها ضعيفة وعديمة القدرة على أخذ القرار.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلّة في عام 2000، وجد أهالي قرية الغجر أنفسهم مقسومين بين جزء شمالي بات داخل الأراضي اللبنانية، وقسم جنوبي بقي تحت الاحتلال الإسرائيلي
في المقابل تذهب تحليلات في الإعلام العبري إلى أنّ التوتّرات التي شهدتها المنطقة الحدودية قد تكون مقدّمة لإعادة طرح ملفّ ترسيم الحدود البرّية الذي كان مؤجّلاً من الطرفين. خصوصاً أنّ لبنان الرسمي أبلغ المنسّقة الخاصة للأمم المتّحدة في لبنان يوانا فرونيتسكا والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا استعداده لترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل على طول “الخط الأزرق”، وأنّ وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب أكّد أنّ طرح الترسيم البرّي جنوباً جدّيّ، مشيراً إلى أنّه “الحلّ لمختلف الإشكالات على الحدود الجنوبية، وهو لا يعني تطبيعاً”.
تزامن ذلك مع وصول كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة آموس هوكستين إلى إسرائيل في زيارة التقى خلالها نتانياهو وجرى خلالها التباحث في موضوع التوتّر على الحدود مع لبنان في قرية الغجر، وقضية خيم الحزب. رفعت زيارة هوكستين للمنطقة رصيدَ التكهّنات بمسعى ترسيم الحدود، خصوصاً أنّ اسم هوكستين ارتبط بشكل مباشر بمفاوضات واتفاق ترسيم الحدود البحرية وكان “عرّاب الاتفاق”.
الغجر: عينٌ على “إضبع الجليل”
تشكّل قرية الغجر موقعاً استراتيجياً في غاية الأهمية لِما يسمّى “إصبع الجليل”، وهو مصطلح سياسي جغرافي يُطلق على منطقة المسار الحدودي الشمالي الشرقي للأراضي الفلسطينية المحتلّة، وذلك نسبة لشكلها الذي يشبه الإصبع. ويضمّ إصبع الجليل أكثر من خمس وعشرين مستوطنة يهودية، بينها مستوطنات حدودية مع لبنان كالمطلّة وكفار جلعادي وتل هاي الواقعة في شمال غرب هذه البقعة، ولذلك موقع قرية الغجر المتقدّم في موازاة مستوطنة المطلة يمنحها مكاناً استثنائياً، إذ تقع قرية الغجر شرقي نهر الوزاني على خطّ قمم يمتدّ جنوباً حتى جسر الروماني، حيث توجد نقطة الالتقاء الحدودية الثلاثية بين لبنان وسورية وفلسطين المحتلّة.
الجدير بالذكر أنّ تعداد سكان قرية الغجر يبلغ ثلاثة آلاف تقريباً. وقد رفضت إسرائيل في حرب حزيران 1967 دخول بلدة الغجر باعتبارها أرضاً لبنانية، لكن بعد إعلانها ضمّ الجولان في عام 1981، احتلّتها بوصفها سوريّة، ومنحت إسرائيل سكّان الغجر الذين كانوا من الطائفة العلوية جنسيّتها. وعلى مدى السنوات الـ20 الماضية، نتيجة الاحتلال وغياب السلطات الرقابية، توسّعت القرية شمالاً على حساب قرى لبنانية أخرى.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلّة في عام 2000، وجد أهالي قرية الغجر أنفسهم مقسومين بين جزء شمالي بات داخل الأراضي اللبنانية، وقسم جنوبي بقي تحت الاحتلال الإسرائيلي.
بعد حرب عام 2006، انسحبت إسرائيل من معظم الأراضي التابعة للبنان في قرية الغجر باستثناء المنطقة التي سمّتها “14 ب” وتضمّ قرية الغجر المأهولة، البالغة مساحتها 192,300 متر مربّع. وما تقوم به إسرائيل حالياً هو تسييج المنطقة المأهولة التي تشكّل بموقعها الجغرافي مركزاً دفاعياً مهمّاً للعدوّ ولما يسمّى “إصبع الجليل”…
إقرأ أيضاً: العراق ساحة لتبادل الأسرى بين طهران وتل أبيب؟
وقد يكون هذا السياج، وخيمتا الحزب، “السبب المباشر للحرب التي يهجس بها المستوى الأمني والعسكري في إسرائيل، والتي بات لها الكثير من “النوافذ”، ليس أوّلها قصف مسيّرة إسرائيلية عناصر من الحزب الأسبوع الفائت قالت إنّهم اقتربوا من السياج الشائك، ولا آخرها إطلاق صاروخ مجهول المصدر والهدف من لبنان إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة قبل أسبوع أيضاً…