سلاح الحزب من الغجر على الطريق إلى بعبدا

مدة القراءة 5 د


اعترض أحد الأصدقاء الشيعة المعارضين للحزب يوماً على استخدامي لتعبير “فائض القوّة” في وصف ما يمتلكه الحزب من سلاح. ولئن بدا التعبير بليداً مكرّراً في اللغة السياسية المستخدمة في لبنان، إلا أنّ لاعتراضه وجهة نظر تكشف اللبس في استخدام كلمات تستبطن ما يمكن تفسيره على نحو نقيض.
رأى أنّ الاعتراض على “الفائض” في القوّة يعني أنّنا نقبل بالقوّة من دون فائض، بما يعني تسليماً للحزب بقدرَية وشرعية قوّته وحده من دون بقيّة اللبنانين. ولسان حال التعبير المستخدَم يقول إنّ سلاح الحزب هو حال نهائي في راهن البلد ومستقبله لولا بعض “التجاوزات” الممكن مقاربتها وإدارتها وتخفيف وقعها.

صمت بيروت وخيم الحزب
ما جرى أنّ هذا السلاح من دون فائضه أرخى بظلاله على السجال حول خيَم الحزب المنصوبة على الحدود في جنوب لبنان. بدا، من خلال سلوك لبنان السياسي والمؤسّساتي، باعتبار أنّ ما يحدث شأن داخلي للحزب ومن روتينيّات الأنشطة اليومية له. فالجدل بشأن الغجر وأحقّية لبنان بالسيادة على جزئها الشمالي واستنكار الإجراءات التي تتّخذها إسرائيل في تلك المنطقة هو شأن الحزب يقرّر به القول والعمل.
بدت بيروت صامتة إلّا بما يخدم خطط الحزب وأجنداته في هذا الشأن. فالحكومة المفترض أنّها تصرِّف الأعمال كانت مشغولة منهمكة في أمورها اليومية غير معنيّة بالتدخّل في شؤون الحزب ووِرشه، سواء في نصب الخيم أو حتى في إطلاق صواريخ مجهولة المصدر. وتكاد هذه الحالة تصبح، بحكم الأمر الواقع، من صلب الدستور وحقّاً حصريّاً لحزب يعلن على الملأ أنّه في طبيعة تكوينه لا يوالي بيروت بل يوالي الوليّ الفقيه في طهران.

“لن نستعمل سلاح المقاومة لفرض أيّ خيار سياسي في الداخل”، هكذا يُطمئن الأمين العامّ للحزب اللبنانيين في إطلالته الأخيرة

لم تظهر معارضة حادّة للحزب وسلاحه قبل عام 2000. كان البلد تحت وصاية دمشق التي فرضت بيئة سياسية رادعة لأيّ مطلب استقلاليّ أو سياديّ ينادي بالدولة ناظماً وحيداً لشؤون البلد، وخصوصاً تلك التي تتعلّق بالدفاع. وكان الجنوب محتلّاً على نحو لا يمكن إلا الدفاع عن مقاومةٍ لتحريره، حتى لو اتّخذت هويّة فئوية طائفية فرضت احتكار المقاومة ومنع قيام مقاومة تمثّل كلّ لبنان.
كانت الوصاية السورية تحتكر “فائض القوّة” ولا تسمح حتى للحزب بإظهار أيّ فائض. وفيما درجت خطب وأدبيّات الحزب على تأكيد أنّ سلاح الحزب هو من أجل تحرير الأرض ولن يكون موجّهاً إلى الداخل، فإنّه ثبت لاحقاً أنّ للسلاح أساساً مهمّةً داخليةً صرفةً حتى لو كان ضجيجه حدوديّاً، وأنّ استخدامه في الداخل لاحقاً كان من سياق وجوده ودوره ووظيفته حين انسحبت وصاية دمشق وأطلّت أعراض وصاية طهران.
لم يكذب الشيخ صادق النابلسي المحسوب على الحزب حين اقترح في 6 تموز الجاري في مقابلة تلفزيونية حرباً يخوضها الحزب ضدّ إسرائيل “إذا لم نستطع بالحوار التوصّل إلى صيغة معيّنة لرئاسة الجمهورية”. فالسلاح هو عامل القوّة الوحيد الذي فَرض، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ما يجب أن تكون عليه أيّ عملية سياسية في البلد. وإذا ما فرض السلاح خيارات الحزب في بعبدا، فمنطقيّ استخدامه لفرض مرشّح الحزب للرئاسة حتى لو استدعى الأمر حرباً مدمّرة “لتغيير الموازين في الداخل”، وفق تعبير النابلسي.

فائض القوة في كل موقف
“لن نستعمل سلاح المقاومة لفرض أيّ خيار سياسي في الداخل”، هكذا يُطمئن الأمين العامّ للحزب اللبنانيين في إطلالته الأخيرة. ويجوز التساؤل عن توقيت إطلاق هذا الوعد الذي سبق نكثه على نحو دراماتيكي وبات التلويح به ينهل من ذاكرة “اليوم المجيد”، وفق وصفه لحدث 7 أيّار 2008. وبات استخدام السلاح، وفق قرار المحكمة الدولية الخاصة بشأن اغتيال الحريري قدَراً.
لم يجد الحزب في عدالة المجتمع الدولي رادعاً وناهياً لعدم إعادة استخدامه. وفي هذا الوعد المستجدّ تذكيرٌ لمن نسي أنّ السلاح جاهز لاستخدامه ضدّ اللبنانيين في الزمان والمكان المناسبين، وأنّ وعود الليل يمحوها النهار.

في الوعد تلويح غير مباشر بـ “فائض قوّة” يطلّ في كلّ موقف للحزب. وما الدعوة التي يطلقها الحزب إلى الحوار من أجل الاتفاق على إنتاج رئيس جديد للجمهورية إلا تمرين جديد على قوّة يمتلكها الحزب على أيّة طاولة حوار ولا يمتلكها الآخرون. 
لئن تتعدّد الأسماء البديلة عن مرشّح الحزب سليمان فرنجية، ومنها قائد الجيش جوزف عون، فإنّ ما أنتجه اتفاق بكين السعودي الإيراني والهامش الذي تتحرّك داخله المبادرة الفرنسية والاجتماعات الخماسية السابقة في باريس واللاحقة في الدوحة، تفاصيل لم توحِ للحزب بتبدّل في الموازين يحجب عن سلاحه مفاعيل “الفائض” الذي ما يزال يرسم أصول الحكم في البلد.

إقرأ أيضاً: روبرت مالي جاسوساً لإيران؟!

اللافت أنّ ضجيج خيَم الحزب والتوتّر الحدودي الذي افتعلته إسرائيل بسبب إجراءاتها في الغجر حرّكا على نحو ملتبس قضية ترسيم الحدود البرّية في الجنوب. فجأة بدا السلاح أداة من أدوات فتح هذه الورشة الدولية التي انخرطت داخلها قوات اليونيفيل وأعادت واشنطن من أجلها إرسال كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة عاموس هوكستين إلى المنطقة. فالرجل اكتسب خبرة مع الطرفين في مسار ترسيم الحدود البحرية، خصوصاً لجهة موافقة بيروت المفاجئة، برعاية سلاح الحزب، على التخلّي عن مساحات بحريّة كانت خرائط لبنانية تعتبرها جزءاً من سيادة البلد.
هنا تبدو القوّة وفائضها في مسرح الحدث، ولاعباً أساسيّاً داخله، بحيث سيصعب تبرير أن لا يأتي “مرشّح لا يطعن ظهر السلاح” رئيساً جديداً للجمهورية في لبنان. 

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mohamadkawas@

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…