خيم الحزب الطائرة!

مدة القراءة 6 د


ثمة مؤشرات على شيء ما يُعمل على إنضاجه خلف الكواليس في الدوائر الدولية والإقليمية، وهو على ارتباط بالتطورات التي تشهدها المنطقة والحوارات والمعادلات الجديدة التي بدأت بالتسارع بعد العاشر من شهر آذار الماضي، والتوقيع على الاتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران برعاية صينية. وهو بالتأكيد أبعد من أزمة خيمتين نصبهما الحزب خلف الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا حسب الرواية الاسرائيلية، كردّ على محاولة إسرائيل إنشاء منطقة عازلة في هذه المنطقة والقيام بعمليات تجريف داخل الأراضي اللبنانية، أو أنّ إقدام إسرائيل على تسييج القسم اللبناني من قرية الغجر وعزله عن بقية الأراضي جاء رداً على نصب هاتين الخيمتين.

على غرار تفاهم بغداد الذي ما زال ساري المفعول حتى الآن، فإنّ تسخين الأوضاع في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، الورقة الرئيسة والعماد الأساس لحزب الله في تسويغ شرعية سلاحه بهدف التحرير، هو أداة ضغط مباشر في هذا الإطار

سردية الحزب

إنّ التردد الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من شهر في الرد على هذه التطورات، هو، بحسب سردية الحزب التي يقدمها لجمهوره خاصة واللبنانيين عامة، تعبير عن حجم الإرباك الذي تعانيه قيادة تل أبيب في إدارة هذا الملف والذي يدفعها إلى السير بحذر على حافة التوتر والحرص على عدم انزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية في ظل انقسام داخلي غير مسبوق على خلفية التعديلات في صلاحيات ودور المؤسسة القضائية، وأيضاً الغموض الذي يعتري موازين “معادلة الردع” التي ترفض القيادة الإسرائيلية الإعتراف بها. وذلك بالإضافة إلى الضغوط الأميركية المبذولة التي تشدّد على ضرورة التهدئة وعدم أخذ المنطقة إلى معركة لا تتناسب مع التوقيت الأميركي في ظل العلاقة المتوترة بين إدارة البيت الأبيض ورئاسة الحكومة الإسرائيلية.

وعليه، إذا ما كان تفعيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قد انطلق بشكل جدي بعد اللقاء غير المعلن في الخامس من حزيران من العام الماضي 2022 بين الجانبين الأميركي والإيراني في العاصمة العراقية بغداد، حين وُضعت أرضية التفاهم حول التعاون أو عدم الذهاب إلى صدام على الساحة العراقية، وسُمح تالياً للحفارة انرجين بالدخول إلى حقل كاريش، فإنّ تنشيط الترسيم البحري في لبنان والوصول إلى الصيغة النهائية لهذا التفاهم كانا بحاجة إلى مسيّرات أطلقها الحزب فوق هذا الحقل، مع التلويح بالنسخة الموجودة في ترسانة الحزب من صواريخ ياخونت البحرية.

تفاوض تحت النار

على غرار تفاهم بغداد الذي ما زال ساري المفعول حتى الآن، فإنّ تسخين الأوضاع في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، الورقة الرئيسة والعماد الأساس للحزب في تسويغ شرعية سلاحه بهدف التحرير، هو أداة ضغط مباشر في هذا الإطار، لا سيما أن الأطراف المعنية بتركيب المعادلات الاقليمية، قد أعادت إخراج ورقة الترسيم البري بين لبنان وفلسطين ووضعتها على طاولة التفاوض، وهي الورقة التي طُرحت أولوياتها بعد حرب تموز 2006، مع التأكيد أن أي ترسيم للحدود البرية لا بد أن يبدأ من نقطة هذه المزارع، وأن يذهب باتجاهين، الأول غرباً باتجاه البحر ورأس الناقورة لترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين، والثاني يذهب شمالاً لترسيم الحدود الشرقية مع سوريا، على أن يسبق هذه الخطوة التفاهم على وضع هذه المنطقة تحت إشراف الأمم المتحدة.

يبدو أن أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله اتخذ كل احتياطاته في خطوة استباقية لأي مسار تفاوضي قد ينطلق في المرحلة المقبلة للترسيم البري، خاصة وأن المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين

استباق التفاوض على الحدود البرّيّة

في المقابل، يبدو أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله اتخذ كل احتياطاته في خطوة استباقية لأي مسار تفاوضي قد ينطلق في المرحلة المقبلة للترسيم البري، خاصة أن المبعوث الأميركي آموس هوكستين يستعد لزيارة المنطقة على خلفية التوتر حول الحدود بين لبنان وإسرائيل، من خلال وضع محدّدات لا يمكن المساومة عليها. ويشكل ترسيم الخط الأخضر وحدود اتفاقية الهدنة أساس أي تفاوض. ولم تقتصر هذه المحددات على النقطة B1 في الناقورة، بل كل  النقاط الخلافية أو “المتنازع عليها ضمن الخط الأزرق”، في رسالة واضحة إلى استعداده للتصدي لأي تسوية قد تلجأ إليها الجهات التي ستتولى عملية التفاوض، وأن الحزب على استعداد للذهاب إلى كل الخيارات في حال حاول البعض فرض أي معادلة عليه لا تنسجم مع رؤيته أو استراتيجيته لمآلات هذه الخطوة، والتي من المفترض أن تنعكس على موقعه داخل المعادلة الداخلية للنظام والدولة وعدم السماح بأن تكون على حسابه، خاصة ما يتعلق بمستقبل السلاح الذي أكد نصرالله مراراً أن “هذا السلاح باقٍ، ولن يمسه أحد طالما لم يُقدَّم مشروع بديل حقيقي”.

الحديث الواضح والصريح لنصرالله حول الترسيم البري، ووضعه في إطار اتفاقية الترسيم الدولية التي جرت عام 1949 المعروفة باتفاقية الهدنة أو “الخط الاخضر”، يقطع الطريق على أيّ محاولة فرض أمر واقع لا يتوافق أو ينسجم مع مواقفه كما حصل في الترسيم البحري الذي كان مجبراً فيه على دعم الموقف الرسمي للدولة اللبنانية والالتزام بما تم الاتفاق عليه بين المبعوث الأميركي في اتفاق الإطار من دون الأخذ بملاحظاته، فضلاً عن إدارة الظهر له من قبل المفاوض الأميركي الذي استطاع الحصول على الترسيم من دون إجراء أيّ حوار مع الحزب حول مستقبل دوره وموقعه في المعادلة الداخلية اللبنانية.

إقرأ أيضاً: أخيراً اتفاقية لبنان واسرائيل

إمكانية الحوار مع واشنطن

ربّما يكون كلام الوزير الأسبق محمد فنيش على قناة المنار صباح يوم الجمعة 14 تموز 2023، إشارة مهمّة في سياق أيّ حوار محتمل مع واشنطن، وذلك حين أكد أن السبب الرئيس للعداوة بين الحزب والولايات المتحدة يرتبط بالدعم الذي تقدمه “للعدو الإسرائيلي”، وأنه “خارج هذه النقطة” لا توجد عداوة معها. هذا الكلام الصادر عن فنيش والموقع الذي يمثله داخل تركيبة الحزب وقربه من مصدر القرار وما يدور في كواليس النقاشات الداخلية للحزب، يكشف من جهة عن “عتب” الحزب إذا صح التعبير على واشنطن التي ترفض حتى الآن التواصل معه، وهو الأمر الذي كان منتظراً أن يبدأ بعد تمرير الترسيم البحري، ويؤكّد من جهة أخرى أن أي خطوة جديدة في الترسيم البري لن تكون من دون تفاهم واضح وتواصل مباشر وموثّق حول مستقبل لبنان السياسي بما فيه أزمة انتخاب رئيس الجمهورية.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…