الزمن الشيعيّ: كلّ التواقيع؟

2023-07-15

الزمن الشيعيّ: كلّ التواقيع؟


ليس مفهوماً بعد سرّ تردّد نائب الحاكم الأول وسيم منصوري في تطبيق قانون النقد والتسليف وتسلّم مهامّ حاكم مصرف لبنان. استقالته لم تكن من بنات أفكاره. على الرغم من توجّسه من المسؤولية، إلا أنّ للرفض أهدافاً أبعد وأعمق ويرتبط بمراجع منصوري السياسية، أي الثنائي الشيعي، أو على وجه الخصوص رئيس مجلس النواب نبيه برّي. يأتي في الخلفيّات رفض الثنائي تحمّل عبء المسؤولية الماليّة ورميها على عاتقهما في دولة مفلسة. لن يتمّ تحمّل المسؤولية من دون ثمن. المطلوب مباركة المسيحيين للخطوة ومنح النائب الأول صلاحيّات استثنائية وإلّا يستمرّ بحكم تسيير مرفق عامّ.

برّي يمارس التقيّة

في قراءة مصادر سياسية مسيحية أنّ برّي يريد تسلّم منصوري مهامّ الحاكم، لكنّه يمارس نوعاً من التقيّة، فيرسله إلى البطريرك بشارة الراعي شاكياً مبرّراً استقالته ورفضه تسلّم المهامّ الجديدة، بينما يكون هدفه أن يصبح تسلّم منصوري مطلباً مسيحياً ملحّاً يتّخذه حجّة للقبول. لو آلت لبرّي لكان عيّن حاكماً جديداً، لكنّ تسلّم منصوري خطوة لا بدّ منها، ولذا يريد حمايتها والتهرّب من تحمّل تبعات المنصب سياسياً في المرحلة المقبلة. يمكن فهم رفض الثنائي تسلّم منصوري خشية أن يتمّ تحميل الشيعة مسؤولية الأزمة، لكنّ وجهة نظر أخرى تقول إنّ الانهيار وقع ولن يتحمّله الشيعة وحدهم، غير أنّ الهدف المبطّن هو إحكام الشيعية السياسية السيطرة على مكامن السلطة. وهنا يمكن تلمّس تمايز بين طرفَي الثنائي. إذ يرفض الحزب تعيينات تستفزّ المسيحيين، ويحافظ على خطّ الرجعة معهم متجنّباً العودة إلى صيغة 2005 وما سبقها من تفرّد بالحكم من السُّنّة والشيعة والدروز، ومتمسّكاً بوجود شريك مسيحي يقاسمه القرار، بينما يغالطه برّي في الرأي. وتكفي مشهديّة الفيديو المسرّب عن حكاية تقديم الساعة لتكون دليلاً على التعاطي. قالها برّي لرئيس حكومة تصريف الأعمال: “قلتلّك”. وعلى هذا المنوال يمضي الثنائي، فيكون عن قصد أو عن غير قصد في موقع المسيطر على الدولة عمليّاً، وله القرار المالي التنفيذي والقرار المالي الرقابي.

ليس مفهوماً بعد سرّ تردّد نائب الحاكم الأول وسيم منصوري في تطبيق قانون النقد والتسليف وتسلّم مهامّ حاكم مصرف لبنان

في توصيف المصادر المسيحية للشيعية السياسية في السلطة، أنّها بفرض ترشيح فرنجية كادت تستكمل السيطرة على الرئاسة الأولى لولا أن تمّ التصدّي لها. ويدعم أصحاب وجهة النظر هذه رأيهم بالوقائع بدءاً من الحكومة وتوقيع رئيسها الذي يقع ضمنه توقيع رئيس الجمهورية. وبتسلّم منصوري تضاف حاكمية المصرف المركزي إلى النيابة العامّة التمييزية المأخوذة بالمونة والنيابة العامّة الماليّة بحكم الوصايا الطائفية، ومثلها ديوان المحاسبة، وللثنائي الكلمة الفصل في مديرية المخابرات إضافة إلى التوقيع الرابع في وزارة المالية. وهو ما يعني أنّ للثنائي القرار المالي التنفيذي والقرار المالي الرقابي، فالحاكم بهويّته الدينية مسيحي لكنّه سياسياً مع الثنائي.

يواجه تياران مسيحيان الشيعية السياسية. واحد في موقع الخصم اللدود ولا يتوانى عن المطالبة بالفدرالية أو تغيّر النظام، ويضمّ القوات اللبنانية والكتائب، والثاني أكثر عقلانية يطالب بدولة واحدة مشترطاً الشراكة. لدى بعض القوى المسيحية شعور بأنّ الثنائي الشيعي أو الشيعية السياسية تتعامل مع المسيحيين كما سبق أن تعاملت مع الرئيس سعد الحريري. أخطأ الحزب الرهان واستبدل الزعامة السنّيّة بنوّاب سُنّة ملحقين بالشيعة، وقد حاول ممارسة النهج ذاته بتحالفه مع التيار الوطني الحر ورئيسه الذي يُنقل عنه قوله في جلسة من جلسات المصارحة معه: “ما فيني كون حزب قومي بقيادة مسيحية قراره عند الشيعة. أنا حزب مسيحي أعبّر عن الوجدان المسيحي وآخذ المسيحيين نحو تحالف مع الشيعة في الداخل ونحو المشرقية في الخارج ولا يمكن أن أكون ملحقاً بل شريكاً”.

لكنّ للثنائي وجهة نظر حيال هذا الواقع، إذ تنقل مصادر متابعة أنّ برّي لم يخفِ لمقرّبين منه خشيته من أن يتمّ تظهير الشيعة أنّهم القوى المسيطرة على المفاصل الماليّة من وزارة المالية إلى الحاكمية إلى النيابة العامّة المالية. ولذا كان الأنسب له أن يتمّ تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وهذه نقطة تعارضه مع ميقاتي ومأخذه عليه. يتخوّف برّي من انفجار الوضع في وجه الشيعية السياسية، خاصة أنّ موقف منصوري سيكون ضعيفاً في مجلس مركزي يسود الخلاف بين أعضائه وأنّ نائب الحاكم بحاجة إلى خطة عمل تعوّم دوره. بصريح العبارة قالت مصادر ماليّة رفيعة: هل يجب أن ينفجر الوضع في مواجهتنا، خاصة أنّ المجلس المركزي يستحيل أن يقوم بمهامّ سلامة ويكون على مستوى دهائه؟ في لقاء جمعه ومدّعي عام بيروت قال منصوري إنّه لن يبدّل في سياسة سلامة، والقرارات الماليّة ستُتّخذ في المجلس بالإجماع، وإنّه شخصياً لن ينفرد بأيّ قرار كي لا يتحمّل المسؤولية منفرداً.

في نهاية تموز يصبح توقيع الشيعية السياسية حاكماً بأمره. لم يكن يرغب الثنائي أن يبلغ الفراغ هذا الحدّ، لكنّه مفروض بقوّة الأمر الواقع

هاجس الشيعية السياسية

تقول معلومات مستقاة من مصادر الثنائي إنّه منذ تسعة أشهر يسكنه هاجس الاتّهام بسيطرة الشيعية السياسية على البلد مع أنّهما مجبران على قبول إرث سلامة الثقيل وهمّ المصارف، ولذا لم يكن الحزب سيمانع لو وجد برّي طريقة للتمديد لسلامة مجدّداً، وكان سيعارضها في العلن لكنّه سيسلّم بوقوعها.

في نهاية تموز يصبح توقيع الشيعية السياسية حاكماً بأمره. لم يكن يرغب الثنائي أن يبلغ الفراغ هذا الحدّ، لكنّه مفروض بقوّة الأمر الواقع.

ربّ قائل إنّ الثنائي لم يكن ينتظر نيابة الحاكم ليحكم بسيفه، ففي مجلس النواب وبقيادة رئيسه كانت تُحاك سياسات الدولة وتُشرّع أبواب الميزانيات وتُفتح على مغاربها، وإنّ كلّ ما يصبو إليه من خلال ضجّة تسلّم منصوري هو أن يقول: “ها قد تسلّمنا، ونحن أصحاب الفضل”، لكنّ الوقائع التي ينقلها المقرّبون تشي بالعكس، إذ يتحدّث هؤلاء بجدّية عن مخاوف حقيقية تنتاب رئيس المجلس من أن ينفجر الوضع في وجهه هو على وجه الخصوص، وأنّ المقبل فترة صعبة جدّاً.

إقرأ أيضاً: احتكاك إيجابي بين الحزب وأميركا بالفرنسية..

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…