الشاباك “يدعم” المافيات العربية.. بالمجرمين والعملاء

2023-07-08

الشاباك “يدعم” المافيات العربية.. بالمجرمين والعملاء


قبل أياّم، أعلن استقالته رئيس “قسم القضاء على الجريمة في المجتمع العربي” (وحدة “سيف”) ناتان بوزانا. واتّهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأنّه لم يعمل على مكافحة الجريمة في المجتمع العربي ولم يزُر الوحدة أبداً. في الوقت نفسه تبادل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المدان بكراهية العرب وبالإرهاب، مع المفوّض العامّ للشرطة كوبي شبتاي، التّهم في شأن الفشل في مكافحة الجرائم.
في هذه الأثناء، يتواصل شلّال الدم الناجم عن استشراء الجريمة في المجتمع العربي في أراضي 48 داخل الخطّ الأخضر، مع مشاهد القتل اليومية، وسقوط نحو 104 قتلى معظمهم من الأبرياء منذ مطلع العام الحالي، على أيدي منظّمات الإجرام وتجارة السلاح، الذي غالباً ما يكون مصدره مخازن جيش الاحتلال.
ويدور الحديث عن سبع عصابات إجرام كبيرة تنشط في البلدات العربية تجمع الإتاوات بالترويع والإرهاب، وتسيطر على عطاءات السلطات المحلّية، وتتصارع فيما بينها على مناطق النفوذ وكلّ ما يتعلّق بالسوق السوداء التي تحوّلت إلى اقتصاد موازٍ يقدَّر حجمه بمليارات الدولارات.
ويتحدّث الباحث من داخل الخطّ الأخضر أمير مخول عن بعد آخر للجريمة المنظّمة في الوسط العربي يتمثّل في العملاء الذين هربوا من الضفّة الغربية وقطاع غزّة إلى الداخل بعد عقد اتفاقيات أوسلو، ويلعبون دوراً محورياً في عالم الجريمة المنظّمة، ويصل نفوذهم على هذا الصعيد إلى أعلى المستويات في الشرطة والشاباك، وأصبحوا يتمتّعون بشبكة علاقات تمكّنهم من إدارة عشرات مليارات الشواكل. وقد وطّدوا علاقاتهم بعالَم الأعمال والمقاولات والعطاءات، وهذه مسألة ثانية ساطعة تبيّن حال التورّط الإسرائيلي في الجريمة المنظّمة في الداخل.

يدور الحديث عن سبع عصابات إجرام كبيرة تنشط في البلدات العربية تجمع الإتاوات بالترويع والإرهاب، وتسيطر على عطاءات السلطات المحلّية

“تنظيم” المافيا العربية
بن غفير لطالما أثار شكوكاً داخل المجتمع العربي في نيّته محاربة الجريمة، وطُرحت علامات استفهام عديدة حين دعا إلى إدخال “الشاباك” إلى المجتمع العربي بذريعة أنّه الحلّ لمكافحة العنف والجريمة فيه، وذلك أثناء زيارته موقع ارتُكبت فيه جريمة إطلاق نار أودت بحياة 5 أشخاص في قرية يافة الناصرة في الجليل.
بات واضحاً أنّ الدولة العبريّة ومؤسّساتها تساهم في اتّساع دائرة الجريمة المنظَّمة والعنف في المجتمع العربيّ، عبر خنق البلدات العربية وتحويلها إلى أحياء فقر وجريمة، وخلق شخصية عربية مشوّهة عبر مناهج التعليم، غير مؤهّلة للالتحاق بالجامعات والسوق، إلا بالحداثة الاستهلاكية و”النجاحات الفردية”.
هذا الواقع هو نتاجُ مُجْمَل السياسات الحكوميّة الإقصائية المعمول بها في التعامل مع المجتمع العربيّ، بالإضافة إلى تواطؤ الشرطة الإسرائيلية. وتتطلّب مواجهة الجريمة والعنف في الوسط العربي إعادة تعريف قضية الجريمة والعنف سياسياً، وإعادة تعريف المطالب السياسية للمجتمع العربي في إسرائيل.
يأتي ذلك في ظلّ غياب القرار السياسي للمؤسّسة الإسرائيلية، التي تحوم شكوك حول تورّطها في سيلان الدم من خلال أذرعها المختلفة. ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مصدر رفيع في الشرطة الإسرائيلية أنّ “المجرمين الذين يقودون الجريمة الخطيرة في المجتمع العربي هم بمعظمهم متعاونون مع جهاز الشاباك”.
تستفيد دولة الاحتلال من الفوضى وسفك الدماء ونشر الرعب في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل لإشغاله بنزاعات داخلية تغذّي القلق والخوف وتدفع أبناءه نحو الانشغال بالأمن الشخصي، فتنعزل شرائح واسعة من المجتمع العربي عن الهمّ الوطني ومكافحة التمييز والعنصرية والمشاركة في الاحتجاجات المناهضة لممارسات الاحتلال وعدوانه في القدس المحتلّة والضفّة الغربية وغزّة.
تسعى تل أبيب من خلال تفشّي ظاهرة العنف والجريمة داخل الخطّ الأخضر إلى الدفع بأبناء المجتمع العربي نحو الأسرلة من خلال تحطيم قيمه ونجاحات جزء كبير من أبنائه، والدفع بمخطّطات تشجّع الشباب العرب على الانخراط في سلك الشرطة وما يُسمّى “الخدمة المدنية”، وتُحاول أن تُقنع المجتمع بأنّ الأمن والأمان يكونان بالتقرّب من المؤسّسة الإسرائيلية وأجهزتها.

بات واضحاً أنّ الدولة العبريّة ومؤسّساتها تساهم في اتّساع دائرة الجريمة المنظَّمة والعنف في المجتمع العربيّ، عبر خنق البلدات العربية وتحويلها إلى أحياء فقر وجريمة، وخلق شخصية عربية مشوّهة عبر مناهج التعليم

حجّة “العجز الأمني” الإسرائيلي
تحاول الشرطة الإسرائيلية تصدير رواية عجزها متذرّعة بمحدودية قدراتها وضعف مواردها وعدم امتلاكها الأدوات للوصول إلى المجرمين في الداخل الفلسطيني وفكّ رموز الجرائم في المجتمع العربي، فيما تستنفر هذه الشرطة الإسرائيلية كلّ قواها في الأحداث ذات الخلفيّة القومية، وتكون قادرة على الوصول إلى كلّ فلسطيني من أبناء الداخل شارك في تظاهرة أو ردّد شعاراً معادياً لإسرائيل أو كتب بعض كلمات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس جزافاً الحديث عن تورُّط الدولة العبرية وشرطتها في شيوع الجريمة في الوسط العربي، فالفجوة الكبيرة بين نجاح الشرطة الإسرائيلية في فكّ رموز الجرائم في المجتمع الإسرائيلي وفشلها في ذلك في المجتمع العربي تعطي مؤشّراً إلى هذا التورّط. فقد شهدت السنوات الأربع الأخيرة نحو 732 جريمة قتل في إسرائيل شكّلت الجرائم في المجتمع العربي نحو 70 في المئة منها، ومع هذا لم تتجاوز نسبة تقديم لوائح الاتّهام 29 في المئة، مقابل 69 في المئة في المجتمع الإسرائيلي.
نقلت القناة الـ13 العبرية عن الشرطة الإسرائيلية أنّها “لا تستطيع اعتقال عدد من المجرمين لأنّهم يخدمون الشاباك”. يشير هذا الكلام إلى وجود علاقة بين خدمة المجرمين للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية عبر مدّها بمعلومات ذات طابع أمنيّ، وبين منحها مساحةً من حرّية الحركة للمضيّ في جرائمها التي تسعى من خلالها إلى بسط نفوذها وتحقيق مصالح تجارية ومكاسب ماليّة بقوّة السلاح.

إقرأ أيضاً: “غزوة جنين”: عملية سياسية وليست عسكرية

فيما غضّت تل أبيب النظر عن منظّمات الإجرام العربية حتى وصلت الأمور إلى مشاهد القتل اليومية، اتّخذت تل أبيب قراراً سياسياً بالقضاء على منظّمات الإجرام في المجتمع الإسرائيلي في ضوء النزاعات المتصاعدة بينها، ومنها “أفوتبول” و”روزنشطاين” و”أبرجيل”، وصادق الكنيست الإسرائيلي عام 2003 على قانون “مكافحة منظّمات الإجرام”. وفي المحصّلة نجحت المؤسّسة الإسرائيلية في القضاء على منظّمات الإجرام في الوسط اليهودي.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…