هل يمكن للقمّة العربية أن تقدّم مشروع حلّ للحرب في غزّة؟ وما هي دلالات انعقاد القمّة في الرياض بدعوة من المملكة العربية السعودية ودولة فلسطين؟
أنظار العالم ستتّجه إلى العاصمة السعودية الرياض في الحادي عشر من الشهر الجاري مترقّبة أن تفتح هذه القمّة ثغرة في جدار الصمت الدولي تجاه المجازر التي تشهدها غزّة.
لماذا الرياض؟ وهل العرب قادرون؟
الباحث السياسي المصري جمال همام مدير الدراسات في مركز الخليج للأبحاث أشار لـ”أساس” إلى أنّ “ما يحصل في غزّة هو مسألة عربية بحتة وفلسطين دولة عربية وجنوب لبنان جزء من الخارطة العربية ويجب أن يكون الحلّ عربياً عربياً، فتدويله ودخول أطراف أخرى على هذا الحلّ من شأنهما أن يعقّدا الأمور ويخرجاها عن هدفها الصحيح”.
أضاف همام لـ”أساس”: “تنعقد القمّة العربية في ظروف صعبة تمرّ بها المنطقة من جرّاء الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزّة وسقوط ضحايا كثيرين جدّاً من الأطفال والشيوخ والنساء. إسرائيل ترفض فتح المعابر والممرّات لإدخال المؤن والموادّ الغذائية والطبّية والعلاجية لمصابي الحرب، وتريد قتل الفلسطينيين وتهجيرهم خارج غزّة، وهذا ما أعلنته إسرائيل صراحة حين اعتبرت أنّ تهجير الفلسطينيين خارج غزّة هو دفع إلى إنهاء القضية الفلسطينية. وهذه الفترة مهمّة جداً للدول العربية التي عليها أن تجتمع وأن تجد حلولاً عاجلة للضغط على الإدارة الأميركية وعلى الغرب الذين يساندون إسرائيل في هذه الحرب علناً وبوضوح ودون مواربة لكي يسمحوا للفلسطينيين العزّل الأبرياء بتلقّي الموادّ الإغاثية وموادّ العلاج وإعادة فتح المستشفيات وتوصيل الكهرباء والغاز والبترول إلى القطاع حيث توقّفت جميع المرافق بعدما تحوّلت غزة إلى ركام وما تزال الآلاف من الجثث تحت الأنقاض. ونحن في مستهلّ فصل الشتاء، وإذا استمرّ هذا العدوان واستمرّ التهجير فسيكون الفلسطينيون في العراء حيث سيتعرّضون للبرودة القاسية. وعلى الدول العربية التحرّك سريعاً لإيجاد حلول لإيصال الموادّ الإغاثية إلى القطاع بالاتفاق مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والغرب، وهذا لا يأتي إلا بمجهود عربي جماعي وليس غير ذلك”>
حول قدرة العرب على إنتاج حلّ سياسي قال همام لـ”أساس”: “العرب قادرون، والدليل أنّهم أنتجوا المبادرة العربية للسلام التي اعتمدتها قمّة بيروت في 2002، وهي أساس للحلّ وصالحة للتطبيق الآن
دعا همام الولايات المتحدة إلى إعادة حساباتها فقال: “على الأميركيين أن يكونوا واقعيين ويتعاملوا مع جميع الأطراف سواسية وألّا تنحاز أميركا إلى إسرائيل لأنّ الانحياز إلى إسرائيل يؤدّي إلى نوع من الكراهية في المجتمعات العربية وعلى مستوى الشعوب لأميركا وإسرائيل معاً، ونحن في مرحلة يجب أن يكون فيها نوع من التعامل بالمثل، وخاصة أنّك تتحدّث عن قضية ذات بعد إنساني مع وجود مجازر بحقّ النساء والأطفال”.
وحول قدرة العرب على إنتاج حلّ سياسي قال همام لـ”أساس”: “العرب قادرون، والدليل أنّهم أنتجوا المبادرة العربية للسلام التي اعتمدتها قمّة بيروت في 2002، وهي أساس للحلّ وصالحة للتطبيق الآن، وهي قائمة على الشرعية الدولية وعلى الأمم المتحدة والقرارات الدولية. وعلى إسرائيل أن تقبل بالتعايش مع دولة فلسطين. القضية هي أنّ إسرائيل ترفض قبول السلام وترفض الحلول وتريد التطبيع مع الدول العربية ولا تريد تقديم السلام. العرب يقولون منذ عام 2002 حتى الآن، وهو ما يفوق 20 عاماً، إنّنا مستعدّون وفق الأرض مقابل السلام، ولكنّ إسرائيل ترفض تقديم حلّ الدولتين والقدس الشرقية وتريد حلّاً أحاديّاً، وهو التطبيع مع العرب وتحقيق مكاسب من دون أن تقدّم للقضية الفلسطينية أيّ حلّ، فالحلّ موجود والمبادرة العربية موجودة والقرارات الأممية موجودة من 1948 إلى الآن، ومنها القرار 242 و338 والمبادرة العربية للسلام ومبادرة فاس. كلّ المبادرات موجودة وعلى إسرائيل أن تقبل بالحلّ وأن تقبل بالسلام. الأزمة الحقيقية أنّ إسرائيل ترفض الخضوع للسلام وترفض حلّ الدولتين، ولذلك سيظلّ الصراع أبديّاً”.
أمّا عن دور إيران وقدرتها على العرقلة فقال: “حماس هي جزء من الشعب الفلسطيني، وهي جزء من المنظومة العربية، ويفترض أن يكون الحلّ عربياً عربياً، وعلى حماس أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية وتابعة للدولة الفلسطينية وليست ذراعاً لإيران في المنطقة. وجود حماس في المنطقة يؤدّي إلى الصراع بين أميركا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة ثانية. صحيح أنّ الضحايا هم فلسطينيون، لكنّ الحرب مشتعلة بين أميركا وإيران أو إسرائيل وإيران. فعلى حماس أن تكون جزءاً من المنظومة العربية وأن تتخلّى عن مبدأ السيطرة على غزّة، ويجب أن يكون للسلطة الفلسطينية الحقيقية دور في غزّة وهي تواكب الحلّ لكي يكون هناك طرف فلسطيني قوي قادر على التعامل مع الأطراف الأخرى”.
بالمقابل أكّد همام رفض مصر القاطع لتهجير شعب غزّة، فقال: “الموقف المصري نهائي وصارم وجادّ لأنّه موقف شعبي وموقف رسمي، وحتى لو وافق النظام المصري فإنّ الشعب لن يوافقه على ذلك. فسيناء جزء من الأراضي المصرية، ومصر دولة ذات سيادة لا تخضع للإملاءات والضغوط الإسرائيلية والأميركية. سيناء منطقة مصرية ارتوت بدماء المصريين على مرّ التاريخ ولا تستطيع أيّ دولة أخرى أن تستوطنها. كما أنّ خروج الفلسطينيين من غزّة يعني إنهاء القضية الفلسطينية. القضية الفلسطينية قائمة بسبب وجود الفلسطينيين في غزّة، وبخروجهم منها تنتهي القضية الفلسطينية إلى الأبد وحقّ العودة ينتهي إلى الأبد، ولن تكون هناك دولة فلسطينية. لذا يجب على الفلسطينيين التمسّك بالوجود في غزّة، ويجب على مصر أن لا تسمح للفلسطينيين بالخروج من غزّة إلى سيناء”.
إقرأ أيضاً: واشنطن: التجربة الصحيحة بعد كلّ التجارب الغلط!
عمّا يُقال عن ورقة عربية للحلّ ستخرج عن قمّة الرياض قال: “نتمنّى على العرب أن يدركوا خطورة الموقف الحالي وخطورة الوقت الحالي وصعوبة القرارات في الوقت الحالي، وعليهم أن يلتزموا إيجاد رؤية عربية متكاملة شاملة لإيجاد حلّ في غزة، وعليهم أن يدعموا السلام وإنهاء الحرب المشتعلة التي ضحاياها الشعب الفلسطيني وليس حركة حماس فقط. فهذا دور عربي مهمّ في وقت مفصليّ ومهمّ عليهم استثماره وعليهم أن يتوحّدوا في اتخاذ القرار لإجبار أميركا وإسرائيل على الخضوع للموقف العربي”.