مشهد “صلاح الدين”… يظلّل قمّة الرياض

مدة القراءة 7 د


ينتظر أن تتبنّى القمّة العربية في الرياض اليوم الصياغة الفلسطينية للموقف العربي، إذ عُهد إلى السلطة الوطنية الفلسطينية وفريق الرئيس محمود عباس، لأنّهما الجهة الداعية إلى الاجتماع الطارئ للقادة العرب، اقتراح مسوّدة القرار الذي سيصدر عن القمة. وقدّم وزراء الخارجية العرب ملاحظاتهم في اليومين الماضيين على النصّ الفلسطيني، مع توقّع صدور موقف متشدّد عن القمّة عالي اللهجة، يعكس عموماً الخيبة العربية من الموقفين الغربي والأميركي، اللذين يغطّيان حرب الإبادة الجماعية التي تنفّذها إسرائيل في غزّة وفي الضفة الغربية، على الرغم من التنصّل منها.

أولويّة وقف النار و”اختلاف النغمة”

مع طرح مشروع للحلّ السياسي الشامل للقضية الفلسطينية، فإنّ الهمّ العربي الأول والثاني والثالث والرابع خلال القمّة هو الإصرار على إنهاء المذبحة عبر وقف إطلاق النار الذي ترفضه إسرائيل كليّاً وتتناغم معها أميركا ومعظم دول الغرب، إفساحاً في المجال أمام مجلس الحرب برئاسة بنيامين نتانياهو أن يحقّق أقصى ما يستطيع للانتقام من الفلسطينيين ومن “حماس” وفق تمنّيات قادة الدولة العبرية والغرب بإنهاء دورها.

مع طرح مشروع للحلّ السياسي الشامل للقضية الفلسطينية، فإنّ الهمّ العربي الأول والثاني والثالث والرابع خلال القمّة هو الإصرار على إنهاء المذبحة عبر وقف إطلاق النار الذي ترفضه إسرائيل كليّاً

بات مؤكّداً “اختلاف النغمة” بين وزراء الخارجية العرب وبين نظيرهم الأميركي أنتوني بلينكن الذي التقوه في عمّان، وجوهر الخلاف رفض هؤلاء البحث في “اليوم التالي” وأفكار واشنطن حول إدارة غزّة بعد الحرب، مع استبعاد أيّ دور لـ”حماس”، لأنّ الأهمّ وقف الحرب. يهدف الطلب الأميركي الإسرائيلي بإخراج حماس من معادلة إدارة غزّة منذ الآن، إلى العودة إلى تكريس الخلاف بين الحركة وبين السلطة الوطنية، وقطع الطريق على المطالبة بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع. وبعض التسريبات عن استقدام قوات متعدّدة الجنسيات للفصل بين غزّة وإسرائيل، أو قوات تحت راية الأمم المتحدة تشارك فيها دول عربية أو إسلامية، تبدو غير قابلة للتحقيق. وسبق أن طُرحت قبل سنوات فكرة استقدام قوات أميركية. حتى هذه رفضتها الدولة العبرية بحجّة أنّ “أمن إسرائيل تحميه إسرائيل”.

هل ترسم القمّة مساراً عربياً يستعيد بعض الوزن للدول العربية في المعادلة الدولية التي تتحكّم بالصراع الدائر في فلسطين والمنطقة؟

شارع “صلاح الدين”… وتهجير الـ1948

القادة العرب يجتمعون في ظلّ وقائع مأساوية على الصعيد الميداني وبالتالي الإنساني، ووضع كثير التعقيد على الصعيد الإقليمي والدولي:

1- مشهد شارع صلاح الدين الكارثي وسط قطاع غزة الذي غطّت مساحته أفواج النزوح الجماعي من الجزء الشمالي إلى الجنوبي، يذكّر بالنزوح الكبير في 1947-1948. قالتها إحدى النسوة بالفطرة. إنّها “الغيبة” الثانية للفلسطينيين. ينتقلون إلى المنطقة الجنوبية بطلب من الجيش الإسرائيلي، الذي يقصف جنوب القطاع أقلّ بنسبة 46 في المئة، قياساً إلى الشمال، بحجّة استهداف “حماس”. يجري تنفيذ خطة الترانسفير عملياً. واشنطن تعترض كلامياً على تهجير الفلسطينيين، فيما إسرائيل تنفّذ الهدف على الأرض. هذا المشهد يذكّر بوعود بريطانيا ودول أوروبية للأعيان الفلسطينيين برفض تهجير الفلسطينيين عام 1948 على يد عصابات الهاغانا والإيرغون، وسط العجز العربي عن إعادة من لجأوا إلى لبنان وسوريا والأردن، وإلى قطاع غزّة نفسه، الذي وُضِع تحت الوصاية المصرية عام 1950.

المفارقة أنّ تهجير اليوم يقترن مع اسم (شارع) صلاح الدين (الأيوبي) محرِّر القدس من الفرنج أواخر القرن الحادي عشر، وعشرات الآلاف الذين غادروا الشمال إلى الجنوب حيث يحول قصف إسرائيل وحصارها دون توفير الأمم المتحدة أماكن سكن لهم. وهو ما سيطرح مسألة انتقالهم عبر معبر رفح إلى سيناء في ظلّ تشدّد القاهرة في رفض توطينهم هناك.

الانقسام الدوليّ… وغياب الكبار

2- الانقسام الدولي الراهن بفعل حرب أوكرانيا والصراع على النفوذ في آسيا وأوروبا، يحجب التواصل بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة والغرب من جهة ثانية، حول مخارج فعليّة من الحرب. والتحاق الغرب، بما فيه دول أوروبية مثل فرنسا، كلياً، بالسردية الإسرائيلية لعملية 7 تشرين الأول التي نفّذتها “حماس”، في غلاف غزّة، قاد إلى تشريع حقّ الدولة العبرية أن تخوض حرباً “وجودية”، وهو ما ألغى أدواراً لها لوقف الحرب.

افتقد دبلوماسيون مخضرمون في فرنسا شارل ديغول في الستينيات، ودور موسكو مع واشنطن في إنهاء حرب 1973، ثمّ في اجتياح لبنان عام 1982، وإلى دور جاك شيراك إبّان انتفاضات الفلسطينيين المتلاحقة، ورفض الاستيطان، ثمّ في وقف حروب غزّة اللاحقة، ووضع حدّ لحروب إسرائيل ضدّ لبنان. باختصار غاب كبار عن المسرح الدولي سبق أن لعبوا دوراً في وضع حدّ لانفلات إسرائيل بلا سقف زمني أو ميداني. أمّا على الصعيد العربي فلا بدّ من استذكار أنّ جيوشاً عربية غير الجيشين السوري والمصري جهّزت للمشاركة في حرب 73، بموازاة استخدام سلاح النفط.

اعتبر مراقبون أنّ الغرب يمارس احتقاراً للدول العربية، فتارة يسرّب بأنّ معظم القادة العرب يتمنّون القضاء على “حماس”، وتارة أخرى بأنّ تقديمهم المساعدات الإنسانية يجري بإذن إسرائيلي لا أكثر. وتوقّع هؤلاء أن تقتصر القمّة على المواقف العالية النبرة حيال إسرائيل وبعض الدول الغربية، وأن تشهد مزايدات عالية النبرة من بعض الرؤساء مثل الرئيس السوري بشار الأسد على الرغم من قرار دمشق أنّ “الوضع أعقد من اشتراك سوريا في أيّ عمل عسكري حالياً”.

مشهد شارع صلاح الدين الكارثي وسط قطاع غزة الذي غطّت مساحته أفواج النزوح الجماعي من الجزء الشمالي إلى الجنوبي، يذكّر بالنزوح الكبير في 1947-1948

أميركا وإيران والصراع تحت سقف التفاوض

3- المسرح الإقليمي الدولي يخضع لمعادلة الصراع تحت سقف التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. الأولى تعتمد على طهران لمنع توسّع الحرب على الجبهة اللبنانية. لكنّ القصف الذي تتعرّض له إسرائيل من لبنان وسوريا أو اليمن، أو الذي يستهدف القوات الأميركية في سوريا والعراق ومياه الخليج بين الحين والآخر، من أذرع طهران، يبقي شرارة الحرب قائمة. ويعطي بعض الدبلوماسيين الأميركيين تطمينات في هذا الصدد.

مع أنّ طهران لا تريد توسيع الحرب ومثلها إسرائيل وفق تصريحات قادة الدولتين والحزب، ومع تبرئة واشنطن أكثر من مرّة لإيران من تهمة رعاية عملية “طوفان الأقصى”، فإنّ استهداف القوات الأميركية وإسرائيل في ظلّ التفاوض بين الجانبين في عُمان وغيرها يشكّل حسب بعض المراقبين، غطاءً لهذا التفاوض.

آخر المواقف في هذا الصدد قول وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إنّ “توسيع نطاق الحرب أصبح لا مفرّ منه مع زيادة التصعيد في غزّة”. هكذا تتنقّل المواقف الإيرانية بين التطمين إلى عدم الرغبة في توسيع الحرب، ثمّ التهديد به. وينطبق الأمر على أميركا التي، بعد تبرئة طهران من 7 تشرين الأول، توجّه إليها اللوم، كما فعل أول من أمس متحدّث باسم البيت الأبيض اعتبر أنّ عليها و”حرس الثورة” التوقّف عن دعم حماس والحزب وعن مهاجمة السفن في الخليج وجنود الولايات المتحدة في العراق وسوريا.

إدارة القطاع… والتعاون مع إيران

هل يكفي تبنّي وجهة نظر أبي مازن بأنّ إدارة السلطة الفلسطينية قطاع غزّة يجب أن تتمّ وفق حلّ سياسي يشمل الضفة الغربية والقدس… لمعاكسة الخطط الإسرائيلية التي يتسامح معها الغرب؟

الدعوة إلى مفاوضات من أجل حلّ الدولتين موقف مبدئي يتجنّب دخول السلطة إلى القطاع على ظهر الدبّابة الإسرائيلية، ويتفادى خضوعها لشروط اليمين المتطرّف بأنّ التهجير أمرٌ واقعٌ، وبإخضاع إعمار القطاع لاحتياجات الدولة العبرية الأمنيّة والوتيرة التي تفرضها. لكنّه من زاوية الغرب يهدف إلى إلهاء العرب بشعار جميل، بينما تواصل إسرائيل خطّتها.

إقرأ أيضاً: أبو مازن: لن يدخل العرب غزّة على دبابة إسرائيلية

إذا كان المجال متاحاً لدى القادة العرب لأن يبحثوا عن تحالفات للخروج من حصر علاقتهم مع الغرب، فهل يكون المزيد من التقارب مع إيران هو أحد السبل، استناداً إلى بيان بكين باستعادة العلاقات بين الرياض وطهران؟

اليوم التالي للقمّة العربية سيشهد قمّة منظمة التعاون الإسلامي التي سيحضرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. فهل يتبنّى الأخير نصّ قرار القمّة العربية حول حلّ الدولتين، لتكريس التقارب مع الدول العربية الرئيسة؟

مواضيع ذات صلة

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…