إيران: نرجس محمّدي.. آخر معارك الملالي؟

مدة القراءة 4 د


نرجس محمدي (51 عاماً) محكوم عليها بثماني سنوات سجن، والسبب أنّها تصرّ على عدم ارتداء غطاء الرأس الخاصّ بالنساء والمسمّى “حجاباً”.
الحائزة جائزة نوبل وهي في السجن ليست ضحيّة سوء فهم بقدر ما هي رمز لكفاح، يقع خارج أنواع الكفاح المعروفة والسائدة في عالمنا اليوم.
لقد تجاوزت البشرية الحكاية الإيرانية التي تميّز بين الرجل والمرأة بطريقة عنصرية، ظاهرها أحكام  منسوبة إلى الدين وباطنها نظام ذكوري يعامل المرأة باعتبارها كائناً أدنى درجة من الرجل ويفرض عليها أن تلتزم ما يُفرض عليها من ملبس.

المرأة ومفاتيح المجتمع
بعد مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، للسبب نفسه، لم يسعَ النظام إلى عقد هدنة مخادعة مع النساء اللواتي خرجن بتظاهرات غاضبة لمقتل الشابّة التي اُتّهمت بالتحريض على التعدّي على الأخلاق العامّة بسبب إصرارها على عدم ارتداء “الحجاب” بالطريقة اللازمة، بل كان يكشف بعضاً من شعرها. بل لجأ هذا النظام إلى ممارسة كلّ أنواع القمع من أجل إعادة النساء إلى حظيرته.
غير أنّ النظام المتخلّف الذي يحكم إيران منذ أكثر من أربعين سنة في إطار دولة ثيوقراطية رثّة وبالية، لم يدرك حقيقة أنّ النساء اللواتي تظاهرن احتجاجاً على مقتل أميني يملكن مفاتيح المجتمع الذي بقي ينأى بنفسه بعيداً عن إملاءات رجال الدين الذين انصبّ همّهم على إحياء مفاهيم الذكورة من خلال القوّة العسكرية التي كان الحرس الثوري يمثّل القوّة الضاربة التي تحمي النظام من أعدائه.

الحائزة جائزة نوبل وهي في السجن ليست ضحيّة سوء فهم بقدر ما هي رمز لكفاح، يقع خارج أنواع الكفاح المعروفة والسائدة في عالمنا اليوم

العدوّ الأكثر خطراً
إذا كان النظام قد اتّجه بحرسه الثوري لضرب معارضيه في الداخل ممَّن حاولوا أن يبيّضوا صفحته من الإصلاحيين، من خلال إعلانهم النأي بأنفسهم عن التيار السياسي المتشدّد من غير المسّ بسلطة الوليّ الفقيه المستلهَمة من وكالته للإمام الغائب، فإنّه اكتشف أنّ هناك عدوّاً أكثر خطراً على مستقبله. ذلك لأنّه يضع الحرّية والكرامة الإنسانية شرطين للتفاوض معه. كانت نساء إيران اللواتي خرجن “على الطاعة الذكورية” هنّ ذلك العدوّ الذي لا يمكن اعتقاله بيسر. ففي كلّ بيت إيراني شيء منه، شيء يمكن أن ينشر عدواه.
من المعروف أنّ النظام الإيراني لا يعترف بشرعة حقوق الإنسان. فهي من وجهة نظره مجرّد لائحة “وضعية” تتعارض مع شريعته الدينية. كما أنّه لا يهتمّ كثيراً باحتجاجات الرأي العامّ العالمي.
يُقال إنّ الخميني حين عرف في السنة الأولى من حكمه أنّ هناك احتجاجات عالمية على المحاكم التي كان يجريها المدّعي العام صادق خلخالي في الشوارع لمعارضي النظام، قال: “فلنعدمهم من غير محاكمات”. أمّا مع المرأة، وهي كائن لا يملك مكانة معتبرة من وجهة نظر النظام الإيراني، فإنّ الأمور ستكون أسوأ. لذلك قُتلت مهسا أميني واعتقلت مئات النسوة، من بينهنّ نرجس محمدي التي حُكم عليها بثماني سنوات كما لو أنّها ارتكبت جريمة.

إيران النساء المتحرّرات
حتى بعد منحها جائزة نوبل للسلام فإنّ النظام لم يتراجع عن موقفه. فهو إن فعل ذلك فسيكون كمَن يعترف بخطئه وسيسمح لملايين النسوة في إيران بأن يصنعن أفلاماً توثّق لحظة تخلّصهنّ من غطاء الرأس، وهي لحظة تاريخية من شأنها أن تقدّم إيراناً أخرى إلى العالم.

حتى بعد منحها جائزة نوبل للسلام فإنّ النظام لم يتراجع عن موقفه. فهو إن فعل ذلك فسيكون كمَن يعترف بخطئه

هي “إيران النساء” المتحرّرات من هيمنة النظام الذكوري الذي اتّخذ من الدين واجهة لجريمة التمييز ضدّ النساء. من المؤكّد أنّ نظام الوليّ الفقيه اعتبر جائزة نوبل جزءاً من المؤامرة، والقوّة الناعمة، التي تهدف إلى زعزعته وتشجّع الإيرانيين والإيرانيات على المضيّ في طريق الاحتجاج السلمي التي سيكون عنوانها هذه المرّة امرأة اسمها نرجس محمدي. وهي ليست زعيمة سياسية بل هي واحدة من بنات شعب يسعى إلى استعادة حرّيته وكرامته الإنسانية.

معركة وجود ومصير
نرجس محمدي واحدة من نساء إيران المقاتلات من أجل الحرّية. وهي تقدّم صورة عن المجتمع المدني الذي ما يزال على الرغم من هيمنة الحرس الثوري يقاوم الدولة الثيوقراطية بكلّ شروطها المتخلّفة. نساء إيران يقفن على الجبهة التي هُزم فيها المعتدلون. غير أنّ المعركة اليوم مختلفة. فالمرأة لا تُقاتل بأدوات سياسية، وهي موجّهة أصلاً في اتجاه هيمنة رجال الدين وفي مقدَّمهم الوليّ الفقيه. إنّها معركة وجود ومصير. انتصار المرأة في تلك المعركة معناه نهاية الدولة الثيوقراطية ، وهو ما يعني نهاية وصاية الوليّ الفقيه. وهي لذلك معركة النظام الأخيرة. والأرجح أنّ النظام لن يحسمها لمصلحته. فهو يواجه للمرّة الأولى المجتمع الإيراني الذي تجسّد المرأة مثله الأعلى.

إقرأ أيضاً: هل رأيت دمعة تسير؟

هل تكون نرجس محمدي قدوة الإيرانيين في النضال الناعم؟

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…