يغرق الجيش الإسرائيليّ يوماً بعد يوم في مُستنقع غزّة. لم يخطُر ببال قيادته العسكريّة أن يجرؤ عناصر حماس على امتطاء دبّابة الميركافا، فخر الصّناعة العسكريّة، وزرع العبوات النّاسفة على برجها أمام عدسات الكاميرا، ولا أن يُقتل 14 جنديّاً بصاروخ موجّه على عربة “النّمر”، الأكثر تطوّراً بناقلات الجُندِ الإسرائيليّة.
كثيرةٌ هي التطوّرات العسكريّة التي تجعل من الميدان الغزّيّ محطّ أنظار المراقبين وأهل الاختصاص من الخبراء العسكريين. هُناك يخوضُ الفلسطينيّون معركة غير مُتكافئة مع واحدةٍ من أعتى الآلات العسكريّة على وجه الأرض. قراءة المعركة البريّة والوضع الميدانيّ في قطاع غزّة كانت محوَر حديث “أساس” مع الخبير العسكريّ السّعوديّ اللواء الدّكتور محمّد بن صالح الحربيّ.
حرب لا تماثليّة
اعتبَر اللواء الحربيّ أنّ الحربَ التي تشنّها إسرائيل على حماس تُطلق عليها “حرب لا تماثليّة”. إذ استخدمَ الجيش الإسرائيليّ، بضوء أخضر أميركيّ، كلّ أنواع الأسلحة، مدعومةً بجسرٍ جوّيّ وحاملات طائرات وقوّات برمائيّة وقطعٍ بحريّة تُغطّي العمليّات الإسرائيليّة.
كانت الضربات في البداية على مناطق الشّمال في القطاع، وتحديداً جباليا وبيت حانون من الجوّ والبرّ والبحر، تزامناً مع حصارٍ مُطبق يمنع الماء والكهرباء والوقود واستهداف المشافي والمدنيين بشكلٍ مُتعمّد، وتحديداً الأطفال والنّساء، وقصف البيوت على ساكنيها.
أضاف اللواء الحربيّ لـ”أساس” أنّ ما يُرتكب هي جرائم ضدّ الإنسانيّة “مُكتملة الأركان” وفق اتفاقية جنيف والبروتوكول الإضافي الأول والبروتوكول الثاني واتفاقية روما المنظّمة لمحكمة الجنايات الدولية.
وقال: “المسار العسكريّ بدأ مع حربٍ إعلاميّة إسرائيليّة، وما يزال بنيامين نتانياهو يتنصّل من المسؤولية، وهو يهرب دائماً إلى حافة الهاوية يريد حصد المزيد من القتلى والتهجير ليهربَ ممّا ينتظره من محاكمات جنائية، ومُحاكمات آتية بسبب “تقصيره” على غرار ما حصلَ مع إيهود أولمرت بعد حرب 2006 مع لبنان ومناحيم بيغن”.
قال الحربيّ إنّ الولايات المُتحدة كبحت جماح العمليّة البرّية 5 مرّات تحت حجّة حماية الأسرى. ولئن كان هناك قوة ضاربة لدى الجيش الإسرائيليّ، لكنّ هناك تصدّياً من المقاومة، وخاصة ما يطلق عليه حرب المدن
تابع الحربي: “هناك خلاف داخل إسرائيل حول ملفّ الأسرى، بدأ يطغى على الساحة، كما انكشَف زيف الآلة الإعلامية الإسرائيلية بعد فضحها من قبل الكثير من الشرفاء، عدا عن التظاهرات الكبيرة في الدول الأوروبية وداخل أميركا اعتراضاً على سير العملية وعلى دعم إسرائيل بالأسلحة والذّخائر الفتّاكة مثل القنابل الارتداديّة MK 83 وMK 84”.
أميركا كبحت إسرائيل
قال الحربيّ إنّ “الولايات المُتحدة كبحت جماح العمليّة البرّية 5 مرّات تحت حجّة حماية الأسرى. ولئن كان هناك قوة ضاربة لدى الجيش الإسرائيليّ، لكنّ هناك تصدّياً من المقاومة، وخاصة ما يطلق عليه حرب المدن. هم ضالعون وعارفون، وهذا الجيل الثاني من حماس يعرف إدارة المعركة وإدارة الحروب. عمليّاً، هذه العملية حتى الآن أثبتت ضعف وعدم قدرة إسرائيل وعدم وثوق الولايات المتحدة الأميركية بقدرة الجيش الإسرائيلي العسكرية، وهو ما دعاها إلى التدخّل لإنقاذ قاعدتها الاستراتيجية المتقدّمة”.
بالنسبة لوضع حماس والفصائل الفلسطينيّة، أكّد الخبير السّعوديّ أنّ كتائب القسّام، الجناح العسكريّ لحماس، اكتسبت خبرات وصفها بـ”غير طبيعية” منذ حرب الـ 51 يوماً في 2014، وقال: “حماس لديها 500 كلم من الأنفاق المُحصّنة تحت الأرض، و1,000 نقطة متفرّعة، وصواريخ يبلغ مداها 250 كلم، وأخرى طالت مطار بن غوريون وشمال وجنوب تل أبيب”.
استرسل اللواء الحربيّ في الشّرح، ووصل إلى الحزب الذي بدأ يفتح جبهة جنوب لبنان للتخفيف عن حماس وقال: “معروف أنّ الحزب يمتلك 150 ألف صاروخ، منها صواريخ سكود يصل مداها إلى 700 كلم، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة والدول الغربيّة تقلق، وأمّا نتانياهو فلا يعنيه أيّ أمر، لأنّه ساقط وطموحه السياسي انتهى، وهو مجرم حرب لا يعنيه الأمر وسيدخل السجن من قبل الآلة اليهودية وليس من قبل المجتمع الدولي الفاشل النائم”.
إقرأ أيضاً: اللواء عريقات لـ”أساس”: النعوش الإسرائيلية ستحسم الحرب..
رأى الحربيّ أنّ أهل غزّة يضربون أروع الأمثال في تاريخ الصّمود والبقاء: “أكثر من 29 يوماً وهم يتلقّون ضربات في منازلهم، وأكثر المستشفيات صارت خارج المنظومة الصحية وأصبحت مقابر جماعية وهُجِّرَ نحو مليون من الشّمال إلى الجنوب، وما يزالون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلا خبز ولا طعام ولا أدوية، وإن بدأ الآن جزئياً فتح المعابر لإرسال المساعدات الإنسانية والإغاثية”.
أعرب اللواء السّعوديّ عن خشيته من توسّع حرب غزّة نحوَ الإقليم، وهذا ما بدأت آثاره تظهر في العراق وجنوب لبنان وجبهة الجولان، واستهداف القوات الأميركيّة في شرق الفرات، وقاعدة الحرير في أربيل، وقاعدة عين الأسد، والصّواريخ التي تعبر البحر الأحمر ويعلن عنها الحوثيون. هذه الإرهاصات مُمكن أن تتحوّل بحسب الحربي إلى حربٍ إقليميّة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@