“فرص الحرب والسلم متعادلة” في فلسطين، هذا ما قاله موفد الرئيس الأميركي أموس هوكستين خلال زيارته لبنان. هذا التعادل تتسابق ضفّتاه بحسب تطوّرات الميدان. والثّابت أنّ الميدان يفرض إيقاعه على المُفاوضات. لكن بحسب المبعوث الرّئاسيّ الأميركيّ فإنّ “الضّروريّ هو ضبط هذا الميدان الذي قد يتمدّد إلى المنطقة برمّتها”.
في هذا السياق تسعى واشنطن، بحسب ما كشفت لـ”أساس” مصادر دبلوماسيّة غربيّة مواكبة لزيارة هوكستين، إلى إعلان هدنة إنسانيّة في غزّة قبل حلول يوم السّبت، موعدَ انعقاد القمّة العربيّة في الرياض، التي ستليها قمّة إسلاميّة في اليوم التالي، الأحد في العاصمة السّعوديّة.
تعتبر واشنطن أنّ هذه الهدنة ستُخفّف من لهجة البيانيْن العربيّ والإسلاميّ. إذ سيُشكّل البيانان المُنتظران ضغطاً كبيراً على إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن، خصوصاً أنّ دول الخليج العربيّ، ومصر والأردن، إضافةً إلى تُركيا، تعتبر شركاء استراتيجيين للولايات المُتحدة.
هوكستين الذي كانَ ينتظره اللبنانيّون مُسعفاً للاقتصاد النّفطي، جاءَ هذه المرّة مبعوثاً سياسيّاً. في لقاءاته حضرَت السّياسة فقط وغابَ النّفط ومُشتقّاته
المعارك الدائرة على الحدود بين لبنان وإسرائيل تشكّل عاملاً ضاغطاً إضافياً. وبحسب معلومات “أساس”، فإنّ استهداف الجيش الإسرائيليّ سيارة مدنيّة في عيناتا، بقضاء بنت جبيْل، واستشهاد ثلاث طفلات وجدّتهم، والخشية من تصاعد دائرة الصراع هناك، دفعَ إلى تقديم موعِد القمّة الإسلاميّة إلى يومِ الأحد، وذلك خشية تدهور الأوضاع في جنوب لبنان وامتدادها إلى ما هو أبعد من جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
زادت هذه الظروف من قوّة الموقف العربيّ الذي تقوده المملكة العربيّة السّعوديّة، لتعزيز البيان العربيّ بآخر إسلاميّ يُشارك فيه رئيسا إيران إبراهيم رئيسي وتركيا رجب طيّب إردوغان. في محاولة للتوجّه إلى الأميركيين باسم 300 مليون عربي، وباسم 1.5 مليار مسلم، بأن: “تعالوا واضبطوا جنون بنيامين نتانياهو وآلة حرب حكومته الإسرائيليّة”.
جدول أعمال هوكستين
بحسب المصادر الدبلوماسيّة الغربيّة المواكبة لزيارته، نقل الضيف الأميركي الرسائل التالية:
1- كرّر دعوة الإدارة الأميركيّة لبنان إلى عدم دخول الحرب القائمة بين حركة حماس والجيش الإسرائيليّ في قِطاع غزّة. وذكرَ أمام من التقاهم أنّه إذا فُتِحَت الجبهة بين لبنان وإسرائيل بشكلٍ واسع، فهذا يعني أنّ “الأمور ستتدحرج فوقَ العادة وستكون المنطقة برمّتها أمام حربٍ واسعة من صنعاء إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق”.
قال إنّ نشوبَ حربٍ واسعة بين الحزب وإسرائيل يعني دماراً واسعاً في كِلا البلديْن، إذ تُدرك واشنطن أنّ القدرة النّاريّة والقتاليّة للحزبِ تختلف كثيراً عمّا تمتلكه حركة حماس في قطاع غزّة. كذلكَ فإنّ إسرائيل لن تكتفي بضربِ أهدافٍ في مناطقَ محدّدة كما حصلَ في حرب تمّوز.
2- شدّدَ المبعوث الأميركيّ في لقاءاته على ضرورة تطبيق القرار 1701، خصوصاً ما يتعلّق بوقف الأعمال الحربيّة وانسحاب الحزب إلى منطقة شمال نهر الليطاني. وسمِعَ في لقائه مع رئيسَي مجلس النواب ومجلس الوزراء نبيه برّي ونجيب ميقاتي واللواء المتقاعد عبّاس إبراهيم أنّ الجانب الإسرائيليّ هو الذي يخرق القرار 1701 منذ لحظة إقراره في آب 2006، وأنّ الدعوة إلى تطبيق القرار الأممي ينبغي أن تُوجّه إلى تل أبيب قبل بيروت.
اللافت أنّ “المُستشار الرّئاسيّ الأميركيّ”، الذي كان يأتي إلى لبنان بصفته “كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي”، ضمن نطاق مفاوضات الترسيم البحري النفطي بين لبنان وإسرائيل، لم يتطرّق في زيارته إلى موضوع النّفط والغاز، لا من قريب ولا من بعيد
3- كانَ لافتاً في جولة هوكستين أنّه لم يأتِ على ذكر اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل. وهذا يؤكّد أنّ واشنطن تحاول قدر الإمكان إبعاد هذا الملفّ عن أيّ محاولة لتجييره في الحرب القائمة جنوب فلسطين المُحتلّة، حيث قطاع غزّة، وعلى حدودها الشّماليّة مع لبنان.
كذلك لم يُفاتح الوسيط الأميركيّ أيّاً من المسؤولين اللبنانيين بملفّ الحدود البرّيّة، التي كانت على سُلَّم أولويّاته قبل صباح 7 أكتوبر (تشرين الأوّل)، حينَ أطلقت حركة “حماس” عمليّة “طوفان الأقصى”.
4- كانت “الهدنة الإنسانيّة” وملفّ الأسرى حاضرَيْن في لقاء هوكستين مع اللواء إبراهيم. وقد شدّدَ المبعوث الأميركيّ على اهتمام بلاده بالوصول في أسرع وقتٍ مُمكن إلى هدنة إنسانيّة تضمن إفراج حركة حماس عن بعض الأسرى المدنيين من حمَلة الجنسيّة الأميركيّة.
زيارة “غير نفطيّة”؟
اللافت أنّ “المُستشار الرّئاسيّ الأميركيّ”، الذي كان يأتي إلى لبنان بصفته “كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي”، ضمن نطاق مفاوضات الترسيم البحري النفطي بين لبنان وإسرائيل، لم يتطرّق في زيارته إلى موضوع النّفط والغاز، لا من قريب ولا من بعيد.
إقرأ أيضاً: غزّة أمام قمّة الرياض: قوّات عربيّة؟
هوكستين الذي كانَ ينتظره اللبنانيّون مُسعفاً للاقتصاد النّفطي، جاءَ هذه المرّة مبعوثاً سياسيّاً. في لقاءاته حضرَت السّياسة فقط وغابَ النّفط ومُشتقّاته. غيّبَ في أحاديثه ما أنجزه في التّرسيم البحريّ. لكنّه تعاطى مع انفجار المنطقة كعارف مُلمٍّ باللبنانيين وطرائق تفكيرهم. همّه السّياسيّ انحصَرَ في محاولة ضبط دائرة النّيران التي تحرق غزّة.
كانَ أداؤه أفضل من أداء وزير خارجيّة بلاده أنتوني بلينكن. كلاهما يهوديّ. هوكستين تصرّفَ كأميركيّ يُمثّل مصالح دولة عُظمى. بلينكن جاءَ بهويّة دينيّة وانحيازٍ أعمى إلى إسرائيل فألهبَ المنطقة. لكنّ الاثنين ينحازان إلى إسرائيل، كما إدارتهما الواحدة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@