بدء حقبة قاآني


لم تكد تمرّ ساعات قليلة على ورود أنباء عن هجوم حركة حماس على غلاف غزّة حتى كان البيت الأبيض ومسؤولون إسرائيليون يعلنون أنّه لا يوجد دليل قاطع على أنّ إيران تقف وراء العملية، على الرغم من معرفتهم أنّ إيران تسعى إلى الانتقام لاغتيال علمائها النوويين وقادة عسكريين من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.

الناطق باسم النفوذ الإيراني
الأمين العام للحزب حسن نصرالله، الناطق باسم النفوذ الإيراني في المنطقة والأقرب إلى توجّهات طهران، أعلن أنّ إيران والحزب لم يكونا على علم بالعملية، وإنّما القرار كان فلسطينياً بحتاً من قبل حماس. قد لا يكون الحزب على علم بساعة الصفر لانطلاق العملية، لكنّ فتح جبهة الجنوب في اليوم التالي بشكل مضبوط وإعلانها جبهة “مساندة” دليل على أنّ الحزب كان على علم بالتوجّه العامّ ، وقد يكون هذا ما وعدت به إيران والحزب حركة حماس خلال الاجتماعات التي عُقدت في الصيف في طهران وبيروت في حال اندلعت مواجهة واسعة مع إسرائيل.
في السنوات الأخيرة نجحت الاستخبارات الإسرائيلية بتوجيه ضربات قاسية ومهينة داخل إيران استهدفت علماء إيرانيين يعملون في برنامج إيران النووي، إضافة إلى منشآت نووية إيرانية. فمنذ عام 2010، يُعتقد أنّ إسرائيل اغتالت 6 علماء إيرانيين في عمليات كانت آخرها عملية اغتيال محسن فخري زاده في تشرين الثاني 2020، الذي يعتبر أحد العقول المدبّرة وراء البرنامج النووي الإيراني. وتعرّضت المنشآت العسكرية المعنيّة بتطوير الصواريخ والبرنامج النووي لهجمات اتّهمت إيران إسرائيل بأنّها تقف وراءها. وكانت آخر هذه العمليات في نيسان 2021 حين وقع انفجار في منشأة نطنز. شكّل اغتيال العلماء الإيرانيين داخل إيران واستهداف منشآت عسكرية حسّاسة إهانة كبيرة للأجهزة الأمنيّة الإيرانية لفشلها في منع الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي الواسع داخل إيران.

أدرك الجنرال إسماعيل قاآني الذي تولّى قيادة فيلق القدس بعد سليماني ضرورة العمل على استعادة المبادرة ورفع معنويات وكلاء إيران في المنطقة

نجحت إسرائيل أيضاً في إحباط عمليات كانت تسعى إلى ضرب أهداف يهودية وإسرائيلية حول العالم تقول تل أبيب إنّ طهران كانت تقف وراءها. الإحراج والعجز عن الانتقام الإيرانيان كانا أكثر وضوحاً بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في الثالث من كانون الثاني عام 2020 بواسطة غارة جوّية أميركية استهدفت موكبه قرب مطار بغداد الدولي في العراق. كان الردّ الإيراني خجولاً، واستهدف قاعدة عسكرية أميركية في العراق. ولكنّ حجم الردّ لم يتناسب مع حجم الخسارة الإيرانية. توعّدت طهران بالانتقام من أميركا وإسرائيل. إذ أنّ اغتيال سليماني شكّل نقطة تحوّل في التفكير الإيراني بالانتقام، فكان القرار بتوجيه ضربة إلى الداخل الإسرائيلي.

قاني يستعيد المبادرة
أدرك الجنرال إسماعيل قاآني الذي تولّى قيادة فيلق القدس بعد سليماني ضرورة العمل على استعادة المبادرة ورفع معنويات وكلاء إيران في المنطقة. وهو الذي كان نائباً لسليماني، ولعب دوراً كبيراً في توسيع نفوذ إيران في العراق وأفغانستان. فبدأ بتركيز العمل على حلّ التباينات بين حلفاء إيران في المنطقة، واستعادة الحماوة مع الفصائل الفلسطينية بعدما ساءت هذه العلاقات بسبب دعم إيران والحزب لنظام بشار الأسد.
نجح قاآني الذي يعتمد أسلوباً أقلّ ظهوراً في العلن مقارنةً بسليماني، وتحيط السرّية الكثير من تفاصيل حياته وعمله، في إصلاح علاقة حركة حماس مع نظام الأسد وإن كانت العلاقات ما تزال فاترة. ففي تشرين الأول 2022، التقى الأسد وفداً من حركة حماس في تطوّر أملت الحركة أن “يطوي صفحة” الماضي بعدما أعلن قادة حماس حينها دعمهم للاحتجاجات التي خرجت عام 2011 ضدّ حكم الأسد، وأخلوا مقارّهم في 2012 في خطوة أثارت غضب الحليف المشترك إيران.

إقرأ أيضاً: واشنطن: على إيران أن تختار بين بشّار أو محمّد ضيف

استغلّت طهران أيضاً مقاطعة عدد كبير من الدول العربية لحماس، فقرّرت استئناف الدعم المادّي والعسكري بشكل غير مسبوق. ومن الطبيعي أن يقود نصرالله رغبة طهران بتوحيد الجهود من قبل “محور المقاومة”، فأعلن نصرالله “وحدة الساحات”. وعلى الرغم من عدم توجيه الاتّهام المباشر إلى طهران من قبل واشنطن وتل أبيب، إلا أنّ الطرفين يحمّلان إيران المسؤولية المعنوية بسبب دعمها لحماس، وواضح أنّ طهران لا تمانع ذلك، وتستطيع القول اليوم إنّها نجحت في نقل الصراع إلى داخل إسرائيل بعد سلسلة من النكسات الأمنيّة. ومنذ انطلاقة الثورة الإيرانية يتّهم الغرب وإسرائيل إيران بأنّها أكبر دولة راعية للإرهاب. ومع ذلك، تجنّبت هذه الدول دخول مواجهة عسكرية مع طهران مفضّلةً سلاح العقوبات والعمليات النوعية الاستخباراتية. وصلت الرسالة إلى قادة إسرائيل، وإذا لم توجّه إسرائيل ضربة عسكرية لطهران بعد عملية 7 أكتوبر، فإنّها تكون بذلك قد أقرّت بقواعد الاشتباك الجديدة مع طهران التي تفضّل المواجهة من خلال وكلائها في المنطقة. بعد ثلاث سنوات على تولّيه قيادة فيلق القدس، يستطيع قاآني أن يدخل مكتب سليماني، ويجلس على كرسيه، ويقول: الأمر لي، وتكون بذلك حقبة قاآني في قيادة نفوذ إيران في المنطقة قد بدأت.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@

مواضيع ذات صلة

لبنان ضحيّة المفهوم الخاطئ للانتصار!

يُخشى تحوّل لبنان ضحيّة أخرى للمفهوم الخاطئ للانتصار، وهو مفهوم رائج لدى قسم كبير من الأنظمة السياسية في المنطقة. ليس مفهوماً إلى الآن كيف يمكن…

“علوّ اليهود في الأرض”.. كيف نواجهه؟

“إعصار البايجر” هو النقطة الفاصلة في هذه الحرب، الإسنادية في شكلها، الاستنزافية في جوهرها. هو ليس تفصيلاً بسيطاً، بل رأس الجبل من تجويف خطير لخطاب…

بزشكيان ابن مهاباد يفعّل كرديّته في العراق !

لا تطلب إيران المساعدة من أحد لمعالجة مشاكلها الداخلية والخارجية، لكنّها لا تتردّد في فرض خدماتها على الآخرين في الإقليم.   قرار الرئيس الإيراني مسعود…

نكسة لبنان الرقمية

هل يمكن، بالمعنى العسكري، إلحاق الهزيمة بإسرائيل، من طرف “حزب الله”، أو حتى الأم الراعية، إيران، ناهيك، حتى لا ندخل في دائرة المزح، من طرف…