وزير العدل لـ “أساس”: على “الحاكِم” أن يتنحّى فوراً!

مدة القراءة 7 د

تُسابق التطوّرات القضائية الأوروبية المتسارعة المسار السلحفاتيّ، المشوب بالخفّة، لحكومة نجيب ميقاتي في التعاطي مع مذكّرة التوقيف الدولية الصادرة عن الإنتربول بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بموجب طلب فرنسي. إذ عاجَل القضاء الألماني أمس الحكومة اللبنانية، المَعنيّة بشكل أساس بتحديد مصير حاكم معيّن بمرسوم بمجلس الوزراء، بإصدار مذكّرة توقيف هي الثانية بحقّه.

تحذيرات وزير العدل

الحكومة التي تملّصت من معالجة تداعيات مذكّرة التوقيف الفرنسية بحقّ سلامة وحدّدت موعداً لجلسة لمجلس الوزراء لا أثر لملفّ سلامة على جدول أعمالها، لم تأخذ بتحذيرات وزير العدل هنري خوري خلال لقاء السراي “التشاوري” من “صدور المزيد من الدعاوى ومذكّرات التوقيف بحقّه في عدّة دول أوروبية”، التي دعا فيها إلى تجاوز كلّ المعوّقات القانونية التي قد تحول، برأيه، دون أخذ الحكومة القرار بالإقالة، و”أخذ القرار بتنحيته فوراً أو إقالته، إذا لم يتنحّ من تلقاء نفسه. وإذا طَعَن سلامة بالقرار أمام مجلس الشورى تكون الحكومة أقلّه قد قامت بواجباتها البديهية خلال المدّة الفاصلة عن نهاية تموز، لأنّ بقاء الحاكم الملاحَق دولياً في مهامّه يوماً واحداً أمرٌ غير جائز”.

يُقرّ الوزير خوري لـ “أساس” بأنّه “طلب تجاوز العوائق القانونية للإقالة التي فنّدها خلال الجلسة، وهذا ليس تشبيحاً أبداً، بل يأتي ضمن سياق دفع حاكم مصرف لبنان إلى التنحّي وطرح مسألة الملاءمة

مزيد من مذكّرات التوقيف

وَصَف أحد المشاركين في الجلسة التشاورية موقف وزير العدل بـ “التشبيح القانوني” لأنّه يدعو صراحة إلى عدم الالتزام بما تنصّ عليه المادة 19 من قانون النقد والتسليف لجهة الحالات التي تحدِّد إقالته من الحاكمية.

لكنّ وزير العدل يؤكّد لـ “أساس”: “لقد حصل ما حذّرت منه، وقد تكرّ السبحة بإصدار المزيد من مذكّرات التوقيف، وهو ما سينعكس بشكل سلبي جدّاً على الوضع الداخلي ووضع مصرف لبنان والمسار المالي ككل وتعاطي مصارف المراسلة معنا إذا بقي الحاكم في موقعه من دون أخذ قرار حاسم بحقّه”.

السؤال الفعليّ هو الآتي: “هل تكتفي حكومة ميقاتي بمناقشة ملف رواتب القطاع العام وبنود أخرى حياتية في جلسة الجمعة بعد مراكمة سلامة مذكّرتَي توقيف دوليّتين بحقّه واحتمال صدور مذكّرات أخرى من بلجيكا وسويسرا؟ وكيف سيتعاطى ميقاتي مع الضغط الوزاري والنيابي لتنحّي سلامة أو تنحيته قبل نهاية تموز؟”.

ركاكة حكوميّة

ما حصل بعد انتهاء اللقاء التشاوري يوم الإثنين وصدور بيان غير مُتوافَق عليه بين الوزراء وتأكيد ميقاتي في المقابل وجود إجماع عليه، ثمّ إصدار وزير العدل بياناً “مضادّاً” يؤكّد من خلاله “رفض وضع الكرة في ملعب القضاء اللبناني”، مطالباً “بالتعاطي مع ملفّ رياض سلامة انطلاقاً من المذكّرة كي يبنى على أساسها المقتضى، وتحديداً مطالبة سلامة بالاستقالة”، كلّ ذلك يؤكّد الركاكة الحكومية ومحاولات التهرّب من أخذ موقف صريح من ملفّ سلامة.

لستُ شبّيحاً

يُقرّ الوزير خوري لـ “أساس” بأنّه “طلب تجاوز العوائق القانونية للإقالة التي فنّدها خلال الجلسة، وهذا ليس تشبيحاً أبداً، بل يأتي ضمن سياق دفع حاكم مصرف لبنان إلى التنحّي وطرح مسألة الملاءمة. بمعنى هل يمكن لبنان تحمّل تداعيات وارتدادات إصدار مذكّرة توقيف دولية بحقّ حاكم مصرف لبنان؟ وهل يمكن لأيّ حكومة في العالم أن تدير ظهرها ولا تتحمّل مسؤوليّاتها أمام خيارات بديهية هي الاستقالة أو الإقالة؟ وهل لدينا حجّة قانونية أهمّ من مذكّرة توقيف مُعمّمة على 195 دولة، وتلتها مذكّرة ثانية عن الادّعاء الألمانيّ؟”.

يضيف خوري الذي تقاطع مع نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وعدّة وزراء على المطلب نفسه: “على الحاكم أن يتنحّى فوراً حتى صدور القرار  القضائي بحقه عن النيابة العامّة التمييزية”،  قائلاً: “لا يمكن لشخص فقد مصداقيّته ومطلوب دولياً أن يبقى في موقع حسّاس كهذاو”سَارِح” يقوم بمعمله كأنّ شيئاً لم يحصل… ما حدن بدّو نقرّب صوبه”.

يوضح وزير العدل: “فوجئت بأنّ سلامة لا يريد التنحّي. شو بدّو أوقف على خاطره؟ أنا الحكومة وليس هو. لقد انقلبت الأدوار وهذا يضرّ بالبلد والحكومة”، مسلّماً بأنّ “هناك قراراً سياسياً بترك الأمور إلى حين نهاية ولاية الحاكم تحت حجّة انتظار حكم القضاء، فيما الفترة القليلة الباقية ليست كافية إطلاقاً لصدور حكم قضائي. هذا شرط تعجيزي يقف أمام مسار العدالة”.

تفيد معلومات “أساس” بأنّ نصائح “محلّية” وُجّهت إلى ميقاتي بعدم الاستمرار بتغطية حاكم مصرف لبنان وترك الرئيس نبيه بري، ومن خلفه ضمناً حزب الله، في الميدان حاملين سلاح الدفاع عن بقاء رياض في الحاكمية حتى نهاية تموز

إجماع… لا إجماع

تكشف معلومات “أساس” أنّه قبل انتهاء اجتماع السراي يوم الإثنين تمّ الاتّفاق على عدم صدور بيان، لكنّ ميقاتي تراجع عن الاتفاق وطلب تسطير بيان مقتصب أضاف فيه عبارة أغضبت وزير العدل تنصّ على تكليف الأخير المتابعة والملاحقة مع القضاء اللبناني لتسريع بتّ ملفّ سلامة (قبل نهاية ولايته). أُزيلت لاحقاً هذه العبارة بسبب تضاربها الصارخ مع مبدأ فصل السلطات. لكن مع ذلك، أصرّ خوري على إصدار بيان ردّ مضادّ.

يقول خوري: “العديد من الوزراء أيّدوني في عدم صدور بيان، ثمّ فوجئت بميقاتي يتحدّث عن إجماع لم يحصل على مضمون البيان. لقد حاولوا “ياخدونا باللفّة”.

نصائح لميقاتي

عملياً، لم يخرج اجتماع يوم الإثنين الوزاري في السراي عن المسار الذي كان موقع “أساس” أوّل من كَشَف عنه، على الرغم من التسريبات المضادّة، حين أكّد استحالة أخذ حكومة نجيب ميقاتي القرار بإقالة سلامة من موقعه.

تفيد معلومات “أساس” بأنّ نصائح “محلّية” وُجّهت إلى ميقاتي بعدم الاستمرار بتغطية حاكم مصرف لبنان وترك الرئيس نبيه بري، ومن خلفه ضمناً حزب الله، في الميدان حاملين سلاح الدفاع عن بقاء رياض في الحاكمية حتى نهاية تموز.

آثر ميقاتي المرتبك جدّاً والخائف من كرة نار قد تزيد الاحتقان الأوروبي والدولي بوجه حكومته، بالتنسيق مع الثنائي الشيعي ووليد جنبلاط، مسك العصا من الوسط: رمي الكرة في ملعب القضاء “عبر الالتزام المطلق بما يقرّره”، بهدف كسب الوقت، وبعدها يأتي دور الحكومة في أخذ القرار بالإقالة في الوقت الذي يكون فيه سلامة يحضّر أغراضه لمغادرة مكتبه نهائياً.

 

سقوط خيار التعيين  

الأهمّ أنّ تعيين بديل لسلامة بالأصالة بات خياراً ساقطاً بسبب وقوف الثنائي الشيعي صراحة ضدّه وانقسام المعسكر المسيحي حياله: سمير جعجع مع تعيين بديل فوراً عن سلامة وجبران باسيل ضدّ تعيين حاكم الآن ريثما يرتّب أموره كي يكون “كبير المفاوضين” ليس فقط على ملعب الحاكمية، بل أيضاً في قيادة الجيش والمواقع المسيحية الأساسية في الدولة.

إقرأ أيضاً: هل يزور برّي سوريا؟

مسار تنفيذ المذكّرة

ما هو المسار القانوني المفترض أن يَسلكه القضاء في لبنان بعد صدور مذكّرة التوقيف الفرنسية ثمّ الألمانية بحقّسلامة؟

في جلسة مثول سلامة اليوم أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، بتكليف من القاضي عويدات، والتي تبلّغ بموعدها وفق الأصول، في مقابل “التفاف” القضاء اللبناني عبر قاضي التحقيق الاول شربل ابو سمرا لعدم تبليغ الحاكم بجلسة 16 أيار في باريس، سيستجوب قبلان حاكم مصرف لبنان وفق المواد الجرمية الواردة في النشرة الحمراء إنفاذاً لمذكرة الانتربول. ومن ثم يتركه القاضي قبلان رهن التحقيق بعد سحب جوازيّ سفره اللبناني والفرنسي، ثم  يراسل القضاء الفرنسي  من خلال وزارة العدل ثم الخارجية لتسلّم نسخة من ملف الاسترداد للاطّلاع على حيثياته وإعداد مطالعته، مع العلم أنّ الجواب الفرنسي كما الالماني يصل عبر القناة نفسها.   

توضح مصادر قضائية: “لا أحد يعرف توجّه القاضي عويدات مسبقاً مع العلم أنّه سبق وادّعى على سلامة في 22 حزيران 2022 بعد انتهاء التحقيقات الأولية، لكنه بالتأكيد صاحب القرار بتسليم سلامة أو عدم تسليمه إلى السلطات الفرنسية والبتّ بملفه القضائي في لبنان، كما أنّ لبنان ينتظر تسلّم طلب الادّعاء الالماني على سلامة رسمياً للتصرف على أساسه”.

ومساء أمس أعلنت المحققة العدلية في النيابة العامّة الالمانية رنا اسكندر لـ “الجديد” أنّ خمسة أشخاص صدرت بحقهم مذكرات توقيف عن النيابة العامّة التمييزية في المانيا بينهم رياض سلامة المتّهم باختلاس مبلغ 330 مليون دولار كما تمّ وضع حجز على خمسة عقارات يملكها”.

لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@

مواضيع ذات صلة

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…