يظلّ انعقاد القمّة العربية أفضل من عدم انعقادها. مرّة أخرى، لا يزال السؤال المحوري يراوح مكانه: قمّة عربيّة من أجل ماذا؟
سؤال يُطرح على بشار الأسد
يُفترض أن يوجد في القمّة من يطرح على بشّار الأسد، أو من يمثّله، سؤالاً عن صناعة الكبتاغون وتحوُّل الأراضي السوريّة إلى خطر على المجتمعات الخليجية، أي على الأمن الخليجي… خصوصاً بعدما صار تهريب السلاح إلى الأردن وعبره من بين النشاطات المكشوفة التي يمارسها النظام السوري بغطاء إيراني. إذا استطاع الأسد الابن أو من يمثّله الإجابة عن هذا السؤال، يمكن عندئذ الحديث عن “عمل عربي مشترك”. ليس معروفاً عن أيّ “عمل عربي مشترك” يتحدّث وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في وقت يراهن النظام السوري على أن يكون مصير القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، والذي لن تستطيع القمّة العربيّة تجاهله في بيانها الختامي، مثل مصير القرار 242 الذي صدر بعد حرب عام 1967. أيّ “عمل عربيّ مشترك” في وجود رغبة لدى النظام السوري بالسماح بعودة اللاجئين إلى بيوتهم وأرضهم في حال قبض ثمناً لهذه العودة؟ يريد ثمناً للسماح بعودة اللاجئين، أقلّه ظاهراً، كي يحصل على مئات ملايين الدولارات… ويسدّد بعض الديون المترتّبة عليه لدى إيران.
ليس الموضوع السوري بكلّ تعقيداته، والوجود الإيراني المسلّح المباشر وغير المباشر في الأراضي السوريّة، سوى مثل بين أمثلة عدّة توضح الواقع العربي الجديد. هو المتوقع الذي يفترض بالقمّة العربيّة التعاطي معه بجرأة وصراحة وشفافيّة في آن.
يبدو أنّ القمّة العربيّة تمثّل كلّ ما بقي من العالم العربي الذي عمل المشروع التوسّعي الإيراني على تفتيته
ماذا عن السودان؟
يفرض هذا الواقع سؤالاً آخر: ما العمل في مواجهة الأحداث التي تشهدها السودان؟ لا شكّ أنّ المملكة العربيّة السعودية تلعب دوراً جديّاً في سعيها إلى التقريب بين الجنرالين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي). لكنّ تطوّر الأحداث في هذا البلد المهمّ لا يبشّر بالخير. على العكس من ذلك، ثمّة كارثة تلوح في الأفق في ضوء تفكيك السودان مع ما لذلك من تأثير على أمن مصر من جهة وعلى أمن البحر الأحمر من جهة أخرى. ليس ما يشير، أقلّه إلى الآن، إلى وجود تأثير عربي في داخل السودان الذي تحوّل إلى دولة فاشلة، مثله مثل ليبيا واليمن وسوريا ولبنان… وربّما العراق البلد الذي يمتلك أهميّة استراتيجية كبيرة والذي من دونه لا توازن بين العرب والفرس.
يبدو أنّ القمّة العربيّة تمثّل كلّ ما بقي من العالم العربي الذي عمل المشروع التوسّعي الإيراني على تفتيته. كم كان الملك عبدالله الثاني على حقّ عندما تحدّث منذ تشرين الأوّل من عام 2004 عن “الهلال الشيعي” في حديث إلى “واشنطن بوست”. لم يكن يقصد في طبيعة الحال الشيعة كشيعة بأيّ شكل، بمقدار ما كان يقصد “الهلال الفارسي” الممتدّ من طهران، إلى بغداد، إلى دمشق… إلى بيروت التي صارت مدينة إيرانيّة على البحر المتوسّط.
تمتدّ لائحة الأسئلة التي يمكن طرحها في قمّة جدّة طويلاً، خصوصاً في ظلّ وجود كيان حوثيّ تابع لإيران في شمال اليمن. ليس هذا الكيان سوى قاعدة صواريخ ومسيّرات إيرانيّة في شبه الجزيرة العربيّة…
تصل لائحة الأسئلة الصعبة إلى لبنان الذي لم يعد سوى جرم يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلاميّة”. لا بدّ من التركيز في كلّ وقت على أنّ الضوء الأخضر في شأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل جاء من طهران وليس من أيّ مكان آخر. أكثر من ذلك، تستطيع طهران ساعة تشاء وبكبسة زرّ إطلاق صواريخ من قطاع غزّة تجاه إسرائيل. تردّ إسرائيل بوحشية وينتهي الأمر بأنّ الرسالة الإيرانيّة وصلت. فحوى الرسالة أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تستطيع ضرب الداخل الإسرائيلي ساعة تشاء عن طريق أداة اسمها حركة “الجهاد الإسلامي”. أين المصلحة العربيّة، في مناسبة الحديث عن “العمل العربي المشترك”، في إلحاق مزيد من الدمار بغزّة المحاصَرة منذ عام 2007 وتبرير استمرار الحصار الظالم للقطاع وأهله؟
هل يوجد في قمّة جدّة من يحذّر من الوجود الإيراني في قطاع غزّة الذي لا يصبّ إلّا في مصلحة إسرائيل… أو من الوجود الإيراني في لبنان وسوريا والعراق؟
تبدو قمّة جدّة قمّة الأسئلة الصعبة في عالم معقّد وفي منطقة تمرّ في مرحلة مخاض في ظلّ غياب أميركي واضح، يكتفي بتشديد العقوبات على النظام السوري. توجد في واشنطن إدارة لا وقت لديها إلّا لإلحاق هزيمة بفلاديمير بوتين في أوكرانيا.
قد يكون السؤال الذي يصلح لمرحلة ما بعد قمّة جدّة: هل يطرأ تغيير على السياسة الأميركيّة في المنطقة في حال استطاعت واشنطن تحقيق ما تسعى إليه في أوكرانيا؟
إقرأ أيضاً: الرياض لموفدي واشنطن: وصلتم متأخّرين!
بالطبع تعرف القيادة السعودية عن هذه الأسئلة أكثر من غيرها. ولولا هذه المعرفة لما اندفع ولي العهد السعودي في كل الإتجاهات العربية والدولية محاولاً لملمة ما يمكن لملمته من انقسامات في الإطار العربي أولاً والوقوف على “خط الزلازل” في العلاقات الدولية، دون الوقوع في حفرتها حاملاً معه ثقة الشارع العربي في 15 دولة حسب استطلاع بلومبيرغ.
مغامرة؟ الجواب نعم. من يُقدم قد ينجح ومن يتردّد حتماً يفشل.
لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@