أقلام كثيرة عرّجت على التاريخ دون أن تضيف إليه شيئاً، تدخّلت من أجل أن تتدخّل فقط، وكتبت من أجل تسجيل نظرية فضفاضة لا تُحاسَب ولا تُساءَل في كوكب الواقع، أمّا حسان حلاق فكان صانع الفرق بحق!
لم يحتوِه يوماً برج عاجي ليُنظّر من فوق، بل كان مع رفوف الكتب والمراجع كأي متصفّح لعالم التاريخ ينتقي المعلومة بعمق وينقلها بتواضع الباحث الأمين ويسردها مسقطاً عليها خبرة العمر والزمن ويعجنها بخامة صوته البيروتية، الخامة الشبيهة بعطر يعرّفنا بصاحبه قبل الوصول، الخامة التي هزّت منابر العلم والنقاش الحضارية ففرضت الصمت إنصاتاً واحتراماً وإجلالاً لمحتوى فكري ألبس التاريخ هنداماً حديثاً.
كان ببساطة تاريخاً أنيقاً يتنقّل بهيبة وخفر بين زوايا وجنبات وأروقة الأماكن التي شرّفها بنثر أدبه وعلمه وفكره علاّمة في بلاغة الكلام والتعبير وفهّامة لمنطق التاريخ وحرفة السفر في صفحاته وسطوره وبروفيسوراً لاستشراف ما سيأتي بالمعنى الحضاري والمجتمعي والإنساني.
كان ببساطة تاريخاً أنيقاً يتنقّل بهيبة وخفر بين زوايا وجنبات وأروقة الأماكن التي شرّفها بنثر أدبه وعلمه وفكره علاّمة في بلاغة الكلام والتعبير وفهّامة لمنطق التاريخ
حالة فكرية مليئة بالجُعب المثيرة للحشرية والدهشة والإعجاب، ما صعد منبراً أو منصّة إلا وجذب العيون إلى المغلفات السمراء التي يودعها مداخلاته ومقالاته وبياناته الوفية لحبيبة عقله وقلبه ووجدانه بيروت.. أوراق توثّق أصول عائلاتها وتدافع عن مقدراتها وترد الافتراء عن تاريخها ومراحل حضارتها وتكتب بالحبر والصوت الحاسمين الحازمين قناعات العقل والمنطق!
لا تاريخ دون إدراك أهمية الوقت وفعاليته، وهذه واحدة من قناعاته المُهذّبة التي ضبط على أساسها الفكر وتحكّم به، فما حاضر يوما إلا خالعا ساعة يده وواضعاً إياها أمام ناظريه حتى لا يتمادى الفكر مهما عظُم على وقت وحماسة السائلين والمتسائلين المقبلين على فكره بنهم وعطش ومتعة!
ستسير بيروت في الوداع الكبير خلفك يا دكتور حسان بعد ساعات، كأنّها تماماً الأصوات التي تُحييك وأنت تدخل قاعات العلم الحضارية، وستنده اسمك تماما كالتصفيق والهتاف المؤيد الذي نالته أفكارك المُستنيرة، وستستغرب الغياب تماماً كأسئلة ناسها بعد نقطة ختامك لأية مداخلة أو محاضرة أو مقال.
*اعلامي لبناني مقيم في دبي