حذّر سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة والمستشار السابق للأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس دونالد ترامب، جون بولتون، من تداعيات السياسة العاجزة للرئيس جو بايدن التي ستؤدّي في رأيه إلى “فشل استراتيجي وشيك لأميركا وحلفائها الرئيسيين، وخصوصاً الخليجيين، وإلى إعادة تنظيم جغرافي استراتيجي وعدم استقرار في المنطقة، بالإضافة إلى المزيد من الإرهاب والانتشار النووي في جميع أنحاء العالم”. ودعا البيت الأبيض إلى الاستعداد لما بعد موت المرشد الإيراني علي خامنئي، معتبراً أنّه “لم يكن لإيران سوى “مرشدين أعليين” فقط، وهذه فرصتنا للتأكّد من عدم وجود ثالث”.
انتقد بولتون في مقال في صحيفة “وول ستريت جورنال” تحت عنوان ” إيران تستغلّ عجز بايدن”، إهمال إدارة بايدن للحلفاء الخليجيين مع محاولة إحياء الاتفاق النووي، معتبراً أنّه “وصفة لعدم الاستقرار الإقليمي”. ويقول: “تواصل إيران بشكل مطّرد نزع القيود السياسية والاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة عليها. وتقارب تنسيقها غير المسبوق مع محور بكين وموسكو مع ازدراء الرئيس بايدن الواضح للحلفاء الرئيسيين في الشرق الأوسط، وهوسه بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 وتراخيه في تطبيق العقوبات، بحيث بتنا نواجه الآن إعادة تنظيم جغرافي استراتيجي وعدم استقرار في المنطقة، بالإضافة إلى المزيد من الإرهاب والانتشار النووي في جميع أنحاء العالم.
في غياب تصميم أميركي واضح ضدّ برنامج طهران النووي، هناك احتمال متزايد بأن تتصرّف إسرائيل بمفردها، وهو أمر يحتفظ به بنيامين نتانياهو دائماً كملاذ أخير. فقد أثار ردّ البيت الأبيض، الذي يشير إلى تعاون عسكري أوثق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، القلق من أن يكون بايدن يحاول ببساطة الدخول إلى دائرة صنع القرار الإسرائيلية لمنع الهجوم على إيران، وليس مساعدة إسرائيل.
بالتنسيق مع روسيا، تستعدّ إيران لهجمات متزايدة ضدّ القوات الأميركية في سوريا
يبقى البديل عن القوّة هو الإطاحة بآيات الله. منذ مقتل مهسا أميني في أيلول 2022، بلغت احتجاجات المعارضة والاستياء الاقتصادي مستويات هدّدت النظام. ومع ذلك، دعمت إدارة بايدن المعارضين بالقليل من الخطابات. يجب على واشنطن أن تركّز، على الأقلّ، على عدم الاستقرار الداخلي المحتمل في إيران عندما يموت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 84 عاماً. فقد تأتي اللحظة بشكل غير متوقّع، وهو ما يمنح المواطنين الإيرانيين فرصة إسقاط النظام ووضع حدّ لأعماله الهمجية في العالم.
يرى بولتون أنّ مقاومة الرئيس بايدن لنفوذ إيران وإرهابها غير فعالة فيقول: كأنّ البيت الأبيض قد خَطّط لإثارة قلق دول الخليج العربية وإسرائيل، أقنع الحلفاء الإقليميين بأنّ بايدن كان يتخلّى عنهم فعليّاً ويمكِّن أعداءهم من خلال تجاهل مخاوفهم بشأن الصفقة النووية الفاشلة وتأثير إنهاء العقوبات، وشنّ حملة صليبية ضدّ الوقود الهيدروكربوني، ركيزة اقتصادات الخليج العربي.
ويتابع: “الواقع الصعب لم يدفع بايدن إلى إعادة تقويم سياسته. على الرغم من كلّ الأدلّة، ما تزال إدارته تسعى إلى إحياء الصفقة الإيرانية. حتى الاتفاق “الجزئي”، الذي ربّما يتضمّن قضية الرهائن المحتجزين في إيران، يمكن أن يحرّر مليارات الدولارات، وهو ما يساعد على إبقاء الملالي في السلطة ويموّل إرهابهم المستمرّ وسعيهم إلى امتلاك أسلحة نووية. ويبدو أنّ مفاوضي بايدن نسوا أنّ المال قابل للاستبدال، عندما اقترحوا بلامبالاة السماح لإيران باستخدام الأصول غير المجمّدة لتسوية متأخّرات مساهمات الأمم المتحدة أو مشتريات لقاح كوفيد فقط”.
لقد واصلت إيران، التي باتت على ثقة من اقترابها من التحرّر من ضغوط واشنطن، تعطيل شحنات النفط في الخليج العربي. ضغطت الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى من دون جدوى من أجل ردود أميركية أكثر حزماً على مصادرة السفن الإيرانية وغيرها من الخطوات العدوانية. وقبل شهرين، وبسبب شعورها بالإحباط انسحبت الإمارات العربية المتحدة من قيادة القوات البحرية المشتركة التي تقودها الولايات المتحدة في الخليج. مثل هذه الخطوات، تتّخذها الدول العربية الصديقة لعدم ثقتها بالبيت الأبيض. لذا تحتاج واشنطن بشكل عاجل إلى الدبلوماسية لمنع الفجوات بينها وبين حلفائها الخليجيين من الاتّساع قبل فوات الأوان بحيث يصبح من الصعب على منتجي النفط أن يعكسوا مسارهم.
يرى بولتون أنّ مقاومة الرئيس بايدن لنفوذ إيران وإرهابها غير فعالة فيقول: كأنّ البيت الأبيض قد خَطّط لإثارة قلق دول الخليج العربية وإسرائيل، أقنع الحلفاء الإقليميين بأنّ بايدن كان يتخلّى عنهم فعليّاً
بالتنسيق مع روسيا، تستعدّ إيران لهجمات متزايدة ضدّ القوات الأميركية في سوريا. تأمل طهران في فرض انسحاب هذه القوات بشكل نهائي وانهيار التحالف المناهض لداعش، وبالتالي تمكين بشار الأسد حليف إيران من استعادة السيطرة على المزيد من الأراضي السورية. في الوقت نفسه تتواصل الأعمال الإرهابية ضدّ معارضي طهران خارج إيران. كما يواصل برنامج إيران للأسلحة النووية إحباط جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة أنشطتها. وما تزال العناصر الأساسية لبرامج إيران محظورة على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما كانت دائماً.
ويضيف بولتون: “الأسوأ من ذلك على المدى الطويل أنّ المبادرات الدبلوماسية الصينية لاستغلال الانقسامات بين واشنطن وعواصم الشرق الأوسط الرئيسية تنجح ولها تداعيات عالمية. لقد وقع بايدن في حيرة من أمره بسبب الاتفاق الذي توسّطت فيه الصين وسلطنة عمان لاستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين السعودية وإيران. كما أصبحت الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى أكثر انفتاحاً على روسيا والصين”.
إقرأ أيضاً: كيسنجر في عامه المئة: 10 سنوات فقط تفصلنا عن حرب عالميّة ثالثة
تنذر هذه التطوّرات بفشل استراتيجي وشيك لأميركا وحلفائها الرئيسيين. لذا بدلاً من محاولة إعادة تقويم وتقويض ضربة إسرائيلية محتملة لبرنامج إيران النووي، يجب على البيت الأبيض الاستعداد لما سيحدث بعد موت آية الله خامنئي. إنّ انتظار نهاية آية الله لبدء التخطيط قد يضيع الفرصة. لم يكن لإيران سوى مرشدين أعليين فقط. وهذه فرصتنا للتأكّد من عدم وجود ثالث”.
*جون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس دونالد ترامب (2018-2019) وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة (2005-2006). كان أحد مهندسي غزو العراق في 2003، كما كان من دعاة توجيه ضربات عسكرية لإيران وكوريا الشمالية. وصفه ترامب بأنّه أحد الأشخاص الأكثر غباء الذين عمل معهم في الحكومة، معتبراً أنّ الرجل “متجهّم ومملّ ولم يضِف شيئاً إلى الأمن القومي سوى قوله “هيا نذهب إلى الحرب”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا