التعميم 165: خفيف ومنعش ولا يهدّد الودائع..

مدة القراءة 5 د

دشّن مصرف لبنان مطلع هذا الأسبوع العمل بالتعميم 165، الذي يجيز التحويلات وإصدار الشيكات عبر مقاصّة داخلية في مصرف لبنان، بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي “الفريش”.
تفيد المعلومات المستقاة من داخل مصرف لبنان بأنّ عدداً لا بأس به من المصارف بدأت بفتح حسابات في تلك المقاصّة بعدما أجرت تجارب على النظام الجديد، فيما بقيّة المصارف ستقوم بالمطلوب منها بعد الانتهاء من التحضيرات اللوجستية في المقبل من الأسابيع.
كان يُفترض أن يبدأ العمل بهذا التعميم مع بداية شهر حزيران، إلّا أنّ مصرف لبنان أعطى المصارف مهلة إضافية من أجل الالتزام بمندرجاته، خصوصاً أنّ التعميم يطالب المصارف بالتزامات نقدية قد يحتاج تأمينها إلى بعض الوقت.

إطلاق نار على التعميم
منذ صدور هذا التعميم، تعرّض لـ”إطلاق نار” من بعض الاقتصاديين وعدد قليل من السياسيين، إذ أبدوا تخوّفهم من محاولة “طمر القديم بالجديد”، أي خلق قطاع مصرفي جديد على أنقاض القطاع السابق وأموال المودعين المحتجزة.
إلاّ أنّ التدقيق في نوايا مصرف لبنان، أظهرت أنّ ذلك غير صحيح، وجلّ ما يقوم به التعميم المذكور هو أنّه يقوم بتنظيم “الأمر الواقع” الموجود أصلاً. فالحسابات “الفريش” بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي كانت موجودة قبل التعميم وما زالت… وستستمرّ، بحسب ما تؤكّد مصادر مصرف لبنان لـ”أساس”.
تقول المصادر نفسها إنّ التعميم هو “الخطوة الأولى في طريق استرداد مصرف لبنان للمبادرة”، وكذلك “لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي”، مؤكّدة أنّ هذا التعميم ساهم بشكل كبير في “تحاشي إدراج لبنان على اللائحة الرمادية في منظمة FATF (Financial Action Task Force)”.

تقول المصادر نفسها إنّ التعميم هو الخطوة الأولى في طريق استرداد مصرف لبنان للمبادرة، وكذلك لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي

في معرض تأكيدها لصوابية التعميم، تكشف المصادر أنّ نقابة المحامين كانت أولى الجهات التي اعترضت على مضمون التعميم، لكنّها بعدما استفسرت عن تفاصيله من مصرف لبنان وتبيّنت تلك التفاصيل، تراجعت وأحجمت عن خطوة الطعن به التي سبقت أن أعلنتها. وقد كشفت النقابة تفاصيل كلّ ذلك في بيان صدر عن مجلسها ونشرته في وسائل الإعلام قبل نحو أسبوعين.
في نظر المصادر، فإنّ خطوة نقابة المحامين، باعتبارها أهمّ جهة قانونية غير تابعة للدولة، تدلّ على أنّ التعميم يأتي ضمن المسار الصحيح لترميم الندوب في جسم القطاع المصرفي وبالأساليب المتاحة، ولا يهضم حقوق المودعين أو يهدّدها، بحسب ما حاولت بعض الجهات الترويج له.

إيجابيات التعميم
أمّا لناحية الإيجابيات، فيقول خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي إنّ التعميم 165 يزخر بها، ويمكن إيجازها بالنقاط التالية:
1- التعميم يخفّف التبادل بالأوراق النقدية، وهذا بدوره سوف يؤدّي إلى تدنّي الضغوطات التضخّميّة.
2- التعميم يضيّق المساحة على المضاربين والمحتكرين ويفقدهم القدرة على التحكّم بالسوق السوداء، وهذا سيخفّف الاضطرابات في سعر الصرف.
3- التعميم يخفّف من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا في نظر فحيلي أمر ضروريّ جداً في هذا التوقيت، خصوصاً أنّ أعين مجموعة العمل الدولية متفتّحة على لبنان.
4- التعميم يساعد على تفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من قبل القطاع المصرفي، مثل الشيكات وبطاقات الدفع الائتمانية التي باتت العودة إليها ضرورية جدّاً، ويرفع من حجم التحويلات، ويعيد الحياة إلى قطاع فقدَ الكثير من حيويّته.
5- التعميم يمنح مكوّنات القطاع الخاصّ يُسراً استثنائياً في تسديد فواتيره.
6- التعميم ينفي حاجة مصرف لبنان إلى اللجوء إلى طباعة أوراق نقدية من فئة 500 ألف أو مليون ليرة أو حتى أكثر، وذلك بخلاف كلّ التوصية التي تصدر عن اللجان النيابية بين الحين والآخر.

إقرأ أيضاً: الدولار سيلامس 90 ألفاً… لماذا؟

يضيف فحيلي أنّ من الخطأ تقويم التعميم 165 بمعزل عن التعاميم الأخرى التي صدرت عن مصرف لبنان منذ بداية الأزمة إلى اليوم، لأنّ جلّها كانت تستهدف إحداث إجراءات استثنائية ولم تكن حلولاً، ومن أهمّها التعاميم 150 و157 و161.
يلفت فحيلي إلى أنّ من الخطأ أيضاً تقويم أداء هذا التعميم من دون التوقّف عند أداء الطبقة السياسية، التي تأخّرت في سنّ قوانين عدّة مثل قوانين “الكابيتال كونترول” و”الانتظام المالي” و”هيكلة المصارف”. فالاقتصاد اللبناني بات يعتمد بنسبة 80% على التبادل بالأوراق النقدية، وبالتالي أصبح لبنان محطّ اتّهام بأنّه ملاذ آمن لجرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ويأتي هذا التعميم اليوم ليصحّح بما تيسّر وما توفّر هذه الانحرافات.
يختم فحيلي بالقول إنّ “لبنان لا خيار أمامه إلّا ترتيب أمور بيته الداخلي، وتفادي التصنيف الأسود، أو تسارع التدهور، ووسط هذا كلّه فإنّ وصف التعميم 165 بأنّه “كارثيّ” هو افتئات وظلم أو جهل أو ربّما تجاهل لواقع الأمور في لبنان”.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر:  emadchidiac@

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…