ما إن أُعلنت نتائج الانتخابات الكويتية، التي أُجريت في السادس من حزيران 2023 الجاري، حتى تسابق الفائزون إلى القول إنّ أولويّاتهم هي الإنجاز والاستقرار والتعاون من أجل معدّلات أفضل للتنمية وحلّ مشاكل الإسكان والصحّة والتعليم. هل من مضمون لهذا الكلام أم يبقى في مجال الشعارات؟ يثير مثل هذه التحفّظات أنّ مثل هذا الكلام كان يتكرّر سابقاً بشكل دائم. أمّا الحديث عن الأولويّات فيبقى شيئاً والممارسة الفعليّة تحت قبّة البرلمان كانت شيئاً آخر. أدّى ذلك إلى صراعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالتالي إلى حالة الجمود التي تعاني منها الكويت في أيّامنا هذه.
“الاستقرار” كلمة السرّ
لكنّ بعض النواب الفائزين الذين عُرفوا بالصوت العالي سابقاً وجدوا أنّ أرقامهم تراجعت في الانتخابات الأخيرة. هناك من المعارضين من لم يحالفه الحظّ، وهناك من حالفه الحظ إنّما تراجعت شعبيّته وبالكاد تحصل على المركز العاشر في دائرته. ولذلك كلامهم عن فترة تهدئة وعقلنة وإنجاز قد يكون نابعاً أيضاً من مصالحهم الانتخابية من أجل استعادة الزخم الشعبي.
ما إن أُعلنت نتائج الانتخابات الكويتية، التي أُجريت في السادس من حزيران 2023 الجاري، حتى تسابق الفائزون إلى القول إنّ أولويّاتهم هي الإنجاز والاستقرار والتعاون من أجل معدّلات أفضل للتنمية وحلّ مشاكل الإسكان والصحّة والتعلي
الاستقرار هي كلمة السرّ في الانتخابات الكويتية، ولم يكن من باب الصدف أنّ شخصاً مثل الرئيس السابق مرزوق الغانم جعلها شعاره الانتخابي وحصد بموجبها المركز الأوّل في دائرته محقّقاً رقماً يتجاوز بكثير رقم خصومه في الدائرة نفسها. كما أنّ الكثير من النواب ركّزوا على كلمة استقرار وكأنّهم يتوجّسون من أن تكون هذه الانتخابات فرصة أخيرة لا أمام القيادة السياسية لاتّخاذ إجراءات تحدّ من الروح الديمقراطية في الكويت بل أمام ناخبيهم الذين ينشدون تعاوناً بين البرلمان والحكومة يقرّ قوانين ضرورية ويحرّك عجلة التنمية وهم يرون دولتهم التي كانت منارة الخليج تتراجع في مؤشّرات التنمية عن مسيرة شقيقاتها.
التغيير في الانتخابات لم يكن كبيراً على مستوى المشاركة العامّة، إذ بلغ 24 في المئة بنسبة مشاركة متراجعة عمّا سبقها وتصل إلى حدود 58 في المئة، لكنّ هناك تغييراً حقيقياً في المزاج الشعبي، إذ تمّ إيصال 10 نواب جدد في مختلف الدوائر، فيما حصد نواب اشتهروا بالصوت العالي المراكز الأخيرة أو شبه الأخيرة التي تمكّنهم من الفوز، فيما نال السياسي المخضرم أحمد السعدون من الأصوات نصف ما ناله في الانتخابات السابقة. على الرغم من ذلك، سيكون السعدون الرئيس الجديد القديم لمجلس الأمّة وفق حسبة سريعة ورصد لمواقف الفائزين.
ومن المؤشّرات إلى المزاج الشعبي، أنّ النواب الذين كانت مواقفهم معارضة للحكومة إنّما من باب العقلانية واستناداً إلى برامج تنموية وطنية حصدوا أعلى الأرقام العالية في دوائرهم، بل تفوّق مثلاً النائب مهلهل المضف على السعدون نفسه بأقلّ من ألف صوت، وهي الحال نفسها مع نواب الكتلة التي يرأسها حسن جوهر، إذ حقّق أعضاؤها أرقاماً كبيرة. كذلك تقدّمت أرقام نواب عارضوا الاقتراحات الشعبوية مثل إسقاط القروض عن المواطنين، على سبيل المثال، فيما حلّ صاحب مثل هذه الاقتراحات في المركز الأخير، وهو ما يدلّ على أنّ دغدغة عواطف الناس لم تعد تنتج شعبية للمرشّح أو النائب.
أفرزت الانتخابات الكويتية من جديد كتلة تتجاوز عشرين نائباً من الإسلاميين ما بين إخوان مسلمين وسلفيّين ومحافظين قبليّين، كما أفرزت 23 نائباً من أبناء القبائل، وشهدت انحساراً في دور المرأة
يُذكر أنّ أحد الأسباب الرئيسية للأزمة بين مجلس 2022 والحكومة، التي باتت في حكم المستقيلة، تمثّل في الضغط لإقرار مجموعة من القوانين الشعبوية مثل إسقاط قروض المواطنين وشراء الفوائد من دون حساب آثار مثل هذه المغامرة، أو المقامرة، على الخزينة من جهة، وعلى الخلل الاجتماعي الذي يمكن أن تحدثه من جهة أخرى، مثل انهيار المساواة بين من سدّد دينه وقام بواجبه وبين من انتظر الحكومة لتسدّد عنه.
أمّا رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم الذي حقّق رقماً كبيراً في دائرته، فهو أكثر من يتقن قراءة المشهد ومراكز القوى، وقد حدّد في ندوته الانتخابية التي عقدها قبل الانتخابات إطار عمله، سواء كان في سدّة الرئاسة أو على مقاعد النواب، ووضع ما يشبه خريطة طريق للدور الذي سيقوم به لجهة التركيز على ضرورة تمتّع السلطة التنفيذية بوزراء أكفّاء مع برامج محدّدة وسقف زمني لها. شدّد أيضاً على ضرورة أن يتعامل البرلمان مع الحكومة لا من باب المناكفات الشخصية بل وفق رقابة ومتابعة برامجها. يرى مرزوق الغانم أن لا سبيل إلى الاستقرار سوى هذا المدخل.
قراءة في نتائج الانتخابات
أفرزت الانتخابات الكويتية من جديد كتلة تتجاوز عشرين نائباً من الإسلاميين ما بين إخوان مسلمين وسلفيّين ومحافظين قبليّين، كما أفرزت 23 نائباً من أبناء القبائل، وشهدت انحساراً في دور المرأة، إذ لم يحالف الحظّ سوى جنان بو شهري التي قدّمت أداءً استثنائياً في مجلس 2022، ويبدو أنّ التشريعات التي تضمن مشاركة أوسع للمرأة في البرلمان صارت ضرورية. كذلك تراجع عدد النواب الشيعة من 9 إلى سبعة. بين هؤلاء عدد كبير من المستقلّين البعيدين عن التموضع المذهبي السياسي بين هذا الفريق أو ذاك. كما شهدت الانتخابات سقوط برلمانيين مخضرمين ودخول وجوه شابّة جديدة كان بعضها سجيناً بسبب أحكام قضائية إثر مشاركته في الحراك الشعبي السابق قبل 12 سنة، وهو ما يدلّ على أنّ مساحات التعبير معروفة في إطار الديمقراطية في الكويت، وهي تفتح أبواب المؤسّسات التشريعية والتنفيذية لمن يريد الناس إيصاله إلى مواقع معيّنة وفق انتخابات… وبأصوات في الصناديق وليس بمواجهات في الشارع.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الكويتية: المزاج الشعبي تغيّر..
من الطبيعي أن تقرأ الحكومة الكويتية نتائج الانتخابات وتقابلها بتشكيل جديد لأنّ الدستور ينصّ على استقالتها بعد هذا الاستحقاق، ومن الطبيعي أكثر أن يتّفق المجلسان على قواعد جديدة لإبعاد عملية التنمية وتنفيذ المشاريع عن الصراع السياسي، وهذه تحتاج إلى إرادة الطرفين بإحداث تطوير دستوري يفصل بين مسار التأزيم السياسي والمسار الاقتصادي.