هناك شبه إجماع بين القوى السياسية اللبنانية الرئيسة على أنّ جلسة 14 حزيران الانتخابية لن تنتج رئيساً في المنازلة التي ستجري بين مرشّح فريق الممانعة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ومرشّح “تقاطع” المعارضة المؤلّفة من السياديّين وبعض المستقلّين والتغييريين مع “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” الوزير السابق جهاد أزعور.
بات هناك حاجة إلى مبادرة خارجية قد تؤدّي إلى تفاهم على مرشّح ثالث ما دام يتعذّر اتفاق اللبنانيين على أحد المرشّحَين. لكنّ مبادرة كهذه دونها صعوبات في ظلّ ضبابيّة احتمالات التوافق الإقليمي والدولي، واستمرار التجاذب الإيراني العربي حول لبنان على الرغم من مناخ التهدئة الناجم عن الاتفاق السعودي الإيراني.
هناك شبه إجماع بين القوى السياسية اللبنانية الرئيسة على أنّ جلسة 14 حزيران الانتخابية لن تنتج رئيساً في المنازلة التي ستجري بين فرنجية وأزعور
صدمة الممانعين بالاتّفاق المسيحيّ ومرارة برّي من جنبلاط…
يعود استبعاد ولادة الرئيس في الجلسة إلى الآتي:
– سيقتصر الاختبار على استكشاف كلٍّ من الفريقين حصيلة أصوات مرشّحه في الدورة الأولى من الاقتراع، لأنّ أيّاً من فرنجية وأزعور لن يحوز أكثرية الثلثين، كما ينصّ الدستور، على أن ينسف الممانعون نصاب الدورة الثانية منعاً لحصول مفاجأة تقود إلى انتخاب أزعور بأكثرية النصف زائداً واحداً، في حال انضمّ نواب متردّدون إلى مؤيّديه. زاد من هذا الاحتمال حسم رئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” المستقيل وليد جنبلاط تأييد نواب كتلته الثمانية لخيار أزعور، وهو ما زاد من مفاجأة فريق الممانعة بعد تلقّيه صدمة “التقاطع” المسيحي عليه، وسبّب مرارة لدى رئيس البرلمان نبيه برّي الذي كان يراهن على أن يراعيه صديقه جنبلاط بالوقوف على الحياد.
– حسم نائب الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم النتيجة أوّل من أمس حين قال: ” فليكن واضحاً بأنَّ أفق المواجهة في انتخاب الرئيس مسدود، ولا يمكن أن ينجح الاستحقاق إلا بالتوافق والانفتاح”. وإن كان الشيخ قاسم عبّر عن ذلك علناً، فإنّ غيره من القيادات والمراجع على قناعة بأنّ “الحزب” سيعطّل النصاب. مهّد لهذا الخيار النائب في “الحزب” حسن فضل الله الذي أكّد أنّ بين الخطوات التي تتمّ مناقشتها “المشاركة أو عدم المشاركة” في الجلسة.
– الفرز بين فرنجيّة وأزعور لا يلغي واقع تشتّت الكتل في البرلمان، بوجود مجموعة عددها بين 10 و15 نائباً من المتردّدين أو من أصحاب الخيار الثالث الذين قد يسمّون مرشّحاً يقترعون له، وهو ما يزيد صعوبة حياكة تحالفات تضمن نصاب الثلثين الذي لن يكتمل إلا باتفاق الممانعين والسياديين، المتعذّر راهناً.
مهمّة لودريان تتعدّى اسم الرئيس
بصرف النظر عن تعداد الأصوات، الذي يمكن أن يخفّف من اعتداد الحزب بقدرته على جمع أصوات أكثر من تلك التي جمعها المرشّح السابق للقوى السيادية النائب ميشال معوّض، من خلال احتسابه الأوراق البيض لصالح خياره على الرغم من أنّ “التيار الوطني الحر” الرافض لفرنجية كان جزءاً منها، فإنّ معارضيه يعوّلون على تفوّق أزعور ببضع نقاط على رئيس “المردة” لاعتقادهم أنّه قد يحمل “الحزب” بنظر الساعين إلى خيار ثالث، إلى القبول بتسوية يتخلّى عبرها عن مرشّحه لانتخاب رئيس يحظى بدعم واسع. لكنّ هذه التسوية تحتاج إلى معجزة.
حتى الدول المعنيّة التي وجدت أنّ توافق القوى المسيحية على دعم أزعور أحدث نقلة في الجمود المسيطر منذ توقّف انعقاد البرلمان، تتصرّف على أساس أنّ منازلة 14 حزيران محطّة يمكن البناء عليها لتفعيل الجهود الخارجية لإنهاء الفراغ الرئاسي.
اقتصرت الترجمة الإيجابية لتحسّن العلاقة السعودية الإيرانية في اليمن على تبادل أسرى، من دون فكّ الحصارات، فيما وقف النار يتعرّض لانتهاكات، الأمر الذي يطرح شكوكاً في إمكان استفادة لبنان من مناخ التهدئة الإقليمي
يشرح مسؤول في الرئاسة الفرنسية أهداف تعيين الرئيس إيمانويل ماكرون موفده الخاص إلى لبنان وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، فيرى أنّ “تحديد جلسة للانتخاب هو استحقاق في ظلّ الوضع الخطير الذي يمرّ به لبنان، على الرغم من الصعوبات الماثلة والمناورات المختلفة، يجب التعاطي معه بجدّية وأن يكون مفيداً. وإذا لم يحصل ذلك، فسيكون مناسبة لإحداث تقدّم في الطريق الصحيح، وهذا ما سيقوم به لودريان”، متوقّعاً أن يتوجّه إلى لبنان بسرعة.
وفيما جاءت العبارة الأخيرة مؤشّراً إلى توقّع فشل الجلسة في تظهير الرئيس، أضاف المسؤول الرئاسي الفرنسي: “هناك عدد من المرشّحين، لديهم حسناتهم وكذلك ثغراتهم. يجب التوصّل إلى توليفة ضرورية، لا غالب ولا مغلوب” فيها، مشيراً إلى “وجوب التوصّل إلى اتفاق يتعدّى الصفات الشخصية للمرشّحين. الرئيس الجيّد هو الذي يلتزم الإصلاحات الواجبة بشكل حاسم، والقادر على جمع الفرقاء حولها وعلى دعم رئيس الحكومة المقبل”.
الأنظار تتّجه إلى ما بعد الجلسة
مع أنّه يُفهم من تعيين ماكرون لودريان موفداً رئاسياً على أنّه كفّ يد خليّة الأزمة اللبنانية في الإليزيه، بعد فشل طرحها معادلة فرنجية-نواف سلام، فإنّ الأبرز ممّا قاله المسؤول في الرئاسة الفرنسية عن مهمّته “الصعبة”، أنّه “كوزير سابق للدفاع ثمّ الخارجية، يعرف جيّداً اللاعبين اللبنانيين، وخصوصاً الإقليميين الذين لهم دور في لبنان”. وهذا يعني أنّ أفق تحرّك لودريان قد يشمل إيران ودول الخليج. وهو سبق أن واكب المحادثات الأوروبية مع طهران حول الملف النووي، ونسج علاقات فعّالة مع الدول الخليجية إبّان تولّيه حقيبة الدفاع ونجح حينئذٍ في عقد صفقات أسلحة معها.
بدا واضحاً أنّ التركيز بدأ على ما بعد الجلسة، التي لن تملأ الفراغ الرئاسي، وتطرح الحاجة إلى صياغة صفقة خارجية تنهيه، وسط قناعة بأنّ لبنان ورقة تفاوض ومساومة في ظلّ الحراك الجاري في المنطقة الغارقة بالصراعات التي يلامس حلّ بعضها درجة الاستعصاء.
مع إعلان صندوق النقد الدولي قبل ساعات أنّ أزعور علّق عمله كمدير لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق وأنّه في “إجازة حالياً”، تحوّل ترشيحه إلى خطوة تتجاوز “المناورة”، كما سبق لـ”الثنائي الشيعي” أن وصفه، بهدف إسقاط ترشيح فرنجية. يضفي هذا جدّية على تقدّم اسمه.
إذا صحّ تقرير “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي عن معلومات استخبارية تفيد بإعداد إيران الميليشيات الموالية لها في سوريا تدريباً وتسليحاً لاستهداف القوات الأميركية الموجودة في شرق الفرات، فإنّ الحزب سيكون شريكاً في ذلك
حتى تجربة السبعينيّات تحتاج لمظلّة خارجيّة
يلفت أحد النواب المخضرمين المواكبين للتطوّرات الإقليمية إلى أمرين:
– هناك محاولة خارجية من أجل إعادة لبنان إلى شيء من التوازن بعدما انفردت إيران بالتحكّم بقراره في السنوات الأخيرة.
– يعتبر النائب نفسه أنّه حتى إذا أُريد لانتخابات الرئاسة أن تكرّر تجربة السبعينيّات اليتيمة، التي فاز فيها سليمان فرنجية الجدّ بفارق صوت واحد، أي بترك لعبة التصويت في البرلمان تأخذ مداها، ولينجح من ينجح، فإنّ هذا يتطلّب بذاته مظلّة دولية إقليمية.
هل حان وقت إفراج إيران عن ورقة الرئاسة اللبنانية التي يمسك بها الحزب، في إطار ما تشهده المنطقة من مزيج بين التهدئة والتفاوض من جهة والتشدّد والتصعيد من جهة ثانية؟
في نظر بعض المراقبين بقي الاسترخاء، الذي انطلق منتصف آذار الماضي مع اتفاق بكين، موضعيّاً في ميدان استعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية، في وقت ما زالت وقائع الصراع الأميركي الإيراني تغلب على الساحة الإقليمية. على الرغم من معلومات عن تقدّم حاصل في مفاوضات الجانبين عبر عُمان لإحياء الاتفاق على الملفّ النووي. ولا بدّ لهذا المنحى أن يؤثّر في العلاقة السعودية الإيرانية. ويشير المراقبون أنفسهم إلى العوامل الآتية التي تقف عثرة أمام تفاهم إقليمي دولي حول لبنان:
– يقرن الحزب هجومه على ترشيح أزعور بحملة على تدخّل أميركا هي مرآة لتعبئة طهران من أجل تصعيد المطالبة بانسحاب القوات الأميركية من سوريا، استباقاً لطرح الانسحاب الإيراني في حال حصل اتفاق تركي سوري يشمل جدولة الانسحاب التركي برعاية روسية، وهو ما سيزيد الحملة على سلاح “الحزب” في لبنان.
– إذا صحّ تقرير “واشنطن بوست” الأسبوع الماضي عن معلومات استخبارية تفيد بإعداد إيران الميليشيات الموالية لها في سوريا تدريباً وتسليحاً لاستهداف القوات الأميركية الموجودة في شرق الفرات، فإنّ الحزب سيكون شريكاً في ذلك. في هذه الحال تعني عبارة “رئيس لا يطعن المقاومة في الظهر”، عدم الاعتراض على دور جديد لقوّاته في سوريا. وتقرير الصحيفة الأميركية تقابله معلومات لدى أوساط واسعة الاطّلاع بأنّ الجانب الأميركي يخطّط بدوره للحدّ من حرّية الحركة الإيرانية في سوريا عبر الحدود العراقية السورية.
إقرأ أيضاً: الدول والحضارات والقرن الحادي والعشرون
– على الرغم من تقرير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن قرب تفاهم أميركي إيراني على المسألة النووية، مقابل الإفراج عن أرصدة تناهز 20 مليار دولار لطهران، وفي انتظار التأكّد من نجاح تلك المحادثات، فإنّ البيان الأميركي الخليجي أوّل من أمس في الرياض، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول التحالف في مواجهة “داعش”، جدّد دعوة إيران إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما الخلاف ما زال على أشدّه في شأن دور إيران الإقليمي.
– اقتصرت الترجمة الإيجابية لتحسّن العلاقة السعودية الإيرانية في اليمن على تبادل أسرى، من دون فكّ الحصارات، فيما وقف النار يتعرّض لانتهاكات، الأمر الذي يطرح شكوكاً في إمكان استفادة لبنان من مناخ التهدئة الإقليمي.