إلى أين رَسَت المواجهة بين وزير العدل هنري خوري ونادي القضاة؟
دَخَل وزير العدل في معركة غير متكافئة، وبتوقيت سيّئ، مع نادي قضاة لبنان بعد إحالته رئيس النادي وهيئته الإدارية إلى التفتيش القضائي.
وفق معلومات “أساس” رَفَعَ وزير العدل الإحالة إلى التفتيش في التاسع من أيلول المنصرم وبقيت قيد الكتمان إلى أن حصل التسريب قبل نحو أسبوع مُحدِثاً خضّة داخل أروقة قصر العدل وعاصفة ردود بوجه الوزير. وهو ما يعني أنّ الإحالة لم تحصل ربطاً بالبيان الصادر عن “النادي” يوم 29 أيلول الماضي الذي انتقد المذكّرة الصادرة عن الرئيس الأوّل لمحكمة الاستئناف حبيب رزق الله التي قضت بانتداب القاضي وائل صادق لمركز قاضي التحقيق الأوّل في بيروت مكان القاضي شربل أبو سمرا وانتداب القاضية زلفا الحسن رئيسةً لمحكمة الجنايات في بيروت خلفاً للقاضي سامي صدقي لإحالتهما قريباً إلى التقاعد. وكان بيان “النادي” اعتبر أنّ المذكّرة تشكّل تجاوزاً لأحكام قانون القضاء العدلي التي تنصّ على أن “يحلّ القاضي الأعلى درجة أو الأكبر سنّاً عند شغور مركز النائب العامّ أو قاضي التحقيق الأوّل في المحافظات”، متحدّثاً عن “شخصنة في الانتقاء وانتقام ومزاجية وكيدية”.
بغضّ النظر عن نتيجة الإحالة على التفتيش فإنّ مصادر قضائية ترى أنّ وزير العدل ليس في وضع يسمح له بخوض معارك تزيد من حدّة أزمته
لكنّ رئيسة هيئة التفتيش بالإنابة القاضية سمر سواح طلبت بعد صدور البيان المُعترِض على التشكيلات الاستماع إلى أعضاء الهيئة الإدارية الثمانية. وبالتالي لم تبادر سواح فوراً إلى استدعاء الهيئة فور تسلّمها إحالة وزير العدل قبل أكثر من شهر، وهي أيضاً لم تقُم باستدعائهم تلقائياً طوال الأشهر الماضية، مع العلم أنّ القانون يمنح التفتيش صلاحية التحرّك تلقائياً إذا رأى في أداء النادي تجاوزاً للقوانين.
ماذا سيفعل “التفتيش”؟
يوم الأربعاء 4 تشرين الأوّل مَثُل رئيس النادي القاضي فيصل مكّي وسبعة قضاة من أعضاء الهيئة أمام رئيسة هيئة بالتفتيش القاضية سمر سواح. قرأت الأخيرة نصّ الإحالة أمام القضاة ومفادها: “نحيل إليكم جميع بيانات نادي القضاة مع قرص مدمج لاتّخاذ الإجراءات المناسبة بسبب مخالفة البيانات لموجب التحفّظ”.
بعد جلسة المثول أمام “التفتيش” التي طالت للمرّة الأولى الهيئة الإدارية للنادي بأكملها بعدما سبق لرئيس النادي القاضي مكّي أن أُحيل أمامها لثلاث مرّات متتالية، تبرز أربعة احتمالات: إمّا أن تطلب رئيسة “التفتيش” الاستماع مجدداً إلى أعضاء الهيئة، أو تَحفظ الملفّ، أو تتّخذ إجراءات تأديبية بحقّهم، أو تحيل الهيئة إلى المجلس التأديبي.
يتوقّع متابعون أن لا “يصدر قريباً أيّ قرار عن “التفتيش”، وقد يتحوّل الأمر إلى استاتيكو يستمرّ طويلاً تلافياً لمزيد من الخضّات داخل الجسم القضائي، من دون أن يمنع ذلك النادي من الاستمرار في إصدار البيانات والتصدّي للمخالفات”.
“النادي” لوزير العدل: لن نتنازل
لكن قبل ذلك لم يتأخّر النادي في الردّ على وزير العدل على طريقته بإصدار بيان أكّد من خلاله “حقّ النادي، المكرّس في الدستور والمواثيق الدولية، في التعبير وإبداء الرأي. وهو حقّ لا يمكن التنازل عنه مهما اشتدّت الضغوط، أو تعاظمت المحن، الأمر الذي يحتّم علينا ويدفعنا، حرصاً منّا على الأمل الباقي بدولة القانون، إلى أن نعلن مجدّداً وعلى الملأ، تمسّكنا المتجذّر به، واستعدادنا للذود عنه كقضاة نلتزم القسم، ولا نسيء استخدام حقوقنا”.
تؤكّد مصادر قضائية لـ “أساس”: “كلّ سياق كلام وزير العدل يخالف أدنى البديهيات. هناك 93 نادي قضاة في العالم ينضوون تحت مسمّى الاتحاد الدولي للقضاة International association of Judges ويمارسون حقّهم في القيام بما يكفل سلامة تأمين العدالة واستقلالية القضاء واحترام القوانين، وبعض هذه النوادي يملك وسائل إعلامية خاصة به كما في المغرب”، مشيرة إلى أنّ “حقّ التجمّع للقضاة مكرّس وفق اتفاقية الأمم المتحدة، ووجود أيّ تجمّع للقضاة بأيّ بلد هو ضمانة لاستقلالية القضاء وتكريس لحقّ التعبير. لا يمكن أن تقول لقاضٍ ممنوع تحكي. هذا نظام قمعي مرفوص كلّياً. “فيك تحاسبوا إذا أخطأ في ملفّه”. أمّا موجب التحفّظ فمرتبط فقط بالملفّ الذي يكلَّف به القاضي”.
تقود هذه المعطيات إلى طرح المصادر سؤالاً مباشراً: “هل يجرؤ وزير العدل على إحالة أيّ قاضٍ محسوب على مرجعية سياسية ويخرق بوضوح موجب التحفّظ على التفتيش القضائي؟”.
كان وزير العدل من ضمن الأسماء التي كان النائب جبران باسيل يريد الاستغناء عنها يوم طُرحت فكرة التعديل الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، وهو مغضوب عليه باسيليّاً اليوم
معركة خاسرة؟
بغضّ النظر عن نتيجة الإحالة على التفتيش فإنّ مصادر قضائية ترى أنّ وزير العدل ليس في وضع يسمح له بخوض معارك تزيد من حدّة أزمته.
في شباط 2019، وقبل يومين من مغادرته وزارة الداخلية، وقّع الوزير نهاد المشنوق العلم والخبر الخاصّ بتأسيس جمعية باسم “نادي القضاة” على الرغم من اعتراض وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الجمهورية آنذاك. منذ ذلك الوقت، شكّل النادي حالة قضائية لم يعُد بالإمكان إضعافها أو حذفها، خصوصاً في ظلّ “الزلازل” التي ضربت العدلية على أكثر من مستوى.
هكذا حطّ وزير العدل رأسه برأس “النادي” في معركة خاسرة سلفاً، مع العلم أنّه سبق أن كُرّم من قبل النادي نفسه بعد إحالته إلى التقاعد، وزوجته رئيسة هيئة التشريع والاستشارات القاضية جويل فواز من أعضائه المؤسّسين، لكنّها حالياً في وضعيّة “الحَرَد”.
كان وزير العدل من ضمن الأسماء التي كان النائب جبران باسيل يريد الاستغناء عنها يوم طُرحت فكرة التعديل الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، وهو مغضوب عليه باسيليّاً اليوم.
جويل أقرب لباسيل!
يرى رئيس “التيار” أنّ خوري بات أقرب إلى الثنائي الشيعي من قربه إلى “التيار” حتى لو التزم بقرار مقاطعة جلسات الحكومة. ويطرح باسيل علامات استفهام كبيرة حول “لينك” علاقته بوزير الثقافة محمد مرتضى. وإذا كان من لينك وحيد ما يزال يَجمعه بباسيل فهو زوجته القاضية فواز التي يردّد البعض أنّها تدعم باسيل بالكثير من الفتاوى القضائية في “هيئة التشريع” ولا تتردّد أحياناً في حضور بعض المناسبات أو الاجتماعات الحزبية للتيّار.
إقرأ أيضاً: نزوح وتمديد: ماذا ستفعل “حكومة الطوفان”؟
“وديعة” في مكتب الوزير
يردّد باسيل في مجالسه كلاماً عن وجود “وديعة” للثنائي في مكتب وزير العدل تتمثّل في القاضي محمد فرحات المحرِّض الأوّل على “نادي القضاة” وعلى تحقيق الكثير من الإجراءات التي تراعي مصلحة “الثنائي الشيعي” في العدلية.
مع ذلك تغلب الواقعية على أداء باسيل ووزير العدل معاً، فتراهما يلبّيان معاً دعوة المديرة العامّة السابقة للنفط أورور الفغالي إلى العشاء في منزلها، وهي المدّعى عليها في ملفّ الفيول المغشوش والمنشآت النفطية، ويتكرّر ظهور وزير العدل إلى جانب المديرة العامّة في مناسبات اجتماعية وعلى موائد الطعام.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@