“ما حصل في غزّة يشكّل مشهداً عسكرياً جديداً يُظهر أنّ الاستراتيجية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لم تعد مجدية بعد الآن. ويُظهر نضوجاً استخباراتياً وأمنياً لحركة حماس التي تمكّنت من إرساء منطق جدّي، وهو نقل المعركة إلى داخل أرض العدوّ”. بهذه الكلمات رسم رياض قهوجي الرئيس التنفيذي لمؤسسة “إينغما” (مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري) مشهدية ما حصل صباح أمس في مستوطنات غلاف غزّة بفعل الهجوم الذي شنّته كتائب عزّ الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ضدّ هذه المستوطنات.
أكّد قهوجي في حوار مع “أساس” أنّ من المبكر رصد كلّ النتائج التي حصلت بفعل هذا التطوّر الكبير وغير المسبوق، إلا أنّ ما يمكن تأكيده أنّ حركة حماس تتّجه لتكون الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فيما حركة فتح أصبحت شيئاً من التاريخ.
قهوجي: ما نراه هو سيناريو مصغّر لما يمكن للحزب والمجموعات التي لديه في سوريا أن توجّهه باتجاه إسرائيل مستقبلاً
وفي ما يلي وقائع الحوار:
س- ما هي القراءة للعملية العسكرية في مستوطنات غلاف غزّة؟
ج- إنّه إخفاق استخباراتي تامّ من الجانب الإسرائيلي، وفشل لاستراتيجيّته القائمة منذ سنوات على أساس الحرب بين الحروب والتعامل مع المجموعات الجديدة والمسلّحة بتقنيّات جديدة. ورأينا أيضاً نضوجاً متقدّماً في أساليب القتال عند حركة حماس وتطوّراً واضحاً في إدراك الأساليب التقنية العسكرية عند الإسرائيليين على نحو ممتاز لجهة طريقة تفاعلهم وتوقيتها، وكلّ ذلك مكّنهم من الاستعداد بهذا الشكل الناجح لاختراق دفاعات الجيش الإسرائيلي بشكل مفاجئ ونقل المعركة إلى قلب الأراضي الإسرائيلية بطريقة عكست المفهوم القديم. تُجري إسرائيل معاركها دائماً على أرض الخصم، واليوم نحن أمام مشهد عسكري جديد يُظهر أنّ الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية التي قامت منذ ثلاثة أو أربعة عقود لم تعد مجدية أمام تطوّر التسلّح وأساليب القتال الجديدة للمقاومة الفلسطينية.
س- هل ما حصل بالنسبة للجيش الإسرائيليّ نكسة أم تحوُّل؟
ج- الاثنان معاً، فهو نكسة ستؤدّي إلى تحوّل حتمي في استراتيجيّته لأنّه ظهر بما لا يدعو إلى أيّ شكّ أنّ استراتيجيته السابقة لم تكن ناجحة، وكانت مفاعيلها مؤقّتة، فالخصم تمكّن من استيعابها والتأقلم معها ويتفوّق عليها في هذه المرحلة.
س- كان لافتاً تقصّد “حماس” توزيع فيديو ضرب الميركافا بالدرونز، فكيف تقرأ ذلك عسكريّاً؟
ج- بسبب الحروب الحاصلة اليوم يتعلّم المقاتلون بعضهم من بعض. شاهدنا على الجبهة الأوكرانية مدى نجاح الدرونز في ضرب الآليات المصفّحة والمدرّعة. نشاهد اليوم تطبيق الأمر نفسه في غزّة. كان واضحاً أنّ الإسرائيلي لم يكن يتوقّع بأيّ شكل من الأشكال هذا النوع من الهجمات. هناك فيديو لجثّة إسرائيلية تُسحب من داخل الميركافا، ومدفع الدبّابة في الفيديو ما زال عليه غطاء، وهذا يعني أنّه لم يُستعمل ويعني أيضاً أنّ الطاقم لم يكن يدري ما يحصل من حوله.
قهوجي: من الخطأ أن تحكم أيّ جهة وتُصدر نتائج حاسمة لما حصل. انطلقت العملية بنجاح باهر لـ”حماس” وبإخفاق هائل وتاريخي للإسرائيلي لم يشهد مثيلاً له منذ حرب الـ73
س- هل سبب الضعف الذي ظهر عند الجيش الإسرائيلي عدم الاستعداد والجهوزية أو الأزمة التي كانت تعصف بالجيش الإسرائيلي بسبب التعديلات القضائية؟
ج- هناك عدّة أسباب: أوّلاً، العنجهية عند الإسرائيلي الذي يفكّر أنّه لا يُقهر، والثقة الزائدة بتكنولوجيا الدفاع عن النفس من القبّة الحديدية ومقلاع داوود وغيرهما، وبأنّ الجبهة الخلفية محميّة، وأنّ لديه القدرة على تطويق العدوّ وضربه عندما يتحرّك. هذه الاستراتيجية طبعاً فشلت اليوم. الأمر الثالث أنّ إسرائيل تشهد منذ فترة صراع هويّة نتيجة فوز اليمين المتشدّد سبّب تراجعاً في الثقة بدولة إسرائيل وهويّتها وكيانها.
س- من غرق في عملية طوفان الأقصى؟
ج- من الخطأ أن تحكم أيّ جهة وتُصدر نتائج حاسمة لما حصل. انطلقت العملية بنجاح باهر لـ”حماس” وبإخفاق هائل وتاريخي للإسرائيلي لم يشهد مثيلاً له منذ حرب الـ73. وأتت في ذكرى حرب أكتوبر، وهي مفارقة مهمّة. اليوم المبادرة بيد “حماس”، وحتى هذه اللحظات الإسرائيلي يحاول أن يحتوي ما حصل بانتظار استدعاء الاحتياط.
الجيش الإسرائيلي مكوّن بنسبة 70-80% من الاحتياط فقط، فيما 20% هو الجيش النظامي. علينا الانتظار 24 – 48 ساعة لنرى ردّة الفعل الإسرائيلية. وهل يستطيع الجيش الإسرائيلي النجاح في العملية التي أعلنها؟ هل يتمكّن من أن يجتاح غزّة بأكملها ويقضي على “حماس”؟ أم يفشل؟ أم ما حصل سيكون بالنسبة لحماس كحرب 2006 بالنسبة للحزب، أي ستُكرَّس “حماس” مرجعاً وقائداً أساسياً للشعب الفلسطيني، ويعني أنّ الفصائل الفلسطينية ستنتهي، وأنّ “فتح” تكون قد انتهت لتتحوّل إلى ذكرى في التاريخ.
س- “حماس” المحاصرة تمكّنت من فعل ما فعله الحزب، فماذا يمكنه أن يفعل على الحدود الجنوبية؟
ج- سؤال مهمّ جدّاً، وما نراه هو سيناريو مصغّر لما يمكن للحزب والمجموعات التي لديه في سوريا أن توجّهه باتجاه إسرائيل مستقبلاً. هذه الرسالة أعتقد أنّها وصلت للإسرائيلي، ولذلك رأينا أنّ الجيش الإسرائيلي أعلن عملية استدعاء شامل للاحتياط، وهذا يعني أنّ إسرائيل تستعدّ لحرب على جبهتين.
إقرأ أيضاً: سعَيْد لـ”أساس”: الفدرالية تقتل معنى لبنان
س- برأيك هل هناك مخاطرعلى الجبهة اللبنانية؟
ج- حالياً لا أعتقد، وعلينا الانتظار.