إسرائيل: الاحتلال الذي يظلّ ينجو

مدة القراءة 6 د


عندما سأل مذيع إحدى القنوات الفضائية متحدّثَين فلسطينيَّين اثنين: ما هي أفضل وسيلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لوطنهما؟ ردّ أوّلهما بأنّها المقاومة، بينما اعتقد الآخر أنّ السياسة أو المفاوضات أقدر وأفضل. هاتان الإجابتان تخفيان خلفهما حقيقة أنّه على مدار أكثر من قرن خاض الفلسطينيون غمار كلتا التجربتين وما يزال هذا الاحتلال أهلاً للنجاة والبقاء.
على الرغم من اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل عام 1988 والرضى بإقامة دولة على 22 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، تبدو هذه الدولة ضرباً من الخيال، مقابل الاحتلال الذي يظلّ يتجدّد بأشكال وأدوات مختلفة ويجري تقديمه بأسماء متعدّدة تتجاوز حقيقته وضراوته.

بين نتانياهو وأبو مازن
على سبيل المثال، في الوقت الذي كان فيه فتية مقاومون يسقطون برصاص الجيش والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منصة الأمم المتحدة في نيويورك يخطب ودّ العالم، ويطلب منهم الإسراع بعقد مؤتمر دولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في الوقت نفسه وعلى المنصّة نفسها، راح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي ينكر على الفلسطينيين حقّهم في إقامة دولة مستقلّة وفي تقرير المصير، يقول إنّ وجود إسرائيل ضروري لحياة أفضل في الشرق الأوسط.
بينما كان نتانياهو يرفع خارطة للمنطقة تخلو من أيّ ذكر أو إشارة لفلسطين، ويُسهب في شرح كيف ستساعد إسرائيل في قيادة المنطقة إلى عالم من الازدهار والتقدّم باستخدام خبراتها الفريدة في التكنولوجيا، شنّ جنوده هجوماً على جامعة بيرزيت، أعرق الجامعات الفلسطينية، واعتقلوا عدداً من طلبتها ودمّروا مكاتب وعاثوا فيها فساداً.

باتت إسرائيل تنظر إلى الفلسطينيين على أنّهم عقبة يتوجّب تجاوزها في مسعاها إلى التوصّل إلى علاقات طبيعية مع جميع الدول العربية والإسلامية

طبعاً لا أحد في إسرائيل تقريباً يتذكّر الاحتلال، وبات اسم الفلسطينيين فيها مقترناً بتهديد وجودها. وبينما يخرج مئات آلاف الإسرائيليين للتظاهر أسبوعياً ضدّ إجراءات حكومة اليمين المتطرّف التي يقودها نتانياهو وأدّت إلى تقويض القضاء، بالكاد يمكن سماع أصوات إسرائيلية تنادي بإنهاء الاحتلال.
لقد باتت إسرائيل تنظر إلى الفلسطينيين على أنّهم عقبة يتوجّب تجاوزها في مسعاها إلى التوصّل إلى علاقات طبيعية مع جميع الدول العربية والإسلامية. بل إنّ رئيس وزرائها ذهب إلى القول إنّه يجب أن لا يحظى الفلسطينيون بحقّ نقض أيّ اتفاقات يمكن أن تتوصّل إليها إسرائيل مع دول عربية وإسلامية. وشدّد نتانياهو في أكثر من حديث صحافي خلال الأيام الماضية على أنّ الاتفاقات السابقة التي تمّ التوصّل إليها “تحقّقت بفضل تجاوز الفلسطينيين”.
تراهن إسرائيل على أنّ القضية الفلسطينية لم تعُد لها الأهمية عينها التي كانت تحظى بها في صفوف العرب والمسلمين، وهي تسعى بشكل حثيث منذ سنوات إلى إنهاء النزاع مع الدول العربية والإسلامية في العالم من دون أن تقدّم شيئاً للفلسطينيين الذين تحتلّ أراضيهم وتسرق ممتلكاتهم منذ عقود.
يبدو أنّ إسرائيل لم تتوقّف ملياً عند تصريحات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة التي قال فيها إنّ “مطالب الفلسطينيين واحتياجاتهم مهمّة” في سياق عقد أيّ اتفاق مع إسرائيل، ولا عند تصريحات وزير الخارجية فيصل بن فرحان حول حقّ الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلّة.
نقلت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن مسؤولين داخل حزب الليكود الذي يقود الائتلاف الحاكم في إسرائيل قولهم إنّ “القضية الفلسطينية ستكون قضية ثانوية في الاتفاق مع السعودية”، وأضافت أنّ “سلمان وبايدن سياسيان جيّدان وصاحبا خبرة ويعرفان الخطّ الفاصل بين الواقع والأفكار الوهمية”.
كتبت الصحيفة تقول إنّ “التغيير في موقف المملكة العربية السعودية هو تغيير جذري.. وعندما يدرك الفلسطينيون أنّهم فقدوا الدعم في العالم العربي، فسيبدأون التفكير”.

يبدو أنّ إسرائيل لم تتوقّف ملياً عند تصريحات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة التي قال فيها إنّ “مطالب الفلسطينيين واحتياجاتهم مهمّة” في سياق عقد أيّ اتفاق مع إسرائيل

من يشجع إسرائيل على احتلالها؟
ثمّة عوامل عديدة أخرى غير إسرائيلية تساعد إسرائيل وتشجّعها على مواصلة احتلالها لأراضي الفلسطينيين وأن تمضي في الوقت ذاته بالظهور بمظهر دولة ديمقراطية وجزء أساسي في المنطقة يجب التعامل معه على الأسس والعلاقات التي تحكم تعامل الدول.
هكذا عندما صعّد الجيش والمستوطنون الإسرائيليون من هجماتهم أوائل العام الحالي ضدّ الفلسطينيين، سعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومعها حلفاؤها الغربيون إلى الضغط على كلّ من مصر والأردن حتى يقوما بدورهما بإقناع السلطة الفلسطينية بالعمل على الحدّ من أعمال المقاومة.
تُرجم هذا الضغط إلى لقاءين في العقبة وشرم الشيخ تعهّدت فيهما إسرائيل بالتوقّف عن اتخاذ إجراءات أحادية، لا سيما في ما يتعلّق بالنشاط الاستيطاني، والتوقّف عن اقتحام مدن الضفة الغربية حيث السيطرة فلسطينية.
وجاء في البيان الختامي الذي صدر في حينه: “جدّدت حكومة إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية استعدادهما والتزامهما المشترك بالتحرّك بشكل فوري لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من 3 إلى 6 أشهر، ويتضمّن ذلك التزاماً إسرائيلياً بوقف مناقشة أيّ وحدات استيطانية جديدة لمدّة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأيّ نقاط استيطانية لمدّة 6 أشهر”.

إقرأ أيضاً: شتاء ساخن بانتظار حكومة نتانياهو

لكنّ هذا الالتزام لم يدُم ساعات، إذ واصلت إسرائيل هجماتها وتعمّدت إحداث أكبر ضرر ممكن في الممتلكات والبنى التحتية للمدن والمخيّمات، وواصلت المقاومة ردّها وما يزال الحال على ما هو عليه.
في المقابل لم تجد الإدارة الأميركية، ومعها الاتحاد الأوروبي، سوى التعبير مجدّداً عن التزامهما بحلّ الدولتين، لكنّ أرض الواقع لم تشهد سوى مزيد من المواجهات ومشاريع إقامة وحدات استيطانية جديدة على أرض الفلسطينيين.
لا يمكن مجادلة ضرورة مقاومة الاحتلال واستخدام السياسة على طريق التخلّص منه، بيد أنّ تحقيق ذلك سيظلّ بعيداً إن لم تستوعب أخلاق العالم أنّه احتلال بالفعل.                                                                      

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…