حين اتفق قادة نادي “البريكس” في قمتهم السنوية في جوهانسبورغ في 22 آب الماضي على منح أربع دول من المنطقة هي مصر وإيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة العضوية الكاملة اعتباراً من الأول من كانون الثاني المقبل، لتصبح حصة الشرق الأوسط فيه أكثر من ثلث أعضاء الكتلة الموسعة، وصف الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي تعد بلاده الأقوى في مجموعة الدول غير الغربية هذه التي تمثل ربع اقتصاد العالم، الحدث بأنه “تاريخي”.
لكنه بحسب مجلة “ايكونوميست” يدل على “أن الشرق الأوسط يتغير وفق رؤية “شرق أوسط جديد” كان قدم لها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسادت في دول الخليج كافةً “تركز على الاقتصاد بدلاً من التحوّل الديمقراطي أو الأسلمة أو غيرها من الأيديولوجيات الأخرى المشتتة للانتباه”، وتعتبر أن “الدبلوماسية هي التي تجلب الاستقرار الذي يعزز الاستثمار والنمو، ويساعد في التغلب على الاضطرابات التي طالما شهدتها المنطقة”.
هذا النموذج الذي طبقته في الداخل، تريد دول الخليج اليوم في سعيها لترسيخ موقعها في العالم كقوة كبرى غير منحازة، تصديره الى منطقة الشرق الأوسط لأنها، بحسب الايكونوميست تتمتع بإمكانات هائلة، فهي:
– غنية بالهيدروكربونات التي تمثل 36 % من إنتاج النفط العالمي، و46 % من صادرات النفط، و22 % من إنتاج الغاز الطبيعي، و30 % من صادرات الغاز الطبيعي المسال. وهي أرقام قابلة للارتفاع. كما وتتمتع المنطقة باحتياطيات هائلة (52 بالمئة من الإجمالي العالمي للنفط و43 بالمئة للغاز) وبتكاليف إنتاج منخفضة.
– لها موقع مفصلي: فهي تربط بين أوروبا وأفريقيا وآسيا. يمر حوالي 30 % من حاويات الشحن في العالم عبر قناة السويس في مصر، بينما يمر 16 % من الشحن الجوي عبر مطارات الخليج. يعتبر شباب سكانها رصيداً هاماً آخر: 55% من سكان الشرق الأوسط تقل أعمارهم عن 30 عاماً، مقارنة بنسبة 36% من سكان دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتكون أساساً من دول غنية.
في رأي الايكونوميست، أدى تخفيف التوترات إلى تحسن التوقعات الاقتصادية، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الجزء غير النفطي من اقتصادات دول الخليج بنسبة 4.2 % هذا العام
3 تحوّلات رئيسية
هناك ثلاثة تحولات رئيسية جارية قد تغيّر مكانة الشرق الأوسط في العالم:
– الأول هو البعد المتزايد بين دول الخليج وأميركا حيث بات لواشنطن أولويات أخرى: المنافسة مع الصين، والحرب في أوكرانيا، والاضطرابات السياسية في الداخل. وحيث يتضاءل النفوذ الاقتصادي لأميركا. اذ على مدى السنوات الثلاثين الماضية، زادت حصة صادرات الشرق الأوسط إلى الصين والهند من 5 % إلى 26%، وفقاً لصندوق النقد الدولي. بينما انخفضت الصادرات الى أوروبا وأميركا من 34% إلى 16%. وبينما كانت صادرات السعودية من النفط الخام الى الصين في التسعينيات أقل من 1% والى الهند أقل من 3%، بلغت هذه الأرقام 28? و12? في عام 2021.
– الثاني هو سعي المنطقة لتمويل التحوّل بعيداً عن الهيدروكربونات. وكان الارتفاع الأخير في أسعار النفط نعمة لها، فحققت شركة أرامكو أرباحاً قياسية بلغت 161 مليار دولار العام الماضي، بارتفاع 110 مليارات دولار عن عام 2021. وتخطط لزيادة طاقتها بمليون برميل يومياً (حوالي 10%) على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
82 % من الشباب: الاستقرار أولاً
من جهتها، أصبحت قطر نقطة عبور للنفط الإيراني والروسي الخاضع لعقوبات غربية. وهي تخطط، باعتبارها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، لزيادة الإنتاج بنسبة 63% بحلول عام 2027. كما يتم استثمار الإيرادات في صناعات جديدة. فبدلاً من إيداع أموال النفط في سندات الخزانة الأميركية، كما في السابق، تشتري السعودية كل شيء: من لاعبي كرة القدم الأوروبيين إلى شركات السيارات الكهربائية.
– التحول الثالث هو في المواقف. حيث تظهر الاستطلاعات أن الوضع الاقتصادي هو الهم الرئيسي للمواطنين العرب. وعندما سئل الشباب منهم عما إذا كان الاستقرار أو الديمقراطية أكثر أهمية، اختارت نسبة 82% منهم الاستقرار.. ويعتبر الكثير منهم أن الديمقراطية تضر بالنمو الاقتصادي كما أنهم فقدوا اهتمامهم بالإسلام السياسي أيضاً. ويبدو أيضاً أن قادة دول الخليج لديهم رؤية جديدة، وأن عصر السياسة الخارجية المرتكزة على القوة قد انتهى بالنسبة لهم، على الأقل في الوقت الحالي. فكان التغيير الدبلوماسي غير المتوقع هو الاتفاقية بين السعودية وإيران اللتين لن تصبحا صديقيتن لكن اتفاقهما يقلل من مخاطر الصراع في الخليج، كما كانت إعادة الاعتبار الى بشار الأسد الذي لم يفعل شيئاً ليستحق ذلك..
وفي رأي الايكونوميست، أدى تخفيف التوترات إلى تحسن التوقعات الاقتصادية، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الجزء غير النفطي من اقتصادات دول الخليج بنسبة 4.2 % هذا العام وارتفاع الجزء النفطي بنسبة 1.9 % فقط (انخفاضاً من 10.3 % عن عام 2022). واجتذبت المنطقة 6% من التدفقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي، بارتفاع من 3% عن عام 2019. كما تزدهر أسواق رأس المال أيضا حيث استحوذت الشركات في أبو ظبي على 14% من الاكتتابات العالمية في الربع الأول من عام 2023. ويقدر بنك غولدمان ساكس أن حيازات الأسهم الأجنبية في الشرق الأوسط ارتفعت من 2 % في عام 2017 إلى 10% في العام الماضي. ويتوقع أن يرتفع وزن المنطقة في مؤشرات الأسواق الناشئة إلى 10% في السنوات القليلة المقبلة، مقارنة بنسبة 7 % اليوم. كما وتشهد الإصلاحات المحلية الرئيسية تقدماً ملحوظاً: فتم توظيف 31% من النساء السعوديات في الربع الأول من هذا العام مقارنة بنسبة 16% في نفس الفترة من عام 2017. وتحاول دول الخليج أن تكون أكثر تطلباً عند توزيع المساعدات التي لا يزال بعضها يخضع لشروط.
تنقل الايكونوميست نظرة متفائلة تعتبر أن وجود شرق الأوسط أكثر هدوءً يعني مخاطر أقل على التجارة العالمية وتدفقات الطاقة، وعدداً أقل من اللاجئين
رؤية جذابة.. ولكن
بالنسبة لانعكاسات هذه التحولات، تنقل الايكونوميست نظرة متفائلة تعتبر “أن وجود شرق الأوسط أكثر هدوءً يعني مخاطر أقل على التجارة العالمية وتدفقات الطاقة، وعدداً أقل من اللاجئين (في المنطقة أكثر من 8 ملايين لاجئ من اجمالي 35 مليون لاجئ على مستوى العالم). وقد يصبح الشرق الأوسط الشاب قاعدة تصنيع جديدة، وتزداد التبادلات التجارية بين دوله.
على سبيل المثال يقدر باحثون من شركة “ماجد الفطيم” الإماراتية وشركة ماكينزي الاستشارية، أن إزالة الحواجز التجارية يمكن أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بمقدار 230 مليار دولار (5%). كما ويمكن أيضاً ربط البنية التحتية ببعضها البعض، ودمج خطوط السكك الحديدية الخاصة بدول الخليج وربطها مع خطوط السكك الحديدية في العراق وإسرائيل والأردن. كما يمكن لخطوط الأنابيب نقل الهيدروجين السعودي منخفض التكلفة إلى أوروبا، كما يمكن لخطوط النقل المحسنة أن تسمح لمنطقة مشمسة بتصدير الطاقة الشمسية.
هذه الرؤية جذابة، لكن لها العديد من المزالق، وفقاً للمجلة:
– أولاً: هو تفاوت التقدم الاقتصادي بين الدول المزدهرة والدول الفقيرة. فمعظم بلدان الشرق الأوسط تعاني من العوز. لكن حالة مصر، تثير القلق بشكل خاص. وقد بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر 93%، مع 36% من القروض المقومة بالعملات الأجنبية. وانكمش اقتصادها غير النفطي، وفقدت العملة نصف قيمتها وقد تنخفض مرة أخرى قريباً. بينما بلغ التضخم السنوي 38% في تموز. وعانى المواطنون من انقطاع التيار الكهربائي لأن الحكومة لم تستطع استيراد ما يكفي من الوقود لمحطات الطاقة. ومن غير المستبعد حدوث أزمة شديدة في ميزان المدفوعات. وسيكون من الصعب إعادة بناء المنطقة عندما تكون أكبر دولها في حالة احتضار. وإذا اندلعت الاضطرابات على نطاق واسع، فقد تعود بالضرر على الآفاق الاقتصادية لدول الخليج.
– ثانياً: خطر آخر يتمثل في احتمال فشل حتى البلدان المزدهرة في المنطقة في ايجاد فرص العمل وتحقيق النمو الذي وعدت به. والسعودية، مثل جيرانها، تواجه مشاكل هيكلية عميقة. لا يزال المواطنون يعتبرون الوظيفة المريحة في القطاع العام حقاً مكتسباً. إذ توظف الحكومة 53% من السعوديين العاملين، على الرغم من انخفاض هذا الرقم عن نسبة 66 بالمئة في عام 2019. المدارس لا تعلم المهارات القابلة للتسويق. الأجور مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن للمملكة ان تصبح مركزاً للتصنيع بدون دعم الدولة المكلف. ومن غير الواضح ما إذا كانت استثمارات الحكومة في التنويع ستؤتي ثمارها. تتوقع رؤية 2030 أن تساهم السياحة بنسبة 10% في الناتج المحلي الإجمالي السعودي بحلول نهاية العقد، وان يخلق هذا القطاع مليون فرصة عمل، لكن الدلائل قليلة على التدفق المتوقع لـ 100 مليون زائر سنوياً. في العام الماضي، كان هناك 16 مليوناً فقط، حسب تقديرات الأمم المتحدة، أي أقل بنحو 1.5 مليون عن عام 2016 عام تبني الرؤية.
إقرأ أيضاً: الشرق: الأنظمة الملكية “مستقرّة”… الديمقراطية “فوضوية”
– ثالثاً: يخشى أن تظهر الحجج الأيديولوجية مجدداً في مرحلة ما. تواصل السعودية سياسة الانفراج مع إيران لكن إذا قامت إيران بتصنيع قنبلة نووية، قد يؤدي ذلك إلى سباق تسلح إقليمي، أو حتى حرب. وبالرغم من احتواء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني نسبياً، فمن غير المرجح أن يستمر إلى الأبد. ما يهدد بتقويض الاتفاقات العربية مع إسرائيل.
وفي حين انحسر العنف في ليبيا وسوريا واليمن، لكن الخلافات الأساسية لا تزال دون حل. وفي سوريا، يواجه نظام الأسد موجة من الاحتجاجات في السويداء. وبينما السعودية والإمارات هما المشجعان الرئيسيان للشرق الأوسط الجديد فانهما غالباً ما يختلفان حول السياسة الخارجية والمسائل الاقتصادية.
– الخطر الأخير هو أن تخطئ المنطقة في توازنها الجيوسياسي. فلا تزال أميركا الدولة الوحيدة الراغبة والقادرة على استعراض القوة العسكرية في المنطقة، كما أن هيمنتها على النظام المالي العالمي تمنحها ثقلاً اقتصادياً لا مثيل له، ولا يمكن لدول الخليج أن تخاطر بفقدانها كشريك.
لقراءة النصّ على الرابط الأصلي: إضغط هنا