الحزب واللجوء السوريّ: رسائل طهران

مدة القراءة 5 د


واضحة كلمات السيّد حسن نصر الله الأمين العامّ للحزب، الإثنين الماضي، في مقاربة مشكلة النزوح السوري في لبنان. وفي لبّ الخطاب ما يكشف أنّ تفاقم ظاهرة اللجوء أخيراً مبرمج مخطّط، له أهداف سياسية لدمشق وطهران وتيّارهما في المنطقة وحلفائهما في لبنان. وبصريح العبارة يسوّق السّيد لدى أنصاره كما لدى خصومه المتبرّمين من أخطار اللجوء السوري بضاعة مفادها أن لا مشكلة في سوريا.. المشكلة في الولايات المتحدة.
أقرّ العالم في 18 كانون الأول 2015 قراراً أممياً حمل الرقم 2254 قام على واقع وجود أزمة سياسية في سوريا بين نظام ومعارضة تحتاج إلى حلّ سياسي بين نظام ومعارضة. وفق ذلك فإنّ توقّف الحرب والعنف، وهما نتاج هذه الأزمة، يمرّ عبر خريطة طريق باتجاه هدف قيام تسوية سياسية تكون المعارضة جزءاً منها. وعلى هذا فإنّ ظاهرة اللاجئين المتدفّقين إلى دول الجوار، لا سيّما لبنان، هي نتيجة تنتهي بانتفاء السبب والمسبّب.
الغريب أنّ خطاب الحزب لم يتغيّر منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011. كان سبق أن سُرِّب في بداية الأزمة أنّ الأمين العام للحزب قد ذهب شخصياً إلى دمشق من أجل وساطة تنهي أزمة النظام والمعارضة. وبغضّ النظر عن دقّة ذلك، فإنّ في إعلان الأمر اعترافاً آنذاك بأنّ في سوريا مشكلة، ومشكلة حقيقية وكبرى وجب العمل جدّياً على حلّها. غير أنّ أجندة إيران لاحقاً والتحاق الحزب بالحرب في سوريا، مرّة لـ “الدفاع عن المراقد المقدّسة” ومرّة لردّ “الإرهاب والمؤامرة الصهيونية”، أسقطا “المشكلة” من أدبيات الحزب لمصلحة نظرية “الحرب الكونية” التي نظّر لها الرئيس السوري بشار الأسد منذ نيسان 2013.

تعويم النظام السوري
يعمل الحزب، كما طهران وموسكو، على قطف نتائج الحرب عبر السعي إلى تعويم النظام السوري من دون أيّ إصلاحات دستورية يطالب بها السوريون قبل أن تصبح جزءاً من نصّ القرار الأممي بشأن الحلّ السوري. بمعنى آخر، تعتبر دمشق وحلفاؤها والحزب في طليعتهم أنّ ما جرى في سوريا هو “تفصيل أمنيّ” قتل مئات الآلاف وشرّد الملايين، وقد تعاملت الحكومة مع الأمر “كما يجب” وعلى العالم أن يقبل بالأمر الواقع.

ليس بريئاً أن تخرج نظرية الأمين العام الجديدة بشأن اللجوء السوري بعد أيام وأسابيع على تسجيل دخول مكثّف متفرّق المداخل والمنافذ نحو لبنان

ليس بريئاً أن تخرج نظرية الأمين العام الجديدة بشأن اللجوء السوري بعد أيام وأسابيع على تسجيل دخول مكثّف متفرّق المداخل والمنافذ نحو لبنان. بدا أنّ المشاهد تعبّر عن أمر عمليات يلتقي تماماً مع تقويم الأسد لمسألة عودة اللاجئين إلى “بلادهم”، وهو حقّهم القانوني والسياسي والإنساني والمنطقي. يفتي الأسد أنّ سوريا لا تملك بنى تحتية لاستعادة مواطنيها، وأنّ الحلّ هو في تمويل تلك البنى وبدون شروط. باختصار لسان حال هذا الموقف يقول “ادفعوا فدية لنخلّصكم ونخلّصهم من كارثة اللجوء”. والغريب أنّ الأسد الذي يلمّح إلى بنى تحتية تأتيه من أموال العرب والغرب لم يفتّش عنها في زيارته الأخيرة للصين.
عوّلت دمشق على خطوات التطبيع المتقدّم التي أجرتها بعض البلدان العربية مع دمشق وعلى قرار جامعة الدول العربية باستعادة دمشق لمقعدها داخل الجامعة وحضور الرئيس السوري قمّة جدّة العربية في 18 أيار الماضي. بالمقابل لم يتغيّر الموقف الدولي، لا سيما موقف واشنطن والدول الأوروبية، وهي الدول المانحة الكبرى التي ذكّرت بأن لا تعامل مع نظام دمشق ولا دعم ماليّاً لإعادة الإعمار (أي البنى التحتية التي يتحدّث عنها الأسد)، وبالتالي إعادة اللاجئين، من دون تسوية سياسية وفق القرار الأممي تكون المعارضة جزءاً منها. لكنّ رياح العرب لم تنفخ سفن الأسد الذي تبرّم واصفاً العلاقات مع العرب بأنّها “شكليّة”.

“قانون قيصر” ولبنان
يتبرّع هنا الأمين العامّ للحزب باكتشاف مفاتيح لعبة اللجوء السوري وكلمة سرّه. يقدّم نصيحة إلى “من يعتقد أنّ النزوح السوري يهدّد وجود لبنان (بأنّه) يجب عليه أن يقول لواشنطن إنّ رفع قانون قيصر ينقذ لبنان”. بكلمة أخرى لا مشكلة في أو مع دمشق بل هي في مكان آخر بعيد عن سوريا أكثر من 10 آلاف كيلومتر. 

للتذكير فقط فإنّ “قيصر”، الذي يحمل قانون العقوبات الأميركية على سوريا اسمه، هو الاسم الحركي لعسكري ومصوّر في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام تمكّن من توثيق وجمع حوالي 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، وذلك حتى منتصف 2013، تاريخ انشقاقه عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية حاملاً الصور المُدينة للنظام.
يحمّل الحزب “قيصر” مسؤولية أزمة اللاجئين في لبنان. يسوّق لمناورة يسهل تسويقها. فحتى وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي الذي اعتبر في 30 أيلول الماضي أنّ “الأمر لم يعد يُحتمل ويهدّد ديمغرافية لبنان وهويّته”، انتقد تعاطي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في هذا الموضوع. يدفع الأمين العام للحزب اللبنانيين باتجاه تبنّي رؤية دمشق ونظامها، وحكومة لبنان تطالب العالم والمنظمة الأممية ولا تطالب دمشق بفتح أبواب سوريا أمام أهلها.

إقرأ أيضاً: السيّد والنازحون: العين على “قانون قيصر”

تستحقّ مسألة اللجوء السوري في لبنان نقاشاً لبنانياً شاملاً. وفيما تبدو حدّته من “عدّة الشغل” لدى تيارات سياسية، فهي ليست على رادارات قوى سياسية أخرى. وإذا ما نظّر حلفاء دمشق في لبنان منذ سنوات للتطبيع الكامل مع النظام السوري حلّاً حصرياً للمعضلة، ورفض فريق آخر تطبيعاً يعيد “الوصاية” إلى بلدهم، فإنّ الأمين العام للحزب بات في فتواه بشأن “النزوح” يوجّه لبنان ولبنانيّيه صوب واشنطن و”قيصرها” ترياقاً جديداً لإنهاء الجدل.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mohamadkawas@

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…