في 28 أيلول الماضي نظّم حزب الطاشناق تظاهرة أمام السفارة الأذربيجانية في عين عار(المتن الشمالي)، حضرها العشرات من الأرمن اعتراضاً على “الإبادة العرقية التي يتعرّض لها الأرمن في إقليم أرتساخ في أذربيجان”. في تلك التظاهرة حصل اشتباك بين الأرمن المتظاهرين وبين القوى الأمنيّة التي حضرت بكثافة كبيرة في المكان. نُقل عدد من المصابين إلى المستشفيات وتراوحت إصاباتهم بين الخفيفة والمتوسطة. يومها تقدّم الأمين العام لحزب الطاشناق النائب آغوب بقرادونيان التظاهرة، لكنّه لم يستطع إيقاف “الاعتداء”. بعد ذلك اليوم خرج بقرادونيان عن صمته متّهماً القوى السياسية “المسلمة” بالتواطؤ من خلال عدم التضامن مع قضية أرمن أرتساخ. الطاشناق الذي طالما تمايز عن الكتلة التي انضم إليها بعد عودة الرئيس ميشال عون من المنفى بمواقفه السياسية لمصلحة الثنائي الشيعي يخرج عن صمته ويقول “ما حدا يطلب منا نتضامن مع قضية فلسطين ونحنا ما منشحد تضامن من حدا”.
بقرادونيان يواجه ميقاتي والمولوي وعثمان
كشف النائب آغوب بقرادونيان في حديث تلفزيوني أنّه اتصل خلال التظاهرة بالمرجعيات الأمنية لتدارك الوضع بعد حصول الاشتباك مع القوى الأمنية، فاتصل بوزير الداخلية “ولم يجب”، واتصل بالرئيس ميقاتي “لكنّه كان في الأردن في زيارة عائلية”، واتصل باللواء عماد عثمان “فأجاب مشكوراً بأنّ هذه هي الأوامر”. وبالتالي هي أوامر سياسية وجد فيها بقرادونيان تواطؤاً من “القوى المسلمة السنّية والشيعية” بعدم إزعاج أذربيجان وما يتّصل بها من مصالح من تركيا وصولاً إلى إيران.
في معلومات “أساس” أنّه بعدما أطلّ بقرادونيان بلهجة عالية، اتصل به اللواء عثمان وقال له إنّه لم يتلقَّ أوامر سياسية من أحد، ثمّ اتصل به وزير الداخلية ليقول له إنّه لم يتلقَّ أيّ اتصال منه، فما كان من بقرادونيان إلا أن أرسل له “سكرينشوت” بالاتصال. وفي معلومات “أساس” أيضاً أنّ رسالة وصلت إلى بقرادونيان من الرئيس ميقاتي يقول فيها إنّه سيضع على جدول أعمال أيّ جلسة حكومية مقبلة بند تضامن مع أرمن أرتساخ بسبب تعرّضهم للتهجير من ناغورنو كاراباخ إلى أرمينيا.
في معلومات “أساس” أنّه بعدما أطلّ بقرادونيان بلهجة عالية، اتصل به اللواء عثمان وقال له إنّه لم يتلقَّ أوامر سياسية من أحد، ثمّ اتصل به وزير الداخلية ليقول له إنّه لم يتلقَّ أيّ اتصال منه، فما كان من بقرادونيان إلا أن أرسل له “سكرينشوت” بالاتصال
بقرادونيان يواجه الثنائيّ
في لهجة قاسية، عالية النبرة، نادراً ما نراها في مواقف الطاشناق الذي اعتاد تدوير الزوايا في السياسة، لا سيما في المحطات المفصليّة التي انقسم فيها التيار الوطني الحر عن الحزب. كان الطاشناق في أغلب الأحيان يتمايز عن كتلة “التيار” ويصطفّ مع الثنائي في قراراته. آخر هذه الاصطفافات الذي قرّر فيه نواب الطاشناق التمايز عن التيار الوطني الحر لمصلحة الثنائي كان في تسمية الرئيس ميقاتي لرئاسة الحكومة، ثمّ في انتخاب الرئيس نبيه برّي، ثمّ في الانتخابات الرئاسية التي صوّت فيها النواب الثلاثة لمصلحة مرشّح الثنائي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على الرغم من امتناع بقرادونيان عن الردّ على سؤال عن حقيقة تصويتهم. في الأمس القريب قرّر الطاشناق أيضاً الانفصال عن لوائح التيار الوطني الحر في المتن بحجّة “التكتيك الانتخابي”، بالإضافة إلى موقف الرئيس ميشال عون في تشكيل الحكومات في بعبدا، بأنّ “حصّة الطاشناق في الحكومة ليست محسوبة على رئيس الجمهورية”.
يأتي هذا السرد للوصول إلى حال الطاشناق اليوم الذي قرّر أمينه العامّ الخروج عبر الإعلام عن طوعه، والقول إنّ الأحزاب المسيحية وحدها من تضامن مع الطاشناق، بينما الأحزاب المسلمة التزمت الصمت، ومن بينها الثنائي الذي طالما اصطفّ الطاشناق معه في السياسة. بخيبة أمل قال بقرادونيان: “لو كان كلب على الطريق كانوا تضامنوا معه أكثر، نحنا ما منشحد تضامن، والتضامن بعد الطلب لا قيمة له”. هكذا اذا أوصل نائب المتن حليف الثنائي في خياراته السياسية اعتراضه على غياب أيّ موقف تضامني مع أرمن أرتساخ. بعد ذلك، وبحسب معلومات “أساس”، لم يرِده أيّ اتصال من الحزب. بل تمّ تشكيل وفد من القوى الوطنية يتضمّن الحزب وحركة أمل والقومي والقوى الأخرى التي تجتمع في لجنة تنسيقية، وزار مقرّ الطاشناق متضامناً مع الأرمن. ولكن في الخلاصة لا طعم للتضامن بعد رفع الصوت كما فعل بقرادونيان وكما قال.
في معلومات “أساس” أيضاً أنّ رسالة وصلت إلى بقرادونيان من الرئيس ميقاتي يقول فيها إنّه سيضع على جدول أعمال أيّ جلسة حكومية مقبلة بند تضامن مع أرمن أرتساخ بسبب تعرّضهم للتهجير من ناغورنو كاراباخ إلى أرمينيا
هل يؤثّر ذلك على مواقف الطاشناق في السياسة؟ وماذا لو أُعيدت جلسة الرابع عشر من حزيران، فهل يصوّت أرمن الطاشناق لخيار الثنائي؟ يقول بقرادونيان: “منذ بداية الأزمة وأنا أقول إنّه لا خيار إلا التسوية والتوافق بين اللبنانيين، ونحن مع هذا الخيار”.
هجرة أرمن أرتساخ برعاية أرمينيا
يدرك بقرادونيان أنّ ما يعترض عليه من هجرة وإبادة عرقية هو نتيجة اتفاق دولي وتقاطع بين تركيا وروسيا وإيران وأرمينيا والولايات المتحدة وفرنسا، وخصوصاً الأخيرة التي أقرّت دعم أرمينيا عسكرياً، بينما قرّرت إيران إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع أذربيجان، على الرغم من قضية ناغورنو كاراباخ. يدرك بقرادونيان أنّ التوافق الدولي كان أكبر من 120 ألف أرمني في ناغورنو كاراباخ، وربّما صمت الحلفاء اللبنانيين خير تعبير عن ذلك، لأنّ لبنان سيكون نموذجاً آخر للتوافق الدولي في وقت ليس ببعيد، خصوصاً أنّ الغاز في جنوب القوقاز كان اللاعب الأوّل في التوافق الدولي هناك. وكما في جنوب القوقاز سيكون في لبنان. ووفق المسار السياسي القائم بين باكو ويريفان، على الرغم من بعض العثرات، سيستتبّ استقرار سيهدّئ أوضاع جنوب القوقاز، وسيفضي الربط الاقتصادي بفعل الغاز، بين إيران وأذربيجان وأرمينيا وتركيا، إلى تحوُّل اقتصادي لافت، وهو ما يجعل المنطقة المنسيّة أيام الاتحاد السوفيتي نقطة انطلاق لنهضة اقتصادية شاملة. كذلك سيكون في لبنان على الرغم من غياب الأفق في الكثير من الأحيان، فبعد ترسيم الحدود البحريّة وإعلان شركة “توتال” الفرنسية نتائج اختباراتها في بلوك 9 في الجنوب، ستسلك البلاد مسار الاستقرار الاقتصادي. لا يتعلّق الأمر بأمنيات ورغبات، بل بواقع ناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، وبطء التحوّل إلى الطاقة المتجدّدة، وغياب الوضوح في الغزو الروسي لأوكرانيا، والفوضى الخانقة في إفريقيا.
إقرأ أيضاً: من يطرح تعديل الطائف؟
بالعودة إلى لبنان، يبدو أنّ الخلاف بين الطاشناق وحلفائه لن يؤدّي إلى افتراق في الاستحقاقات المفصلية، لأنّ بقرادونيان يدرك أنّ كلّ ما يحصل ليس سوى اتفاق دولي تشارك فيه السلطات في أرمينيا ولو كان الطاشناق فيها معارضة. إلا أنّ الجواب على هذه الإشكالية لن يكون إلا بمراقبة خيارات الطاشناق السياسية في المقبل من الأيام.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@