خلافاً للمتداوَل، تجزم مصادر مقرّبة من سليمان فرنجية لـ”أساس” أنّ رئيس تيار المردة “لم يقُل مرّة أنّه على استعداد لدعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون إذا استمرّ موقف جبران باسيل معارضاً لترشيحه. وإذا كان قد تلفّظ بذلك أمام أحد زائريه، فذلك من باب النكاية برئيس التيار الوطني الحرّ، ومفعول هذا الكلام ينتهي في زمانه ومكانه”.
لكنّه زمن الفورات الرئاسية والخبريّات التي تنتشر كالنار في الهشيم. إذ لا رواية يُركن إليها كي يتمّ التراجع عنها. يمضي فرنجية في ترشيحه بقوّة ولا نيّة لديه للتراجع أو الانسحاب. وكلّما راجع فرنجية الحزب كان ردّه جازماً حازماً أن “لا انسحاب ولا تراجع وأنّ الصورة كما نراها إيجابية ولمصلحتك”.
لا مبادرات جدّيّة بعد
يتمسّك الحزب بترشيح فرنجية متجاوزاً قرارات فرنسا وموفدها جان إيف لودريان، والقطريين واقتراحاتهم. حتى اليوم لم يتسلّم نصّ مبادرة واضحة من الجهتين. كلتاهما زارته مستطلعةً موقفه الذي يعيد تكراره ويفيد أن لا مرشّح للحزب إلا سليمان فرنجية. حتى الموفد القطري اكتفى باستعراض أسماء للتداول ليس بقصد الترشيح أو الفرض ولا على سبيل المفاضلة: “فإذا كانت حظوظ فرنجية معقّدة فما رأيكم بترشيح فلان؟”، أو: “ما الذي يمنع التوافق على فلان؟”.
خلال اجتماعه مع المعاون السياسي في الحزب الحاج حسين الخليل استفسر عن إمكانية انسحاب فرنجية من المعركة على سبيل تحريك الجمود ما دام ترشيحه يصطدم بمعارضة قوية، واستفسر عن إمكانية أن يشكّل عاملاً مساعداً ومسهّلاً لهذا الانسحاب مقابل تقديم عرض يقبل به فرنجية ويحقّق له مكاسب سياسية مستقبلية. لكنّ فرنجية رفض بحث العرض القطري الذي نقله إليه وزيره السابق يوسف فنيانوس. وتؤكّد مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ القطريين عرضوا على فرنجية الانسحاب من المعركة بغرض حلحلة العُقد والانتقال إلى مرحلة جديدة رئاسياً، لكنّه أكّد على الرفض.
تشرين هو شهر الاستحقاقات في لبنان، ففيه سيعود لودريان إلى بحث الاستحقاق الرئاسي، وسيعود الموفد الأميركي آموس هوكستين لبحث مسار ترسيم الحدود البرّية
القطريّ لم يحمل جديداً
أنهى القطري مهمّته الاستطلاعية، لكنّ استطلاعه لن يبلغ مرحلة من الجدّية المطلوبة ما دام في إطاره الأمنيّ الاستطلاعي ولم يبلغ حدّ المبادرة الجدّية بعد. أيام قليلة ويعود الموفد الفرنسي “الرئاسي” في زيارة جديدة لن يحمل فيها مبادرة ولا صيغة واضحة، بل دعوة جامعة إلى قصر الصنوبر من أجل لقاء لن يكون “حواراً” أو “تشاوراً”، وهما لفظتان مرفوضتان من قبل المعارضة، فاستُعيض عنهما بصيغة “تبادل آراء على مأدبة غداء جامعة” يتمّ الإعداد لعقدها، لكنّ نتائجها غير مضمونة بعد.
يستعدّ الحزب لاستقباله مجدّداً بالترحيب بأيّ فكرة حوار أو تلاقٍ متجاوزاً دعوته المسؤولين، عشيّة لقائه وزير الخارجية السعودي، إلى الانخراط “في بحث عن خيار رئاسي ثالث”. عادت فرنسا إلى الحضن السعودي ونفضت عنها تهمة الترويج لمرشّح الحزب عشية تسلّم لودريان مهامّ الوظيفة الجديدة في المملكة.
الحزب يرفض الخماسيّة
هذا الإعلان لم يجد الحزب نفسه معنيّاً به ولو للنقاش فحسب. تقول مصادر مطّلعة على موقف الحزب لـ”أساس” إنّ “الفرنسيين لم يتبنّوا ترشيح فرنجية كي يتراجعوا عنه، بل هم عرضوا فكرة المقايضة بين ترشيحه وبين تكليف نواف سلام لرئاسة الحكومة، وتحدّثوا مع السعودية بهذا الطرح، فرفضته ولم نبنِ على أساسه”. إذاً “من زاوية علميّة لا يمكن القول إنّهم انسحبوا من تأييد ترشيحه لأنّهم لم يرشّحوه ولم يعلنوا تأييده”.
لا تستوقف اجتماعات الخماسية وقراراتها الحزب كثيراً: “سواء كانت لجنة خماسية أو رباعية، فالقرار الرئاسي لبناني بحت واللبنانيون يحدّدون مرشّحهم الرئاسي، وإذا أراد الخارج التدخّل فليكن، لكنّ من يتّخذ القرار بشأن الرئيس المقبل هم اللبنانيون لا أيّ طرف غيرهم. لذا ما يزال الحزب على موقفه المؤيّد لترشيح فرنجية ومتمسّكاً بترشيحه”. ثمّ تستطرد المصادر فتقول إنّهم بالمقابل: “مستعدّون للحوار، وما دام لنا مرشّحنا يجب الحوار معنا بشأنه، وإذا كانت المعارضة ترفض الحوار مع الحزب أو مع الرئيس نبيه بري فمع مَن إذاً يكون الحوار؟”.
تقول مصادر مطّلعة على موقف الحزب لـ”أساس” إنّ الفرنسيين لم يتبنّوا ترشيح فرنجية كي يتراجعوا عنه، بل هم عرضوا فكرة المقايضة بين ترشيحه وبين تكليف نواف سلام لرئاسة الحكومة، وتحدّثوا مع السعودية بهذا الطرح، فرفضته ولم نبنِ على أساسه
ما هو سؤال الحزب للمعارضة؟
تتابع المصادر مستغربة: “بدل أن يتّخذوا التمسّك بفرنجية حجّة لرفض الحوار فليكن السؤال الموجّه إليهم: لماذا يرفضون فرنجية؟ هم يرفضون فرنجية ونحن نرفض مرشّحهم، وعلى هذا النحو سيستمرّ الحال”.
لا يبني الحزب، والثنائي عموماً، آمالاً كبيرة على عودة الموفد الفرنسي، ولا يتوقّع منه الكثير، فـ”كلّ ما يسعى إليه هو أن يحقّق تواصل الأطراف فيما بينها. ترفض المعارضة الحوار كما ترفض التحايل على لفظ الحوار، فكان المخرج الدعوة إلى غداء في قصر الصنوبر لجمع شمل كلّ الأطراف من دون أن يطرح مبادرة محدّدة أو خطة فرنسية للخروج من الأزمة”.
محاولة الوفد القطريّ
في قراءة الحزب “حاول القطري أن يستكمل المسعى الفرنسي، لكنّه وصل إلى طريق مسدود”. لم يتّضح له “وجود تباين لأنّ الفريقين تحدّثا عن خيار ثالث، وهما معاً اعتبرا أنّ من الصعوبة بمكان الاستمرار بطرح ترشيح سليمان فرنجية أو جوزف عون لأنّ طريقهما مسدود، فسقف فرنجية كان في الواحد والخمسين صوتاً التي نالها في جلسة البرلمان الأخيرة، بينما يعارض أكثر من طرف ترشيح قائد الجيش”. هذا الاستنتاج لا يتلاقى معه الحزب الذي ما يزال مصرّاً على توافر حظوظ لفرنجية المتقدّم على غيره بواحد وخمسين صوتاً، لكنّ الخلاصة التي يتعاطى معها الثنائي حالياً تقول إنّ “هناك ترشيحين مستمرّين هما سليمان فرنجية وجوزف عون، لكنّ الحزب لن يدعم الأخير ولا المعارضة ستدعم مرشّح الحزب، ولذا لا تغيُّر من المرتقب أن يحصل قريباً”. لكنّ تسليم الحزب بوجود مرشّح هو قائد الجيش مقابل ترشيح فرنجية يفسَّر بأنّه رسالة لباسيل للمفاضلة بين ترشيح فرنجية أو قائد الجيش، أي بين المرّ والأمرّ بالنسبة له. فإذا كان الأوّل من سابع المستحيلات فخيار الثاني مشروط ببندين أقرب إلى المستحيل أيضاً.
بانتظار التسوية
يشير تمدّد الأزمة الرئاسية إلى أن لا رئيس في المدى المنظور، وهذه حقيقة يؤكّدها الحزب وإن رفض ربط الاستحقاق بالحراك الجاري في المنطقة الذي من شأنه أن يحدث هزّة في المنطقة، سواء من خلال:
– تطوّر العلاقات الأميركية الإيرانية.
– التطوّر الملحوظ في العلاقات الإيرانية السعودية.
– أو التطوّر الأهمّ: تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل، الذي تعتبر مصارد دبلوماسية أنّه سيحدّد مسار الكثير من الملفّات في المنطقة، ومن بينها ملفّ الرئاسة في لبنان.
إقرأ أيضاً: باريس: التسوية آتية… ونحن في مرحلة “رفع السقوف”
تشرين هو شهر الاستحقاقات في لبنان، ففيه سيعود لودريان إلى بحث الاستحقاق الرئاسي، وسيعود الموفد الأميركي آموس هوكستين لبحث مسار ترسيم الحدود البرّية.
لكن باعتراف المصادر الدبلوماسية لن يكون لبنان مدرجاً على جدول الاهتمام الدولي بدليل تعاطي اللجنة الخماسية “البارد”، وغضّ الطرف الأميركي، والتموضع السعودي الحاسم في رفض المسّ باتفاق الطائف. ما يزال مسار التسوية بعيداً. لذا لا يجد الحزب نفسه مضطرّاً إلى كشف أوراقه مسبقاً. ففي خضمّ العرض والطلب لن يكون سهلاً التراجع، والترشيحات ليست إلا أسماء لا أهمية لها متى دقّت ساعة التسوية.