لماذا كأس إفريقيا في المغرب؟

مدة القراءة 6 د


توجد أحداث تبدو ظاهراً غير مهمّة في حال تجريدها من سياق معيّن تندرج فيه. من بين هذه الأحداث إعلان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم من القاهرة وقوع الاختيار على المغرب لاستضافة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في سنة 2025.

سيحلّ المغرب محلّ غينيا التي جُرّدت من حقّ التنظيم في العام الماضي، بينما ستُقام النسخة التي تتبعها في ثلاث دول هي أوغندا وكينيا وتنزانيا، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ البطولة.

فاز المغرب بشرف استضافة كأس أمم إفريقيا بعد انسحاب الجزائر وزامبيا، إضافة إلى عرض مشترك من بنين ونيجيريا. صوّتت اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي التي اجتمعت في القاهرة لمصلحة المغرب الأربعاء الماضي.

سيحلّ المغرب محلّ غينيا التي جُرّدت من حقّ التنظيم في العام الماضي، بينما ستُقام النسخة التي تتبعها في ثلاث دول هي أوغندا وكينيا وتنزانيا، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ البطولة

المغرب الإفريقي: حدث غير عادي

لماذا لا يمكن اعتبار الحدث غير عاديّ ولا يجوز المرور عليه مرور الكرام؟

يعود ذلك إلى أنّ المغرب بات موضع ثقة في شأن كلّ ما له علاقة بتنظيم حدث إفريقي كبير من هذا النوع. سيمهّد ذلك من دون أدنى شكّ لدعم موقف المغرب من تنظيم كأس العالم لكرة القدم مع إسبانيا والبرتغال في سنة 2030.

ما لا يمكن تجاهله أيضاً أنّ المغرب صار على علاقة وثيقة مع معظم الدول الإفريقية. حقّق، بفضل السياسة التي اتّبعها الملك محمّد السادس، اختراقات في كلّ إفريقيا تقريباً. شمل ذلك دولاً بعيدة مثل جزيرة مدغشقر التي حرص العاهل المغربي على زيارتها في إحدى جولاته الإفريقيّة. باتت هناك مصالح مشتركة تربط بين المغرب وإفريقيا منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي في تموز 2016 إثر توجيه محمّد السادس رسالة في هذا الصدد إلى الاتحاد في قمّة كيغالي.

لا تقتصر المصالح المشتركة المغربيّة – الإفريقيّة على مشروع نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عن طريق المغرب. يتعلّق الأمر بأنبوب عملاق يعبر 11 دولة في غرب إفريقيا، لنقل كمّيات ضخمة من الغاز من نيجيريا إلى المغرب. إنّه مشروع لا سابق له في القارّة السمراء، ويُتوقّع أن يرى النور بتعاون بين الرباط وأبوجا. سيتمّ تشييد الأنبوب العملاق على مراحل عدّة. الهدف منه الاستجابة للحاجات المتزايدة للدول التي سيعبر منها وصولاً إلى أوروبا خلال السنوات الـ25 المقبلة.

صار هناك وجود مغربي في إفريقيا في مجال المصارف والاتصالات وتقديم الخدمات الطبيّة، فضلاً عن بناء مصانع للأسمدة الكيمياوية تتزوّد بالفوسفات الآتي من المغرب. بلغت العلاقة بين المغرب ودول إفريقية معيّنة مجال تخريج أئمّة مساجد من جامعات في المغرب، خصوصاً في الرباط. يتولّى هؤلاء نشر الإسلام بطريقة صحيحة بعيداً عن كلّ أنواع التطرّف.

من هذا المنطلق، جاء فوز المغرب بتنظيم كأس أمم إفريقيا أكثر من طبيعي. يُعتبر الحدث تتمّة منطقيّة للعلاقة التي تنمو يومياً بشكل إيجابي بين المغرب وإفريقيا التي تمرّ معظم دولها بمرحلة انتقالية تسودها التجاذبات الدولية في ضوء ما تمتلكه القارّة السمراء من ثروات. باتت هذه الثروات محطّ أنظار القوى الكبرى.

بات المغرب موضع ثقة في شأن كلّ ما له علاقة بتنظيم حدث إفريقي كبير من هذا النوع. سيمهّد ذلك من دون أدنى شكّ لدعم موقف المغرب من تنظيم كأس العالم لكرة القدم مع إسبانيا والبرتغال في سنة 2030

ماذا عن السياسة؟

لا يتعلّق الأمر بالرياضة فحسب، بل يتعلّق بالسياسة أيضاً. لم يعد المغرب بفضل ما تحقّق على صعيد البنية التحتيّة مجرّد بلد في شمال إفريقيا. صار المغرب، إضافة إلى انتمائه الإفريقي والعربي، بوّابة لأوروبا إلى القارّة السمراء. لم يعد السائح الأوروبي أو الأميركي الذي ينتقل من إسبانيا إلى المغرب، خصوصاً عن طريق البحر، يرى فارقاً بين البلدين، لا من ناحية الطرقات ولا من ناحية التسهيلات والإجراءات عند المراكز الحدوديّة.

إلى ذلك كلّه، لا يمكن عزل القرار الذي اتّخذه الاتحاد الإفريقي لكرة القدم عن تعافي المغرب من كارثة الزلزال التي مرّ فيها أخيراً. يؤكّد هذا التعافي انتقال المغرب إلى مرحلة إعادة إعمار المناطق المتضرّرة. فقد خصّص الملك محمد السادس 120 مليار درهم  (12 مليار دولار) في إطار خطة تستمرّ خمس سنوات تهدف إلى تجاوز آثار الزلزال. تشمل الخطة أبعاداً اجتماعية واقتصادية مختلفة مثل إيواء المتضرّرين وإعادة بناء المساكن وتهيئة البنى التحتية. تتضمّن الخطة أيضاً إعداد هذه البنى لمواجهة أيّ زلزال مستقبلاً.

لدى المغرب القدرة على تحديد من يريد بالفعل مساعدة الشعب المغربي ومن يريد استغلال الزلزال لمآرب خاصة كما حال السلطات الفرنسية بكلّ عجرفتها، أو النظام الجزائري بكلّ انتهازيّته. أراد النظام الجزائري، عملياً، تبرئة ذمّته أمام الشعب الجزائري الذي هو في مواجهة معه، قبل الشعب المغربي.

كان مفيداً إيضاح الديوان الملكي المغربي في بيان صدر بعد اجتماع الملك محمد السادس مع مسؤولين في الحكومة والجيش، أنّ البرنامج المتعلّق بإعادة الإعمار يستهدف مساعدة أربعة ملايين ومئتي ألف شخص في المناطق الست الأكثر تضرّراً، وهي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات.

تجاوز كارثة الزلزال

يمكن اعتبار استضافة المغرب لكأس أمم إفريقيا حدثاً عادياً، كما يمكن وضعه في إطار مختلف. يتمثّل هذا الإطار في تجاوز المغرب كارثة الزلزال من جهة، وقدرته على متابعة مسيرته التنموية من جهة أخرى. لا يدلّ على ذلك أكثر من تمسّك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعقد مؤتمرهما السنوي، كما هو مقرّر أصلاً، في مراكش ابتداء من التاسع من تشرين الأول، أي بعد أيام قليلة من الآن. بذلت أطراف عدّة معادية للمغرب، متذرّعة بالزلزال، محاولات لنقل المؤتمر إلى مكان آخر لكن من دون نتيجة.

إقرأ أيضاً: فرنسا تنسحب من النيجر: صفعة واشنطن!

تبقى القضيّة قضيّة ثقة. بات العالم يثق بالمغرب وتجربته ويحترم كلّ كلمة تصدر عنه. لو لم يكن الأمر كذلك لما كانت توطّدت علاقة المغرب بالدول الإفريقية، التي باتت في معظمها تقف مع وحدته الترابيّة ومع مغربيّة الصحراء. يتعلّق الأمر أيضاً بالدول العربيّة التي تقف بأكثريّتها إلى جانب دفاع المغرب عن وحدته الترابية، كذلك بالولايات المتحدة وعدد لا بأس به من الدول الأوروبية التي تقترب أكثر فأكثر من المغرب. في النهاية، لا شيء ينجح مثل النجاح ولا شيء يؤكّد النجاح أكثر من الواقع القائم على الأرض في مراكش وكلّ مدينة مغربيّة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…