العدّ والأعداد هي الشغل الشاغل لمتابعي الملفّ الرئاسي في لبنان. فبعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن حدّ أقصى هو 15 حزيران المقبل، لانتخاب رئيس الجمهورية، أي قبل 15 يوماً من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان.
يقوم المعنيون بمحاكاة لعملية الاقتراع، مع احتساب الأصوات التي سيحصل عليها كلّ مرشّح. وحتى هذه الساعة عملية الاحتساب هذه لا تعطي لأيّ من المرشّحين، ومن ضمنهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، 65 صوتاً.
الأهمّ أنّ المطابخ السياسية مرتبكة، تسودها أحوال ضياع وسط تذبذب بورصة أكثر من معطى. وفي النقاشات رواية لكلّ من الفريقين يرويها مرجّحاً ومتكهّناً وكأنّ أحداً لا يعلم نهاية مسار هذا الملفّ.
رواية فريق فرنجيّة
يستند الفريق الداعم لفرنجيّة في روايته على لقاء السفير وليد بخاري برئيس مجلس النواب نبيه برّي. هذا اللقاء الذي لم يحضره أحد ولم يشأ برّي الإفصاح عن مضمونه للمقرّبين منه باستثناء المعنيّ المباشر بالرئاسة.
المحرّكات شغّالة بشكل سريع ووتيرة المسار متسارعة باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية يُجمع كثيرون على أنّ هويّته ستُعلن في حزيران. أمّا إذا تمّت عرقلة أيّ تسوية حول لبنان فإنّ الفراغ المقبل سيكون طويلاً جدّاً
بعد جولة بخاري حصل إرباك شديد، لأنّ الكلام الدبلوماسي السعودي وضع الطابة في ملعب القوى اللبنانية الضائعة أصلاً. تأتي اليوم زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لليرزة للقاء بخاري بعد كلام نُشر يوم الإثنين الماضي عن زيارة (لم تحصل) قيل إنّ السفير السعودي سيقوم بها لبنشعي.
تستند رواية هذا الفريق إلى معلومات محصورة بعين التينة وبنشعي اللتين تواصلان التنسيق بينهما. وبناءً عليها كان كلام برّي عن دعوته إلى جلسة قبل الخامس عشر من حزيران لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي كانت السفيرة الأميركية أوّل المطالبين بعقدها.
في المعلومات التي رافقت زيارة فرنجيّة لليرزة أنّها حصلت بناء على دعوة بخاري. كان اللقاء لطيفاً وودّياً، لكنّه لم يُجِب على أسئلة فرنجية الكثيرة عن الموقف الحقيقي للمملكة تجاهه لأنّ بخاري التزم الخطاب الدبلوماسي للمملكة.
رأى فريق فرنجية في هذه الزيارة إشارة إيجابية يمكن البناء عليها، واعتبرها البعض امتحاناً من جملة الامتحانات التي يخضع لها فرنجية في طريقه إلى بعبدا.
يدرك العقل العميق في مطبخ فرنجية أنّ الزيارة لا تقدّم ولا تؤخّر ما لم يوجد دعم سعودي مباشر غير متوافر حتى اليوم، بانتظار ما يمكن أن ينتج عن هذه الزيارة من تبدّل واضح في مسار الأمور لمصلحة فرنجية، وهو ما ليس ظاهراً حتى الساعة.
رواية الفريق المعارض لفرنجيّة
يستند هذا الفريق إلى مجموعة معطيات أوّلها أنّ فرنجية لا يملك 65 صوتاً، وأنّ القوى المسيحية الحزبية والمستقلّة لا تؤيّده. فعلى الرغم من كلّ الكلام عن حشد يقوم به رئيس المجلس، وكلام يكاد يوصل فرنجية إلى قصر بعبدا، غير أنّ ذلك ليس منجزاً بعد. إضافة إلى أنّ القوى المسيحية التي تخوض مفاوضاتها للتوافق على اسم مرشّح يواجه فرنجية، باتت قاب قوسين من الاتفاق.
تتمحور المفاوضات حول صلاح حنين وجهاد أزعور، على أن يخرج هذا الفريق بمقاربة موحّدة. يقول مصدر مطّلع على المطبخ الرئاسي القوّاتي العونيّ، إنّ لقاء فرنجية ببخاري ليست له نتائج فعليّة على مسار الأمور. وسيكون لرئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط كلام في هذا السياق قريباً في مقابلة تلفزيونية يوضح فيها الأسباب التي تقف خلف عدم ذهاب كتلته إلى التصويت لفرنجية، إن بالمفرد أو بالجمع. وهي أسباب أصبحت شبه معروفة تحت عنوانين: عنوان مسيحي وآخر يتعلّق بالنائب تيمور جنبلاط وموقفه الرافض تماماً لفرنجية.
إقرأ أيضاً: باسيل “يُسوّق” بارود وأزعور عند “القوّات”!
الأكثريّة المطلقة؟
في الخلاصة لا 65 صوتاً لفرنجية، ولا 65 للاسم الذي سيتنافس معه في جلسة مفترضة سيحدّدها الرئيس برّي فور اتّضاح معالم المعركة. أو بالأحرى كلّ من الفريقين ستكون له قدرة للتعطيل في الدورة الثانية. وبالتالي تشخص العيون إلى لقاء الإثنين المقبل في 15 أيار في الدوحة، حيث ستعقد “اللجنة الخماسية” (أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) اجتماعها، على أن تحدّد فيه مقاربتها الرئاسية تجاه لبنان بشكل واضح.
ووفق مصادر مطلعة على أجواء الاجتماعات الخماسية المتتالية، ولما يرمز إليه هذا الاجتماع من مكان انعقاده، يتحدّث المعنيون به عن إمكانية التوجّه إلى طرح مبادرة رئاسية جديدة سبق أن بدأتها قطر في لبنان عبر وفدها الأمني، بطرح اسم قائد الجيش جوزف عون رئيساً توافقياً بين اللبنانين. سيأتي هذا الطرح وسط عقم انتخاب رئيس، بفعل الاصطفافات الحالية والفيتو الموضوع من كل فريق على مرشح الفريق الآخر. لاسيما وأنّه أصبح معلوماً أنّ الوفد القطري الذي التقى قوى سياسية عدّة، فاتح بعضها علناً بإمكانية الوصول إلى رئاسة قائد الجيش جوزيف عون.
وسط المواقف المعلقة على طرفَي النقيض، يبدو أنّ رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، سيتّجه إلى رفض أيّ رئيس تحدٍّ من جانب أيّ فريق كان. كما رفض فرنجية لأنّه رئيس يتحدّى المسيحيين، وميشال معوّض لأنّه يتحدّى الحزب، سيعلّق “أصواته” عن أيّ رئيس تحدٍّ، حرصاً على “العيش المشترك في الجبل”، إن مع المسيحيين أو مع الشيعة. وبالتالي سيكون التوجّه إلى “رئيس تسوية” بين اللبنانيين.
المحرّكات شغّالة بشكل سريع ووتيرة المسار متسارعة باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية يُجمع كثيرون على أنّ هويّته ستُعلن في حزيران. أمّا إذا تمّت عرقلة أيّ تسوية حول لبنان فإنّ الفراغ المقبل سيكون طويلاً جدّاً .
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@