لم يعد مجدياً الاختلاف على ما إذا كان إبعاد سوريا عن الجامعة العربية إجراء سليماً أو ضرورياً، كي يشتعل نقاش جديد حول ما إذا كانت إعادتها كذلك.
إذا ما نُظر للحالة السورية من مختلف جوانبها، وخاصة الداخلية منها وعلاقاتها بالمحيط الإقليمي والمسؤوليات المترتّبة عليها لمعالجة آثار الحرب المدمّرة التي عاشتها، فبوسعنا رؤية الحجم الحقيقي لاحتلال مقعدها في المنظومة العربية، ومدى تأثيره على ما ستواجه من تحدّيات.
إذا كانت الحرب قد وضعت أوزارها، فبديهي أن تكون إزالة آثارها هو التحدّي الأكبر، الذي يضع النقطة النهائية آخر السطر، ويضع خلاصة أصعب مرحلة مرّت بها البلاد وأعظم كارثة أصابت العباد.
دعونا نعتبر أنّ عودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية جاءت كخطوة مهمّة لترتيب علاقاتها مع الدول الشقيقة. غير أنّ هذه العودة، وإن عنت الكثير على صعيد الشرعية في إطار المنظومة العربية، إلا أنّها تشترط لكي تكون فعّالة على المستويات الأخرى أن تتوازى مع شرعيّة أهمّ هي تلك التي ينبغي أن تتجدّد بين جميع مكوّنات الدولة، وذلك يتطلّب تغييراً جوهرياً في صلات النظام السياسي بالشعب والدولة والمحيط.
لم يعد مجدياً الاختلاف على ما إذا كان إبعاد سوريا عن الجامعة العربية إجراء سليماً أو ضرورياً، كي يشتعل نقاش جديد حول ما إذا كانت إعادتها كذلك
الحرب السورية مؤامرة خارجية؟
لقد فُسّرت بدايات الأزمة، حين أنذرت بحرب أهلية، على أنّها بفعل مؤامرة خارجية. ومع أنّ الأمر ليس مستبعداً تجاه بلد بأهميّة سوريا، إلا أنّه لا مؤامرة خارجية تنجح وتجرّ بلداً وشعباً ومنطقةً إلى ما جرّت إليه الحالة السورية، من دون حاضنة داخلية مؤاتية لها. وهذا ما كان، وما يحتّم، إيجاد الطريق الصحيح للسير عليه على نحو يضمن عدم الوقوع فيه مرّة أخرى.
إذا نظرنا إلى ما أنتج “الربيع العربي” منذ بداياته وعبر جميع فصوله التدميرية الدامية والمكتظّة بالأخطار المباشرة والكامنة، يتبيّن أنّ الوضع الداخلي لكلّ بلد كان إمّا الضمانة للنجاة، وإمّا السبب للغرق في دوّامة الموت والدمار. وحين يكون الوضع الداخلي سليماً، والحديث عن سوريا، يكون الأمان، وتكون كلمة سرّ النجاح في تنفيذ مستحقّات الجهاد الأكبر، ولادة “سوريا الجديدة”.
نحن في الخطوة الأولى أو لنقل الحلقة الأسهل من حلقات السلسلة.
سوريا اليوم من داخلها ومن حولها، هي البلد العربي الذي سيظلّ كما كان أبد الدهر جزيرة يحيط بها بحرٌ لم يهدأ يوماً، وازدحامُ قوى تتطلّع إلى “مرقد عنزة” فيها. فكلّ دولة تحيط بسوريا ترى في هذه الجزيرة ممرّاً حتمياً لأجنداتها:
– إسرائيل أساس الصراع الأزلي مع السوريين والعرب.
– الأردن وفلسطين بارومتر الحرارة والبرودة.
– لبنان الإشكال الدائم والفاترينة الزجاجية للصراع الكوني.
– تركيا استيراد وتصدير المهاجرين والأزمات.
– إيران بأجنداتها التي هي فوق احتمال الكون كلّه.
إقرأ أيضاً: هل تغيِّر مصالحة النظام السوريّ من الأمر شيئاً؟
– وروسيا التي حلمت بوضع أقدامها الجليدية في المياه الدافئة، فتحقّق حلمها في سوريا.
في زمن عولمة الأوبئة والطاقة والماء والغذاء والأمن، سوريا كنز ثمين يستحقّ التطلّع إليه والاستثمار فيه.
إن عادت سوريا إلى النظام العربي غير النموذجي أصلاً، يبقى سؤال الأسئلة: متى وكيف تعود إلى ذاتها وناسها بعد كلّ الذي حدث؟
لنراقب ونرَ.