خضر عدنان… وخيار اللاتهدئة ولا القتال

مدة القراءة 5 د

كما كان متوقّعاً انتهت بروفة القتال سريعاً في غزّة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، عقب استشهاد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الأسير خضر عدنان في سجون الاحتلال، بعد إضراب عن الطعام استمرّ 86 يوماً. وكان من غير المرجّح أن تخاطر حركة حماس بالدخول في حرب شاملة ضدّ إسرائيل من غزّة كما فعلت في عام 2021، على الرغم من أنّها ستسعى جاهدة إلى تعزيز قدراتها العسكرية والاستعداد لمعركة كبيرة مع إسرائيل، لكن من غير المتوقّع أن تكون هذه المعركة وشيكة.

غلاف غزة “القلق المستمر”
يرى المسؤولون الإسرائيليون أنّه على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار برعاية مصرية، وإعلان الجيش الإسرائيلي عودة الحياة إلى طبيعتها في “غلاف غزّة” وجنوب إسرائيل، إلا أنّ “من السابق لأوانه أن نقدّر هل باتت هذه الجولة وراءنا”. وفي ما يتعلّق بتحرير جثمان الأسير خضر عدنان، أوضح المسؤولون أنّه لا يوجد أيّ التزام بإعادة جثّته، لكن من الجهة الأخرى لا يبرّر أيّ اعتبار استمرار احتجاز الجثّة.
توقّف المراقبون عند تبنّي حركة حماس مع الجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية علانية إطلاق صواريخ على مستوطنات غلاف غزّة في وضح النهار، إذ يُعتبر هذا الأمر تطوّراً لافتاً والأوّل من نوعه منذ عملية سيف القدس، ويعني أنّ حركة حماس تسعى إلى خلق معادلة جديدة بعدما لمست هشاشة الوضع الداخلي الإسرائيلي بسبب الانقلاب القضائي. ويبدو أنّ حركة حماس هي الأسرع والأكثر فاعلية في فكّ شيفرة وفهم السنوات الأربع من الفوضى الداخلية التي تعيشها إسرائيل، وخصوصاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وحسن استغلالها، وهو ما تجسّد أخيراً في فتح الجبهة الشمالية الذي يُعتبر أمراً غير مألوف. فقد تفاخرت حركة حماس على مدى سنوات بتركيز نضالها ضمن حدود الساحة الفلسطينية.

حتى التهديدات التي تردّدت في الآونة الأخيرة عن نيّة المستوى العسكري استئناف الاغتيالات، التي ستشمل السنوار نفسه، تخدم المصلحة السياسية للسنوار

“الخوف الإسرائيلي”
تدرك قيادة حماس الخوف الإسرائيلي من حدوث تصعيد في قطاع غزّة وشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزّة، وتفضيل تل أبيب سياسة احتواء حركة حماس عن طريق الامتيازات والتسهيلات. وتعتبر حركة حماس أنّ سلوك “إسرائيل” وتحفّظاتها من عملية عسكرية كبيرة في قطاع غزة هما نوعٌ من بوليصة التأمين التي تسمح لها برفع مستوى الجرأة والشجاعة لتحدّي “إسرائيل”، وإمكانية تنفيس الضغط عبر إطلاق صواريخ محدودة على الغلاف مع استمرار الهدوء على جبهة غزّة.
قدّمت بروفة القتال الحالية وإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان أقوى إثبات على العلاقة الوثيقة بين الصدع الداخلي الإسرائيلي والتحدّيات الخارجية، وبيّنت كيف تسبّب تآكل صورة الردع “الإسرائيلي” بزيادة جرأة حركة حماس والفصائل الفلسطينية ورفع احتمالية نشوء مواجهة في عدّة ساحات قد تجد تل أبيب نفسها في مواجهة معها.
يعي قائد حركة حماس في غزّة، يحيى السنوار، الوضع السياسي المعقّد والحسّاس في “إسرائيل”، ويشعر بالحصانة من أيّ عمل عسكري ضدّ قطاع غزّة، ويقدّر أنّ استفزازه لـ”إسرائيل” لن يقابَل بعمل عسكري، مدفوعاً بإحساس القوّة في ظلّ الوضع السياسي في إسرائيل.
حتى التهديدات التي تردّدت في الآونة الأخيرة عن نيّة المستوى العسكري استئناف الاغتيالات، التي ستشمل السنوار نفسه، تخدم المصلحة السياسية للسنوار، خاصة أنّ إسرائيل كانت في عجلة من أمرها لإيصال رسالة إلى حماس عبر مصر، مفادها أنّها لا تنوي القضاء على القيادة العليا للحركة.

“حماس” وضعف السلطة: استغلال متدفق
من جهتها ترى حركة حماس أنّ هناك فرصة استراتيجية فريدة تتطوّر تدريجيّاً من خلال ضعف السلطة الفلسطينية والتصعيد في الضفّة الغربية إلى تحدّي إسرائيل وتقويض السلطة الفلسطينية، ولا سيّما أنّ غرق إسرائيل في الأزمة الداخلية يتيح لحركة حماس أن تستغلّ هذا الوضع لتحقيق أهدافها البعيدة المدى، وعلى رأسها وراثة النظام الفلسطيني برمّته.
هذا وسلّطت وسائل إعلام إسرائيلية الضوء على تبنّي حركة حماس إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة، فقال موقع “واللا” العبري إنّ “حماس تشترك في بيان فصائل الغرفة المشتركة، وبمعنى آخر تدرك حركة حماس مدى الضعف الإسرائيلي، وهذه هي البداية فقط”. ورأى المحلّلون أنّ السياسة الإسرائيلية في قطاع غزّة يشوبها ارتباك وضعف. وقد ظهر الارتباك الإسرائيلي عندما منحت إسرائيل تسهيلات لسكّان قطاع غزّة، ثمّ ألغتها بعد إطلاق الصواريخ في نهاية رمضان، ثمّ استأنفت السماح لهم بالعمل في إسرائيل.
بحسب القناة 12 العبرية، اتّخذت حركة حماس خطوات جريئة انطلاقاً من التقدير (الصحيح) أنّ إسرائيل لن تقيّد أو تقلّص في ظلّ الظروف الحالية التسهيلات المدنية المعطاة للقطاع والتي تساهم فعليّاً في تعزيز حكمها وتقليص فرصة عودة السلطة الفلسطينية إلى المنطقة. وبذلك فرضت حركة حماس حقيقة التفريق على إسرائيل، وهو المصطلح الذي اخترعته بنفسها، فبينما زرعت إسرائيل الهدوء بالفعل في غزّة حصدت في النهاية عاصفة في لبنان.

حجم الأكلاف على الفلسطينيين؟
لقد أصبح واضحاً أنّ تكلفة الحفاظ على خطّ رفيع بين الهدوء والعنف في قطاع غزّة بالنسبة لـ”حماس” هي أقلّ من تكلفة الانخراط في حرب شاملة ستؤدّي إلى تعريض أهدافها الكبرى للخطر، وأهمّها وراثة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما لا تريده قيادة حركة حماس نظراً لإحساسها بكبر الفرص السياسية والاجتماعية المتاحة أمامها.

إقرأ أيضاً: “الحرس الثوريّ”… الإسرائيليّ

يمكن أن يكون تكتيك “اللاحرب واللاتهدئة” هذا طريقة فعّالة نسبياً لـ”حماس” لتحقّق أهدافها المباشرة في كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة.
يعتمد هدف “حماس”، في الضفة الغربية، على نهاية عهد أبو مازن، واستمرار الاستيطان الإسرائيلي والعدوان في الضفة الغربية، إذ تنسجم هذه البيئة مع استراتيجيات حركة حماس في تبنّي الخيار العسكري لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي. فحينئذٍ يصبح فلسطينيّو الضفة الغربية على ثقة بأنّ المقاومة المسلّحة هي السبيل الوحيد لتحدّي توسّع المستوطنات، وخصوصاً مع سقوط خيار حلّ الدولتين.

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…